يوم الخميس الفائت، وفي مجلس التعزية، في نادي متخرجي الجامعة الأميركية في الحمراء، برحيل الإعلامية بشرى عبد الصمد، التقيت بصديقي وزميلي الأستاذ سمير منصور، وأول كلام دار بيننا هو سؤالي عن دولة الرئيس سليم الحص، (كون سمير عمل مستشاراً اعلاميا للرئيس الحص طيلة عقود خلت).وقد جاوبني منصور بأن الرئيس في أدق مراحل المرض والتعب، ولا يمكن لأحد الاجتماع به سوى ابنته، نظراً لوضعه الصحي الصعب..ومنذ يوم ذلك الخميس وأنا أهجس وأحدث نفسي وأتذكر الرئيس الحص ، والأيام والسنوات التي تلاقيت فيها معه،في مشواري الصحافي الطويل.
فقد التزمت أخبار ونشاطات الرئيس الحص، كصحافي،لسنوات، في جريدة النداء، ومن ثم في جريدة النهار. وامتدت علاقتي بدولته حتى تقاعده السياسي وغيابه عن مسرح الأحداث والسياسة والدولة، ودخوله حالة التعب والمرض.
أحاديث صحافية كثيرة أجريتها مع الراحل، وكان يلبي طلب مواعيدي الصحافية معه بكل طيبة قلب.
إقرأ أيضا: رئاسة مجلس الوزراء حددت مراسم دفن سليم الحص ومذكرة بتوقف العمل خلال التشييع
اللقاءات والحوارات الصحافية مع دولته كانت مفيدة بالنسبة لي،وشكلت في أغلبها، سبقاً صحافياً أغنت تجربتي الصحافية، وخصوصاً في مرحلة تولي دولته “حكومة بيروت الغربية”، في مواجهة مع “حكومة الجنرال ميشال عون” في تسعينات القرن الفائت. وأهم ما في هذه اللقاءات والحوارات كان، حواري الصحافي الثقافي،وقد أجريته مع دولته لجريدة النهار. ولا أنسى تلك المناسبة ،ولحظة اللقاء بدولته في منزله في محلة “عائشة بكار”، حيث وصلت الى مدخل البناية سيراً على قدمي، بسبب غزارة القصف المدفعي الذي كان يطال منطقة سكن الرئيس.
المهم وصلت إليه، برفقة زميلي المصور الراحل ابراهيم الطويل، وصعدنا الى الطابق السادس، وكان بانتظارنا ويده على قلبه، ولكنه كان يضحك بحذر شديد، مُستغرباً، كيف استطعنا الوصول اليه تحت القصف والقذائف “العونية”، التي تدك وتدمرت أحياء كثيرة في بيروت “الغربية”.
استقبلنا في صالون المنزل، وتجالسنا الى جانب نافذة محصّنة بمتراس من أكياس الرمل، للوقاية والحماية من القذائف العشوائية المنهمرة.
بدأتُ حديثي معه بسؤال الثقافة وعلاقته بها، وقبل أن أكمل سؤالي الطويل، قاطعني قائلاً،”كتابي “عهد القرار والهوى”، يختصر حياتي الثقافية المجدولة على فعل السياسة والعمل الحكومي والاداري، وقد كتبته وصغت كلماته بلغة شفافة ،تحاكي وقائع الزمن بتعابير وتفاسير أدبية وشعرية بحتة..”
بعدما استمعت ودونت جوابه، سألته عن تأثره بالثقافة والأدب والشعر والمسرح،خصوصاً أن- لغتك تكشف مدى تعمّقك في الكتابة الأدبية- فسارع للجواب والقول،”بدأت علاقتي بالكتابة الأدبية باكراً، ففي مرحلة التعليم الثانوي، كتبت مسرحية تحت عنوان “مطحنة حامد”، وفازت في حينها بالجائزة الأولى في مسابقة مدرسية. ومن يومها وأنا أكتب القصة والرواية وبعض الشعر..”
أعتقدُ أنني،يومها،اكتشفتُ شاعرية الراحل، ونشرت اكتشافي على نطاق واسع، في الصفحة الثقافية لجريدة النهار.
في اليوم الأول لنشر حواري الثقافي مع دولته، اتصل بي شاكرا للحوار، وكان سعيدا جدا، ولم يتأخر عن تكرار محبته وعلاقته الوطيدة مع الأدب العربي والكتابة الشعرية.
رحم الله دولة الرئيس الشاعر سليم الحص.