خاص “جنوبية”
ينشر “جنوبية” النص الوارد في محاضرة العلامة الامين كما ورد حرفياً، وقد عثر عليه قبل ايام وهو مكتوب بخط يده:
«الحداثة كلمة ليست دقيقة الواردة في عنوان هذه المداخلة فمجتمعنا اللبناني لم يدخل بعد عصر الحداثة، والأدق أن نسمي عصرنا هذا بعصر الاستهلاك، وبتشخيص أدق فإن مجتمعنا يعيش نمط الاستهلاك الذي هو جانب من جوانب عصر الحداثة، الذي تعيشه الشعوب المتقدمة في مستوى الأنظمة السياسية والإدارية والإنتاج والتقنيات المتقدمة والضمانات الاجتماعية الشاملة.
القيم الاخلاقية ونمط الاستهلاك
لذلك فإن صورة النزاعات الزوجية لم تتأثر كثيراً في المرحلة الراهنة ولم نعرف بعد تفكك الأسرة ولا حرية العلاقة الجنسية خارج الحياة الزوجية وما زالت العلاقة بين الزوجين من جهة وبين الزوجين وعلاقتهما بأولادهما محكومة بعدد كبير من القيم الدينية والأخلاقية دون أن ننفي وجود استثناءات في طبقتين من طبقات مجتمعنا هما الطبقة الغنية جداً والطبقة الفقيرة جداً، وذلك لغياب (أو ضعف) القيم التي ذكرناها في التأثير على حياة الأسرة داخل هاتين الطبقتين.
إلا أن نمط الاستهلاك والرغبة في المزيد من الاستهلاك لدى الطبقات المتوسطة لا يخلو من تأثير على حياة الأسرة وعلى العلاقة الزوجية، رغم الكوابح التي ما زالت تمارسها قيم الدين والأخلاق وبحرص على السمعة.
فبين الكثير الكثير من النزاعات الزوجية التي تعرض على المحاكم الشرعية المختصة في بت هذه النزاعات أسباب تتعلق في النفقة الزوجية وفي عناصر التطلب الزائد عن قدرة الزوج في توفير أسباب الاستهلاك والرفاهية.
إن مسؤولية الإنفاق على الزوجة والمنزل الزوجي في مجتمعنا تقع على عاتق الزوج، والزوجة أساساً أو في الغالب غير منتجة. وهذا العنصر فيما هو سبب لقصور الزوج أحياناً عن تلبية مطالب الزوجة، ومنشئ للنزاع بين الزوجين، فهو سبب أساسي في ارتباط الزوجة بالزوج، بخلاف مجتمعات الحداثة المتقدمة التي تكون الزوجة فيها غالباً منتجة، بما يدفعها للشعور بالاستقلال والمبالغة في هذا الشعور الذي ينشأ عنه أحياناً تصدع وتفكك في العلاقة الزوجية، وليست هذه الملاحظة دعوة لبقاء الزوجة غير منتجة، ولكنها لتشخيص موضوعي لمشكلات الحداثة في تأثيرها على العلاقات الزوجية.
إن تجربتي الطويلة في القضاء الشرعي أثبتت لي أن نظام العقود الزوجية، السائد يشكل سبباً رئيساً في نشوء المشكلات والنزاعات الزوجية، وأن عصر الاستهلاك الذي نعيشه زاد من هذه المشكلات وفاقمها. فبموجب الثقافة السائدة للعقود الزوجية لا حقوق مالية على الزوج سوى المهر والنفقة.
إقرأ أيضا: «الحزب» وطهران يستعدان للرد بعد فشل المفاوضات..و«قرار استباقي» لنتنياهو بالتصعيد في الجنوب وغزة!
خلل نظام العقود الزوجية
وهنا يدخل تأثير الحداثة على الحياة الزوجية من زاوية خطيرة.. التلفزيون والانترنت وأفلام الجنس وعرض الصور المثيرة في الإعلانات وكل هذه مظهر من مظاهر عصر الاستهلاك، كل ذلك يدفع بالكثير من الأزواج غير ذوي الحصانة الأخلاقية أو الدينية للوقوع تحت تأثير هذه المغريات، ويدفع بهم لخيانات مكشوفة أو مستورة للحياة الزوجية، بإقامة علاقات خارج نطاق البيت الزوجي، وينشأ عن ذلك مشكلات ونزاعات غالباً ما تنتهي بتدمير الحياة الزوجية.
ولأن الالتزامات المالية للزوج تجاه الزوجة بسيطة وليست مكلفة بالقدر الذي يجعل الزوج يعيد حساباته لمسؤولية فإنه يلجأ أحياناً كثيرة إلى خيار الطلاق والخلاص من الزوجة التي تقف حاجزاً دون رغباته.
الكثير من النزاعات الزوجية التي تعرض على المحاكم الشرعية تتعلق في النفقة الزوجية، وفي التطلب الزائد عن قدرة الزوج في توفير أسباب الاستهلاك والرفاهية
نعم إن نظام العقود الزوجية، في أغلب الأحيان يكون سبباً في ذلك.
إن كل عقد – كما نعلم – هو شريعة المتعاقدين بما في ذلك العقد الزوجي والشريعة الإسلامية، كما القانون الوضعي يتيح لمن يريد الاقتران وضع الشروط والشروط المقابلة في هذا العقد.. إلا أن جهل هذه الحقوق من قبل المتعاقدين ومن طرف المرأة خصوصاً يجعلهما يتجاوزان اعتماد هذه الشروط وغالباً ما تقع المرأة ضحية هذا التجاوز. فالعقد الزوجي المجرد لا يرتب للزوجة سوى النفقة والمهر في ذمة الزوج، كما أن العقد المجرد يضع شروط الطلاق بين الزوجين.
شروط جديدة لعقد الزواج
وحتى لا تظل المرأة ضحية هذا الجهل بحقوقها، ندعو إلى حملة توعية لحقوق المرأة لاستكمال عقد الزواج بالشروط التي تحمي حقوقها، وخصوصاً المرأة غير العاملة أي غير المنتجة.
وأبرز هذه الشروط أن تشترط المرأة في صيغة عقد الزواج أن يكون لها في حال إقدام الزوج على طلاقها حق في نصف ثروته التي أنتجها أثناء الحياة الزوجية، وهذا الحق ليس فيه ظلم للزوج لأن الثروة التي ينتجها الزوج أثناء الحياة الزوجية إنما هي في المحصلة ثمرة جهدين لا جهد الزوج وحده، فالمرأة التي تتولى شؤون المنزل ورعاية الأولاد هي سبب في تفرغ الرجل لأداء عمله أو وظيفته، وبتعبير آخر فإن التزام الزوجة بإدارة شؤون المنزل والأولاد من جهة، وعمل الرجل خارج المنزل هما العاملان اللذان أنتجا هذه الثروة صغيرة كانت أم كبيرة.
إن التزام الزوجة بإدارة شؤون المنزل والأولاد من جهة وعمل الرجل خارج المنزل هما العاملان اللذان أنتجا هذه الثروة صغيرة كانت أم كبيرة.
نؤكد على وجوب اعتماد هذا الشرط لأننا نلاحظ، ولاحظنا هذا كثيراً في دعاوى الطلاق لدى محاكمنا، فالرجل يتزوج ويكون فقيراً، وحين يتاح له أن يجمع ثروة ويصبح غنياً فإن من بين ما يفكر به – وفقاً للآية الكريمة (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)- أن يستبدل زوجته التي لم تعد تليق به ما دام ذلك لا يكلفه سوى إعطاءها مهرها، وما دام العقد الزوجي لا يلزمه بأكثر من ذلك.
أما حين يكون العقد قائماً على شرط اقتسام الثروة، فإنه بالتأكيد سيكون ضمانة لمنع الرجل من مغامرة الطلاق، أو في حال وقع الطلاق فإنه سيوفر للمرأة ضمانة مالية لحياتها ما بعد الطلاق.
لم نتحدث في هذه المداخلة عن حقوق الزوج، واكتفينا في بيان حقوق الزوجة، ولكننا في هذه الفرصة المحدودة المتاحة أردنا أن ننصف المرأة الزوجة في مجتمع ذكوري بدرجة عالية، فإذا وجد فيه زوج مهدور الحقوق، يوجد مقابله خمس زوجات مهدورة حقوقهن في عصر الاستهلاك الذي نعيش».