وأخيرا.. هلّل أهلنا والعالم لهذا «الرّدّ»!

السفير هشام حمدان

هلّل أهلنا في بيئة المقاومة لردّ ميليشيا إيران في لبنان أخيرا، على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر. كتب لي أحد مفكريّ ما يسمّى مقاومة، أنّ الرّدّ أعاد توازن الرّعب والرّدع. وأبقى العدوّ في حالة ترقّب وانتظار مكلفة معنويّا، وإقتصاديّا. وأثبت بأنّ الكلمة الأخيرة “للمقاومة”، وأن لا تراجع عن دعم، ونصرة، ومساندة، المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، وعموم فلسطين.

كنت قد قرأت عن الردّ، وما ورد في خطاب سماحة السّيّد حسن نصرالله. سألت نفسي لماذا يفرح صديقي؟ فالرّدّ لم يكن سوى موجة أخرى من الصّواريخ اليوميّة ولكن مع زيادة في العدد. كتبت ردا داعيا لأهلنا ولشعبنا الفلسطيني بالعزّة. وطلبت الرّحمة للذين غابوا على هذا الطّريق الذي “يبدو أنّه سيظلّ متوقّفا على الرّدع والرّدع المقابل، فيما أهل فلسطين يموتون يوميّا، ويتمّ طردهم من بيوتهم، والإستيلاء على أراضيهم”.

أضفت أنّ الرّدع، والرّدع المقابل، لهما أثمان عالية ليس فقط على إسرائيل التي تحكم ماليّة العالم، من خلال اليهود وأميركا، وإنّما أيضا على لبنان وأهله الذين يشحذون المساعدات من هذا وذاك، ويعيشون من دون أدنى مقوّمات الحياة من كهرباء، وماء، وطبابة، وأدوية، وفي أسوأ حالات الفساد، والإنهيار الإقتصادي.

إقرأ أيضا: بالفيديو: إسرائيل تكشف صور الطائرات التي ضربت لبنان

تابعت قائلا: “حفظ الله لنا هذه العزّة مع صواريخ تقدّمها ايران كي تطلق من لبنان، فيدفع أهله الثّمن وليس أهلها. وحفظ الله لنا هذه العزّة كي يبقى سماحة السّيّد في وكره، خوفا من ملاحقة درون إسرائيلي يغتاله. وحفظ الله لنا هذه العزّة وأهل الضّاحية والجنوب، مشتّتون يفتشون عن مكان إقامة لهم خوفا من غارات إسرائيل. هم بالطّبع سعداء بهذا الرّعب لأنّه يمنحهم العزّة.
قرأت بدقّة كلمات سماحة السّيّد ويمكنني فعلا وبصدق، أن أهنئ أهلنا في الضّاحية والجنوب وشعب لبنان، فالرّدّ لم يوجّه نحو المدنيّين ولا نحو البنى التّحتيّة. وهكذا، نجا لبنان وأهل الضّاحية من دمار محتم ومن محنة لا تطاق. وأزيح عن كاهل الناس ذلك الضّغط النّفسي الخانق. تمّ توجيه الرّدّ الى الثّكنات العسكريّة، وكنّا نأمل أن تصيب قيادات سياسيّة وعسكريّة على وزن شكر، فالعين بالعين، والسّنّ بالسّنّ.

حفظ الله لنا هذه العزّة كي يبقى سماحة السّيّد في وكره، خوفا من ملاحقة درون إسرائيلي يغتاله. وحفظ الله لنا هذه العزّة وأهل الضّاحية والجنوب، مشتّتون يفتشون عن مكان إقامة لهم خوفا من غارات إسرائيل

لا ندري فيما إذا كانت الصّواريخ أصابت أهدافها العسكريّة، لكنّنا نعتقد أنّها أصابت أهدافها السّياسيّة، وهذا هو الأهم: هذا الرّد الذي جاء بعد يومين من إعلان الحزب الدّيمقراطي الأميركي ترشيح كاميلا هاريس للرّئاسة، وانطلاق معركة الإنتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة عمليّا، يجعلنا نتساءل عمّا إذا كان الدّيمقراطيّون قد عقدوا اتّفاقا سرّيّا مع الإدارة الإيرانيّة يخدم المرشح الدّيمقراطي. نقول ذلك، ونحن نستذكر الإتفاق السّرّي الذي عقده الجمهوريّون مع إدارة الإمام الخميني، عشيّة الإنتخابات الرّئاسيّة في تشرين الثّاني 1981، بحيث لا تطلق إيران سراح الرّهائن الأميركيّين، قبل الإنتخابات الأميركيّة مقابل وعود بتزويد إيران بالسّلاح المنشود عبر إسرائيل، في معركتها في حينه مع العراق. وقد حصل ذلك فعلا، وتمّ إطلاق الرّهائن بعد يوم واحد من انتخاب الرّئيس رونالد ريغن في حينه، وفتحت أميركا باب السلاح عبر إسرائيل إلى إيران.

الرّدّ الأخير شكّل ولا شكّ، إستجابة للرّغبة الأميركيّة بأن يكون متّزنا، فلا يفتح الباب أمام تصعيد يهدّد السّلم الدّولي في المنطقة. كما جاء عشيّة انطلاق المفاوضات في القاهرة بما يعني سحب السّوط الإيراني الذي يعزّز تصلّب نتنياهو، مما يزيح عن الإدارة الأميركيّة هذا الحاجز ويمنحها قدرة مواجهته، بقوة لتحقبق وقف الحرب في غزّة، وبدء الإعداد لمؤتمر سلام ينهي الحرب العربيّة الإسرائيليّة. وقف الحرب في غزة وما يليها من جهود لإنهاء الحرب العربيّة الإسرائيلية، سيشكل قوّة دفع لا تخفى لصالح الدّيمقراطيّين.

الرّدّ الأخير شكّل ولا شكّ، إستجابة للرّغبة الأميركيّة بأن يكون متّزنا، فلا يفتح الباب أمام تصعيد يهدّد السّلم الدّولي في المنطقة

لقد قلنا دائما أنّ الولايات المتّحدة، ودول الغرب الأوروبّي قد تعبوا فعلا من هذا الصّراع. لم يعد هناك من حاجة لبعبع إيراني أو إسرائيلي، للضّغط على العرب للإعتراف بإسرائيل. وصارت الحاجة الآن هي الضّغط لتهدئة النّظام الإيراني وإعادته إلى حجمه الإقليمي، وكذلك لتهدئة اليمين الإسرائيلي المتطرّف، والخروج من استراتيجيّة إسرائيل الكبرى جغرافيّا، إلى سياسة رأس المال المحكوم بالدولار.
يبقى أن نسأل ما هو هذا الإتّفاق السّرّي مع إيران؟ لا نرى سوى البرنامج النّووي، خاصّة بعد الإفراج عن برنامج الأسلحة الهجوميّة للسّعوديّة، وفتح الطّريق إلى برنامج نوويّ سعوديّ مماثل.

السابق
البعثة الأوروبية بالبحر الأحمر: النيران لا تزال مشتعلة في سفينة ترفع علم اليونان منذ هجوم للحوثيين قبل 3 أيام
التالي
«الثأر المحدود» لشكر «يَشد العصب الاصفر» ويُفرمل الحرب الشاملة..والعين على واشنطن وطهران!