في مساء الرابع من شهر آب ٢٠٢٠ كنتُ مُستلقياً على سريري، في محاولة للراحة والاستراحة بعد تعب يوم شاق لازمني طوال ذلك النهار المعتل. وقبل أن تتغلغل الغفوة في عيني وسائر جسدي، اهتزت البناية التي أسكنها، وسمعت أصوات انفجارات متتالية، وتعالت أصوات الأبواب والشبابيك والزجاج المتطاير في كل اتجاه، وعلى أجساد ورؤوس جحافل البشر العابرة والقاطنة والمنتظرة.ولم ينجو منزلي، شقتي في الطابق الثاني ، أصابه العصف العنيف وتطايرت نوافذ وأبواب وزجاج شقتي، وتصدعت الجدران، وللحظة توقعت وخفت أن تسقط البناية برمتها الى حضيض الأرض المثقوبة بحفرة الخراب الهائلة.
خرجتُ الى الشرفة لعلني أعرف ماذا جرى وما هي طبيعة هذا الانفجار، ولم يكن بمقدوري معرفة أي شيء، سوى أنني سمعت ورأيت مئات الاشخاص الواقفة في ذهولها، وتصرخ بأعلى أصواتها، لقد اغتالوا الزعيم الفلاني،ولكن الصرخة التي جاوبت على فضولي،جاءت من رجال أمن وعسكر يجاوروني بالسكن،انها “ضربة نووية تكتيكية” أو انفجار قنبلة ذرية صغيرة…
في الذكرى الرابعة الأليمة الجارحة القاسية اللئيمة للانفجار “النووي” ربما نجح الناس في ترميم المكان ولو بشكل غير كامل لكنهم فشلوا في ترميم أرواحه
لحظات قليلة وانكشفت الصورة، وظهرت حقيقة المأساة التي حلّت بالعاصمة. إيقاع الفتنة يتردد على رصيف المدينة البحري، يمشي البحر عكس أمواجه، يجرف المرفأ البحري ويبتلع أفق المدينة الجميلة. لم يشهد بحر بيروت هذا الجنون، لا في سنوات الحرب ولا في تاريخه العظيم، فقد القدرة على المديح وفقد علاقته بمنارة الأمل.
إقرأ ايضاً: في «رباعية المرفأ»..البيطار «الصامد» يُعدّ هدية «صادمة» لأهالي الضحايا!
إنها الكارثة (الفريدة) من نوعها التي تعرض لها البحر والمتمثلة بانفجار 4 آب، كارثة انفجار الحياة واحتمالات الموج . انفجر بنا البحر وتفجرت فينا وفي رصيف المدينة احتمالات الحياة نفسها، فقد رأى وتلمس وشرب، كل سكان المدينة ومحيطها، الكارثة وقد حولت حياتهم إلى ركام أزلي.
غرقت بيروت في بحرها في العنف والموت والأشلاء والدمار والخراب واعتقد الناس أنهم في “عصف مأكول”
غرقت بيروت في بحرها، في العنف والموت والأشلاء والدمار والخراب، واعتقد الناس أنهم في “عصف مأكول”.
في الذكرى الرابعة الأليمة الجارحة القاسية اللئيمة للانفجار “النووي” ، ربما نجح الناس في ترميم المكان، ولو بشكل غير كامل، لكنهم فشلوا في ترميم أرواحهم، وخسروا أملهم بدولتهم الى الأبد. فالدولة عاجزة عن ترميم شجرة في حرج بيروت،فكيف ترمم الأرواح، وحياة العبد والعباد والمعبد!
بيروت اليوم وغداً ، على الأرجح،تتوزع بل تتمزق على المفترق، يتناتشها الغريب الأجنبي، الغربي والفارسي، كأنها في أفواه تماسيح لا تحصى ولا تعد، وناسها الى عذاباتهم الكبرى، وأنا ،كمواطن، ابن هذه المدينة، أقف إلى جانب حائطها الذي ينهار، ألملم فتات آلامي ، ودواء أمل.. لا ريب بشفاء حتمي.