يكتب محمد ملص، عند استعادته نسخة من فيلمه “الكل في مكانه! وكل شيء على ما يرام سيدي الضابط”، وكان قد حققه عام 1974، ان فكرة الفيلم نفسها تفصح عن الأسئلة التي لا تتوقف عن الالحاح عليه.
يستشهد بمقابلة تلفزيونية لمحمد حسنين هيكل الذي ابدى استغرابه: “لكوننا كجيل، سقطنا أمام صنمية الهزيمة، لم نخرج منها …هذا الشيء، لم يحصل مع أي شعب آخر، على هذا النحو، ولا أي مع جيل من الأجيال”.
يسأل ملص وهو جيل عانى الهزيمة، هل كان، مع صنع الله إبراهيم، يعبر في هذا الفيلم، عن هذا السقوط في الصنمية؟!
وهل كانت كتابته عنه (1991) التعبير المضاد والرغبة العارمة، بإيجاد الوسيلة لمغادرة هذا السقوط أمام صنمية الهزيمة..؟!
وهل أن وعيهما هو الذي جعلهما أسرى هذا السقوط؟
فوعيهما يدعو الى الوحدة الوطنية ومواجهة المؤامرات الاستعمارية. إذن أين يضعا مشاعر “الضغينة” التي ظلت معلقة في الهواء.. والتي شعرا بها تجاه هذه الأنظمة، وتألما منها لهذه الدرجة؟
وهل غياب العلاقة الصميمية بين الوعي والمشاعر، كان السبب في وقوعهما في فخ الدوران حول الهزيمة وفيها؟!
هل الدوران حولها، يعبر عن الحاجة للتطهر، امام هذه الأنظمة التي لم تتغير؟! وصلت الى السلطة كفصائل وطنية، لكنها اعتمدت أجهزة الدولة للحفاظ على سلطتها وقمعت الجماهير بوحشية رغم وطنيّتها؟
يكتشف انهما، كجيل سينمائي، وقعا في شباك العديد من الأوهام.
مثل وهم قدرة السينما على مواجهة الأنظمة؟ وتحقيق ما ليس في طاقتها اساساً!
يكتشف انهما كجيل سينمائي وقعا في شباك العديد من الأوهام.
والوهم بان الفيلم يجب ان يكون تعبيرا عن الاوجاع العامة! لأن الوجع العام كبير وعميق، فوجدا في شرخ الهزيمة متكئا دائما! فهل يريدان الخروج من هذا الدوران والتحرر؟
حضوره لفيلمه مجدداً، بعد سنوات، أعطاه طعماً خاصاً ورنيناً مختلفاً.. فبدا كل شيء، غير السجن، ذا مذاق راهن، كأن شيئا لم يتغير… “لكن الكل لم يعد في مكانه.. وبقي كل شيء على ما يرام يا سيدي الضابط”!!
هكذا احس ان نصف الفيلم قد طار مع العنوان… وانه لم يتغير شيء، إلا “نحن”.
بعدها سأل نفسه، ترى هل حقا بقي النصف الثاني من عنوانه؟ وهل كل شيء على ما يرام؟
استشهد بكتاب غالي شكري “ثقافتنا بين نعم ولا”: الديماغوجيا والبيروقراطية تشتركان معا في رسالة واحدة، هي توسيع الهوة بين الواقع الحقيقي والواجهات المعلنة. الديماغوجيا تزين الواجهات وتلمعها بشتى الوان الماكياج الممكنة. والبيروقراطية تخفي ما اختبأ وراء الديكورات من حقيقة.
وما دامت الديماغوجيا قادرة على اتقان التزييف، لدرجة الايهام انه حقيقي، وقادرة على توصيل هذا الزيف الى أوسع رقعة جماهيرية. وما دام في حوزة البيروقراطية قدرة حجب أصوات الحقيقة وأكثرها وضوحا، وبحجج قانونية، تصبح هزيمة يونيو 1967، اعلاناً وافيا لنا نحن العرب بان الديماغوجيا والبيروقراطية من أخطر آثامنا.
هل غياب العلاقة الصميمية بين الوعي والمشاعر كان السبب في وقوعهما في فخ الدوران حول الهزيمة وفيها؟!
جعلني نص محمد ملص، اربط بين ما نتج عن هزيمة ال 67 وهزائمنا الآن والتي تقدم على انها انتصارات الهية!!
لو اننا استبدلنا كلمة الديماغوجيا بالبروباغندا، والبيروقراطية بهيمنة الممانعة، لوجدنا اننا عدنا وغرقنا مجدداً في أوهام تجد صعوبة في المواءمة بين الوعي والمشاعر.
ففي وعي “المحايدين”، علينا مقاومة إسرائيل، ولكن مشاعرهم ترى زيف هذه المقاومة لإسرائيل.
فماذا سينتج؟
كتب صديق فايسبوكي لهذا الجمهور فقال:
افهم مواقف الممانعين الملتحقين بالحزب، لكن لا أفهم الصقور “التشرينيين” اللي بيخبروك أنو الحكي بالتناقضات الداخليّة غير ذي جدوى، قبل معالجة خطر العدو.
يا رفيق، هيدا بالضبط اللي خبرك إياه الحزب أيّام 17 تشرين، وبشار الأسد أيام الثورة السوريّة، وإميل لحود أيام الوصاية، وصولًا إلى عبد الناصر وحافظ الأسد وحروب الأنظمة “التقدميّة”.
أو بيقلّك أنا مع الحزب بالجبهة، بس ضدو بكل شي تاني. ما هوي “كل شي تاني” جزء من هذا النموذج. يعني اللي عم يصير اليوم، كان بيصير لو ما نعمل كل شي تاني قبل؟ ما الحزب قلّك من الأوّل، وقت عمل كل شي تاني، أنا واصل لهون”.
لقد اوصلنا دفاعهم عن القضية الفلسطينية الى القضاء عليها.
*ينشر بالتزامن مع بثه عبر أثير إذاعة “صوت لبنان”