نِصفُ قَرنٍ على رحيله.. عبد المُطَّلِب الأمين شاعِرُ الحُرِّيَّة الإنسانيّة… ونَثرُهُ المَجهول!

عبد المطلب الامين

“أنا شاعِرٌ لو جَمَّعُوا كُلَّ الدُّمىَ      أو قَدَّسُوها زَائِفاً ومُعَمَّدا

ما اختارَ إلاَّ الكبرياءَ مَنارةً           بِشُعاعِهِ وسِوى الكرامةِ مَورِدا”.

هذا القول الشِّعريّ ليس شِعاراً إفتخاريّاً إدِّعائيّاً مَجَّانِيّاً، أي هو ليس مُجَرَّد صورةٍ شِعريّة مجازيّةِ الرّؤيا فحسب؛ بل هو حقيقةٌ إبداعيّة دامغة يَتَّصِف بِها قائِلُه، اتّصافَ الوَردِ بأريجه المتضَوِّع الذي لا يستطيع أحدٌ، على الإطلاق، تَجاهُلَهُ أو إنكارَهُ ، مهما حاول .

ذلك أنّ هذين البيتين الشِّعريّين الرائعين واللذَين هما للشاعرعبد المُطَّلِب الأمين، واللَذَين تتضمّنهما إحدى قصائده التي يضمّها ديوانه، ما هما إلاّ الهوّيّة الإبداعيّة لهذا الشاعِر، وهي الهويّة التي تتبلور معالِمها وعوالِمها، بآفاقِهما كافّة في كُلّ نِتاجِه الشِّعريّ ومُعطَياته قاطِبةً.

اقرأ أيضاً: مُطلق النورسي.. «معلم القرآن» من فلسطين الى طيردبا!

ونقول: إنّ عبد المُطَّلِبِ الأمين، هو شاعِرُ “الحُرِّيَّةِ الإنسانيّة”. وهذا اللقب نابِعٌ من خصوصيّة شِعره، وهي خصوصيّةٌ فَذَّة، فريدة ومتفرِّدة، بطبيعة الحال، دفعتنا لأن نُلقِّبَه بهذا اللقب الذي يستحقّه عن جدارةٍ ماثِلةٍ في ما تَستَجلِبُهُ أجواءُ ومناخاتُ رَهافةٍ متدفِّقة في ما يُستَشَفُّ مِن أَبعاد عطائه الشِّعريّ.

فخصوصيّةُ قصيدة عبد المُطَّلِب الأمين، هي عَينُها خصوصيّةُ ما عُرِفَ اصطلاحاً، في الشِّعر العربي بـ”قصيدة الرَّفض”، وهذا، برأينا، عائدٌ إلى أنّ عبد المُطَّلِب الأمين هو رائدٌ من روّاد كتابة هذه القصيدة التي اختُصَّت بهذه التسمية لأنّها هي القصيدة الرّافضة لكلّ ما يُغَيِّب إنسانيّةَ الإنسان. ورَفضُها هذا هو دَيدَنُها الأثير، الذي تَفيضُ تَجليّاتُه في شِعر عبد المُطَّلِب الأمين، ألشِّعر الرّافض، بإطلاق، لانعِدامِ: الحُرِّيّة والعَدل والمساواة في العالم. وهذا الشِّعر هو الشِّعر الرَّافض، وبإطلاق، أيضاً، كُلَّ سُلطةٍ (وأيَّ سُلطةٍ) إستبداديّةٍ، قَمعيّةٍ (سواء أكانت سياسية أو دينيّة أو إجتماعيّة)، حتّى إنّه هو رافِضٌ، أيضاً، وبالمستوى نفسه، سُلطةَ اللّغة (أي، بالمجمل: كلّ وأيّ سُلطة تُصادِر حُرِّيّةَ الفرد لتُلغي شخصيَّتّه). ومن هنا نرى لماذا شِعر عبد المُطَّلِب الأمين، هو شِعرٌ عامِرٌ بأحلام هذا الشّاعر اللامتناهية، عن العَدل والحُرِّيّة، عامِرٌ بالحُبّ والكرامة الإنسانيّة، وعامِرٌ- من حيث هو كذلك – بكلّ تجليّات الحقّ والخير والجمال، على حدٍّ سواء، وذلك من خلال تجسيد، هذا الشِعر، مبادِىءَ وقِيمَ كُلّ ذلك. ذلك لأنّ شِعريّة شِعر عبد المُطَّلِب الأمين، هي شِعريّةُ تَمَرُّد الإبداعِ الحُرّ، على كُلّ عتمةٍ وجوديّة وظلامٍ وجوديّ. وهذه هي هُوّيّة “قصيدة الرَّفض” بعامّة، وهُوِّيّة قصيدة عبد المُطَّلِب الأمين بخاصّة.

عبد المُطَّلِبِ الأمين، هو شاعِرُ “الحُرِّيَّةِ الإنسانيّة”. وهذا اللقب نابِعٌ من خصوصيّة شِعره، وهي خصوصيّةٌ فَذَّة، فريدة ومتفرِّدة

هذا، على أنّ الرّفض، في “قصيدة الرَّفض”، عموماً هو فِعلٌ خلاّق (فِعل ٌ إبداعِيّ) على ما يُسمِّيه النّاقد المشهور جابر عصفور في كتابه النّقديّ الذي يحمل عنوان: “قصيدة الرَّفض” وهوالكتاب الذي قوام مضمونه هو (قراءة في شِعر أمل دُنقُل). ويحدِّد عصفور في هذا الكتاب مواصفات قصيدة الرّفض قائلاً: “إنّ قصيدة الرّفض هي القصيدة التي تكشِف عن واقع الضَّرورة (الواقع المعيش)، لتستبدل به عَالَمَ الحُرِّيّة والعدل والمساواة. ويضيف عصفور قائلاً: “وكانت هذه القصيدة، صادرة دائماً عن مبدأ الرّغبة وليس مبدأ الواقع، مبشِّرة (أي هذه القصيدة) بالعالَم الأكمل والأجمل (أي عالَم الأحلام الدائمة التي لا تنتهي ديمومتها مطلقاً، إلاّ بانتهاء الحياة نفسها).” إنتهى كلامُ عصفور هنا.  

– “وَلَم أرَ كالشَّوكِ لا يَرحَمُ” (عبد المُطَّلِب الأمين: ديوان الشاعر: (ص: 66).

 – “أَستَغفِرُ الأَحلامَ. واخَجلِي مِن الرّؤيا الحَرُون.” (عبد المُطَّلِب الأمين: ديوان الشاعر: (ص: 37).

يذهب تأويلُنا مضمونَ هاتين الصّورتين الشّعريتين إلى القول: إنّ المتخيَّل الشّعريّ الجَذريّ في تغييريّته هذه لايُقيمُ أيّ وَزنٍ سوى لأحلامه ورؤآه الإنسانية التي لا تصبو إلاّ لتحقيق القيم والمبادىء والحقوق التي تحفظ الكرامة الإنسانيّة.  

وفي هذه الأيام يكون قد مضى نصف قرنٍ على رحيل الشاعر والديبلوماسي والقانونيّ والكاتب عبد المُطَّلِب الأمين. ونحن نُحيي ذكرى هذا الشاعر الفَذّ الذي احتلّ موقع ذُروةٍ متفرِّدة من ذّرى الإبداعيّة الشّعريّة العربية على مدى تاريخ الشعر العربي كلّه .

ونورد هنا، تعريفاً بكتابه النّثريّ الصادر تحت عنوان: “الشاعر عبد المُطَّلِب الأمين (كتاباتٌ نثرية مجهولة)” الصادر عن “مؤسّسة مجلس أمناء إحياء تراث العلاّمة السيّد محسن الأمين (في دمشق وبيروت) في طبعة أولى (من دون ذِكر تاريخ النشر). وهذا الكتاب هو من إعداد وتنسيق نجل الشاعر المحامي محسن الأمين. وهذا الكتاب هو من تقديم ومراجعة هاني الخيّر. ويُستهَلّ هذا الكتاب بنبذة عن الشاعر.

وهذا الكتاب بصفحاته وموضوعاته وأفكاره الرّئيسية مجتمعة، يقدّم لقرّاء العربية، الجانب النثري المجهول في تراث المفكّر والسياسي والدبلوماسي والشاعر الراحل عبد المطّلب محسن الأمين وهذا الكتاب يعطي بشفافية صورة صادقة وأمينة استشرافه للمستقبل وللإنسان العربي في انتصاراته وانكساراته… وفي آماله وطموحاته… وفي مستقبل أيامه. وفي هذا الكتاب أيضاً أحاديث سياسية معمّقة في غاية من الأهمية، فضلاً عن خواطر ذاتية ووجدانية موجعة ونازفة تلامس ضمائر الأحراروالشرفاء ومشاعرهم العليا.

والديوان الشعري ل عبد المطّلِب الأمين يتضمن (أشعاره وسيرته وما قيل عنه). وهذا الديوان من إعداد وتوثيق محسن الأمين، ومراجعة وتدقيق هاني الخيّر, وهذا الديوان صادر في طبعة أولى عام 2015 عن “جمعية إحياء تراث العلامة السيد محسن الأمين في بيروت، ودار الحضارة الجديدة في بيروت، ودار الحمراء في دمشق.

عبد المطّلب الأمين في سطور

– ولد عبد المطّلب الأمين في دمشق سنة 1916، وتوفي في بيروت سنة 974 م، ودُفن في بلدة شقراء من جبل عامل (لبنان). أتمّ دراسته الإبتدائية والثانوية والجامعية في دمشق وحمل شهادة “الليسانس” في الحقوق.

– عُيّن مدرِّساً في دار المعلّمين الريفية في بغداد.

– عُيّن مستشاراً في وزارة الخارجية السورية في أوّل إنشائها ثمّ رئيساً للبعثة الدبلوماسية في السفارة السورية في موسكو ،وتابع عمله في بغداد كرئيس للبعثة الدبلوماسية، ثمّ نُقل إلى الإدارة المركزية في دمشق.

– تمرّد على انقلاب حسني الزعيم فأقاله من وزارة الخارجية السورية – إنتقل إلى لبنان فعُيّن بعد حين قاضياً في المحاكم المدنية اللبنانية واستمرلبضع سنوات – انتقل إلى دولة الكويت حيث عمل محامياً في محاكمها

– إنصرف في أواخر حياته إلى الكتبة والشِّعر، وعمل مترجماً في وكالة نوفوستي.

– كان يجيد اللغات: الفرنسية، والإنكليزية،  والرّوسية.

اقرأ أيضاً: قصيدة في اغتيال كامل مروة من دفتر الخوري يوسف عون

مختارات من ديوان عبد المطّلب الأمين

من قصيدة: نَجمة الصّبح

جرّني الكأس للحياة فأدمى       قدمي البكر بالسّرى والعياء

أنا لولاه مُقعَدٌ في سرابي         وأسيرٌ لوحدتي وانزوائي

لامني الناس في رفاقة كأسي     يحرمون الأعمى عصا الاهتداء

ويرومون أن أغنّي وأشدو         في زوايا مقابر الأحياء

                         ***

من قصيدة: إكسير الهناء

وطفتُ على كأس الحياة سخيّة     مشحونة الأوتار بالأنغام

أنا مَن منحتُ العُمرَإكسيرَ الهنا     من فيض بوهيميّتي المترامي

(نُشر في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 192 – صيف 2024)

السابق
إستقالة قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي من منصبه
التالي
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قيادي بحماس من هو؟