ماذا لو تحولت المشاعر والافكار الى افعال.. في لبنان؟!

منى فياض

“ماذا لو تحولت مشاعرنا وأفكارنا إلى أفعال”؟

راجعت هذه القصة القصيرة للياباني موراكامي في روايته، حين صدرت عام 2010 (عن دار بلفون) تحت عنوان “الفيل يتبخر”، ويتصور فيها ذهاب تأثير قوة المشاعر والأفكار إلى حدودها القصوى، بحيث تتحول الى أفعال بمجرد مرورها في الذهن.
تخيّلَ “وحشا أخضر” يصعد فجأة من أحشاء الأرض، لكي يعبّر عن حبه لامرأة، فتكون ردة فعلها عدائية لدرجة القضاء عليه، فقط بتأثير أفكارها ومشاعرها.

فكافة الأطراف ومحازبيها تتنافس في إظهار عدائها المتبادل


القصة قصيرة من خمس صفحات ونصف، تطرح افكاراً عدة عن الآراء المسبقة والتعميم، وتخيل ماذا سيحصل لو تجسدت مشاعرنا أفعالاً؟

تغلب الوحش الصغير الغريب، ذو الحرافش والخرطوم المستطيل والأقدام زهرية، على عقبات عدة، كي يصعد إلى سطح الأرض ليفصح عن مشاعر الحب التي أحسّها تجاه السيدة، واثقاً بقوة تأثير حبّه وحسن نيته. يظهر امامها لوثوقه بحسن نيته ومقاصده. ويسمح لنفسه باقتحام منزلها بعد محاولة فاشلة للاستئذان.

سرعان ما تكتشف المرأة، أن للوحش مقدرة قراءة أفكارها، وبدا أنه يتعلم لغتها تدريجياً عبر هذه القراءة. فعند اقتحامه الباب بسهولة فائقة، فكرت انها لو عرفت لتسلحت بسكين لقطع خرطومه الصغير، فيجيبها بعبث قطع خرطومه لأنه سينمو من جديد أكبر مما كان. وخافت المرأة ان يلتهمها، فأجابها انه مسالم، وكشف لها أنه جاء اليها ليعبر عن مدى حبه لها. سرعان ما يتبين لها ان كل فكرة تعبر دماغها تصله، ويكون لها تأثيرها في الواقع؛ فعندما تستغرب كيف يمكن لوحش فظيع مثله ان يحبها، يبدو يائساً ويظهر وكأن جسمه ينكمش متغضناً. تعبر المرأة أفكارا حول امتلاكه قلباً رقيقاً بالرغم من مظهره؟ لكن ذلك لم يمنعها من إكمال تجريب قدرتها عليه، فتصرخ في ذهنها انه وحش كريه، فيظهر عليه المزيد من مظاهر التفاعل الجسدي مع أفكارها الصارخة، تجحظ عيناه وتنغمد حراشيفه.. وتكمل لعبتها معه الى القضاء عليه واختفائه تماماً.

في الحقيقة وعند انتهائي من قراءة هذه القصة الصغيرة الخيالية، لم أستطع الامتناع عن التفكير في تطبيقها علينا كلبنانيين.
فكافة الأطراف ومحازبيها تتنافس في إظهار عدائها المتبادل. فجمهور الضاحية الجنوبية، الغاضب من اغتيال فؤاد شكر، وجهوا غضبهم وكراهيتهم نحو من يعتبروهم الأعداء والعملاء: فتجسد ذلك بالاعتداء على الصحافية نوال بري، وفريق تلفزيون MTV.

هذه أمثلة عن مدى انتشار وتبادل مشاعر العداء بين اللبنانيين بمختلف فئاتهم وطوائفهم


وفي الطرف الآخر، بدأت تظهر مشاعر العداء والشماتة تجاه سكان الجنوب، بشكل غير مسبوق، فيرفض البعض إيواءهم، بعيداً عن مناطقهم المدمّرة أو المهدّدة بذلك. فيما هم يبادلوهم العداء ويوزّع بعضهم الفيديوهات والمستفزة.

الحكمة من هذا العرض هو ان من نستضعفه ونستكبر عليه اليوم، سيأتي يوم يصبح فيه قوياً ويغريه الانتقام


وهذه أمثلة عن مدى انتشار وتبادل مشاعر العداء بين اللبنانيين، بمختلف فئاتهم وطوائفهم واتجاهاتهم السياسية المتعارضة، التي تثير الدهشة عند من هم خارج الاصطفافات الدينية أو الانقسامات السياسية العدائية.

لنتخيل ان تتحول قساوة المشاعر والأفكار العدائية والغاضبة الى أفعال في الواقع؟ أي منظر لأرضنا اللبنانية الخضراء سيكون؟ أي لون؟ واتساءل عن التسامح الذي نتغنى به وقدرتنا على العيش المشترك؟

أما الحكمة من هذا العرض، هو ان من نستضعفه ونستكبر عليه اليوم، سيأتي يوم يصبح فيه قوياً ويغريه الانتقام.
فلماذا لا نتصرف منذ الآن بما نريد من الآخرين أن يتصرفوا به تجاهنا؟ ولم لا يقدم من يعتبر نفسه الأقوى التنازلات قبل ان يكون قد تأخر الوقت؟ فتُدفع الأثمان باهظة، ثمن التعنت وقصر النظر والاستكبار؟ والاجتهاد لاستعادة مواطنية مفقودة!!
ربما هي فكرة ساذجة؟ لكن الأفكار التي بدلت وجه الأرض بدأت ساذجة وضعيفة ومثالية.

رهاني على من تبقى من المواطنين المنتمين الى لبنان – حلم يقدر على العيش المشترك، ولا يتنازل عن سيادته ولا استقلاله.

*يُنشر بالتزامن مع بثه عبر أثير “إذاعة لبنان”

السابق
«إنذار اميركي أخير» لإيران و«حزب الله»: التسوية او الحرب..والقرى المسيحية الجنوبية تنتفض!
التالي
القمر العملاق سيُنير سماء العالم العربي الليلة.. ماذا تعرف عن هذه الظاهرة الفلكية؟