لن تقوم إسرائيل بحرب شاملة ضدّ لبنان. هذا شبه مؤكّد. ليس لأنّ أميركا لا تعطيها الضّوء الأخضر، بلّ لأنّها لا تريد خسارة حقول الغاز والنّفط في كاريش. كاريش، الفدية التي تحمي لبنان، وحزب إيران من حرب شاملة.
هذا كان يعني تأكيدا لقواعد الإشتباك التي قبلت بها إسرائيل وأميركا وحزب إيران منذ تفاهم نيسان عام ١٩٩٦ إثر مجزرة قانا.
كان عدد من الكتّاب قد تساءل عن أسباب عدم إستهداف حزب ايران، لمنصّات الغاز والنّفط الإسرائيليّة في كاريش. شرحنا مرارا السّبب منذ أن أعلن رئيس مجلس نبيه برّي إطاره للمفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحريّة. فقد حدّد برّي تفاهم نيسان إطارا لها. وهذا كان يعني تأكيدا لقواعد الإشتباك التي قبلت بها إسرائيل، وأميركا، وحزب إيران منذ تفاهم نيسان عام ١٩٩٦، إثر مجزرة قانا.
رحم الله العميد أمين حطيط الذي هاجم بقوّة إطار التّفاوض. فالعميد حطيط، المعروف بدفاعه عمّا يسمّى المقاومة، كان صادقا في قناعاته. إختلفنا معه حول دور المقاومة، وحدود هذا الدّور، وكيفيّة الإستفادة من المقاومة ضمن الأطر الشّرعيّة الوطنيّة والدّوليّة. أذكر أنّنا شاركنا معا في حوار مع إذاعة “صوت الشّعب” بشأن الإطار التّفاوضيّ ألذي وضعه برّي. قلت في حينه، أنّ الإطار التّفاوضيّ الذي وضعه برّي، ينبثق من حقيقة الوضع القائم على أرض الجنوب خارج المنطلقات الدّستوريّة، والإطار الشّرعيّ الذي يربط لبنان وإسرائيل، وهو إتّفاق الهدنة. هاجم العميد حطيط بدوره هذا الإطار، ووصف برّي ب”العميل”.
شهد ما حصل في مجدل شمس نقاشا طويلا. لن نعيد أسطوانة المناقشات التي تتوقّف عند الحدث. لا يفيد البحث عن المسؤول عن إطلاق الصّاروخ. ما حصل في مجدل شمس، قد يكون نتيجة خطأ عسكريّ إسرائيليّ، أو ترتيب مخابراتيّ إسرائيليّ بتنفيذ من أدوات الدّاخل. لا ننسى ما حصل عام ١٩٨٢، عندما أطلقت مجموعة أبو نضال ألنّار على سفير إسرائيل في لندن، ممّا أوجد مبرّرا لإجتياح لبنان، وصولا إلى بيروت. أبو نضال، كان أكثر “المقاومين الفلسطينيّين” تطرّفا. تبيّن لاحقا، أنّ أعمال “مقاومته” كانت أكثر من خدم “العدوّ”.
المهمّ فيما حصل، أنّ مدنيّين قد قتلوا. وأنّ هذا الحدث الجلل، حصل في إطار حرب جارية من على أرض لبنان ضدّ إسرائيل، فخلق ظروفا مناسبة لخطوة في اطار استراتيجيّة تدرّجيّة إسرائيليّة لخدمة مصالحها. لاحظنا كيف سارعت إسرائيل إلى استغلال الفرصة. فمن جهة، سعت للتّأكيد على اهتمامها بسكّان مجدل شمس وهم من الدّروز، ممّا يخدم رابط الولاء للسّكّان في مجدل شمس مع المحتلّ، ويعزّز من ولاء دروز إسرائيل لها. ومن جهة أخرى، وجدت الفرصة لتحقيق تهديداتها الدّائمة: بأن يدفع لبنان على مختلف مناطقه وطوائفه، الثّمن. المواطن هو من سيدفع الثّمن. فكبار القادة سعداء، إذ أنّ الدّمار والقتل يستجلب الأموال، ويساهم في زيادة فرصهم للنّهب.
وجدت الفرصة لتحقيق تهديداتها الدّائمة: بأن يدفع لبنان على مختلف مناطقه وطوائفه الثّمن
إسرائيل ستردّ حتما، ولكن، هي تعلم أنّ الحرب الشّاملة، بلّ أيّ ردّ يؤذي حوهريّا حزب إيران، يعني إحتمال ضرب آبار كاريش. وهذا ما تخافه ولا تريده. كما أنّ الإستمرار في إبقاء جرح الشّمال في إسرائيل، نازفا، لن يكون مسموحا. ولا أيضا، وجود سلاح على حدودها يهدّد باستمرار، أمنها. ما يهمّ نتنياهو قبل كلّ شيء هو أن لا تتدحرج طابة النّزاع بما يجعله ثمنا للخروج من السّلطة. يريد نتيناهو إبقاء هذه الحرب في إطار ظرفيّ ككلّ الحروب السّابقة، في حين، أنّ حلفاء وأصدقاء إسرائيل، يريدونها خاتمة الحروب، والدّخول في عمليّة سلام شاملة تضع الشّرق الأوسط على سكّة جديدة.
فبعد خروج العامل الشّيوعيّ من مشاغل الولايات المتّحدة الشّرق أوسطيّة خلال الحرب الباردة، تحوّل همّها إلى منح إسرائيل ألشّرعيّة في محيطها الجغرافيّ، وضمان أمنها، وإبقاء حقول النّفط تحت سيطرتها. قدّم لنا الغرب خلال السّنوات الماضية، نموذجين متقابلين للدّفع بخياراتنا. الأوّل: نهضة كبيرة في الدّول الحليفة على غرار ما حصل في الإمارات العربيّة المتّحدة، وما يحصل الآن في السّعوديّة. ومن جهة أخرى، حروب لا تنتهي في الدّول القوميّة الثّوريّة، وصراع دينيّ يؤسّس لنزاعات، ستستمرّ قرونا بين السّنّة والشّيعة.
تزامن حادث مجدل شمس مع عدّة أحداث هامّة أخرى تستدعي انتباهنا نظرا لترابطها وتأثيرها على واقعنا:
1- تدخّل الصّين الذي تجلّى مؤخّراً في جمع الفصائل الفلسطينيّة، والتّوفيق بينها على صيغة لبرنامج وحدويّ مستقبليّ مشترك. جاء ذلك، بعد أن كانت قد أوجدت تقاربا بين إيران والسّعوديّة. الصّين بوصلة الإتّجاهات العمليّة الدّوليّة. فهي لا تنافس الولايات المتّحدة سياسيّا في الشّرق الأوسط، بلّ تشترك معها بالحركة الإقتصاديّة ألقائمة فيه. الغرب، لا يعارض ذلك، بلّ يرّحب بالشّراكة الإقتصاديّة ليس مع الصّين فحسب، بلّ أيضا مع الإتّحاد الرّوسيّ، لكن، ضمن اطار النّظام الرّأسماليّ، والنّقديّ، ألقائمين. نالت الصّين إقرارا من الغرب بقبول اليوان عملة صعبة في إطار صندوق النّقد الدّوليّ. وقد يفعل ذلك بالنّسبة للرّوبل، إذا ساهمت روسيّا بالحلّ السّلميّ المنشود.
2- زيارة بنيامين نتيناهو إلى الولايات المتّحدة حيث لقي ترحيبا من الجميع، يعكس الإلتزام الأميركيّ بإسرائيل. لكنه سمع أيضا، مواقف واضحة بشأن ضرورة الدّخول في حلّ دائم قائم على مبدأ الدّولتين، وضرورة وضع حدّ لأعمال قتل المدنيّين.
3- تهديدات تركيّا، ليس فقط بالمساعدة الإنسانيّة للفلسطينيّين، بلّ بالتّدخّل العسكريّ لهذا الغرض. هدّدت تركيّا بالتّدخّل العسكريّ لحماية الفلسطينيّين، فطالب نتنياهو بطرد تركيّا من النّاتو. تركيّا، تعمل على وقع موسيقى النّاتو. النّاتو، وكلّ أوروبّا يريدون طرد نتنياهو (واليمين الإسرائيليّ المتطرّف) من السّلطة، للإفساح أمام حلّ حاسم للقضيّة ألتي تعيق إمساك الغرب الحاسم بالشّرق الأوسط، وبثرواته.
ما زلنا نعتقد أن حلّ الدّولتين، سيكون القاعدة لإنهاء مأساة الشّرق الأوسط
4- يعتقد البعض، أنّ الغرب يرغب بترضية إيران سياسيّا ولو على حساب لبنان، أو قبل الوصول إلى تسوية لوضع غزّة. الغرب يعلم أنّ إيران، لا تملك مفاتيح وقف الحرب في غزّة، أو حلّ قضيّة فلسطين. بلّ، هي سعيدة لأن تركيّا (للعضو في النّاتو)، تملك هذه المفاتيح. إيران ليست من يملك القرار السّياسيّ لحماس، بلّ هي تركيّا.
ما زلنا نعتقد أن حلّ الدّولتين، سيكون القاعدة لإنهاء مأساة الشّرق الأوسط .ونعتبر أنّ ما حصل، يؤكّد مجدّدا عمق الحاجة للعمل المشترك عربيّا وإسلاميّا، خارج المفاهيم الإيديولوجيّة للقوميّة العربيّة الثّوريّة، أو المفاهيم الإيديولوجية الدّينيّة، والعمل معا من أجل تطبيق إعلان جامعة الدّول العربيّة في بيروت عام ٢٠٠٢.