معالي الوزير أبو حبيب.. إذهب إلى بيتك التاريخ لا يرحم!

السفير هشام حمدان

إطّلعت على خطاب وزير الخارجيّة السّفير عبدالله أبو حبيب، في مجلس الأمن. تنهّدت بأسف. كم تهاوى الصّوت الدّبلوماسي للبنان في العالم. أين نحن من رجال تجرؤ أن ترفع الصوت في مجلس الأمن، كما رفعه غسّان تويني عام 1978 عندما قال: “دعوا شعبي يعيش”؟

لا نشكّ طبعا بقدرات الوزير أبو حبيب. لكنّنا نحزن لما وصلت إليه حالة لبنان


لا نشكّ طبعا، بقدرات الوزير أبو حبيب. لكنّنا، نحزن لما وصلت إليه حالة لبنان، حيث جعلت من المستحيل تكرار نموذج غسّان تويني، من دون ركوب أمواج الخوف من الموت. قال معالي الوزير، أنّ لبنان، يرفض الحرب. وأضاف: “سعينا من خلال اتّصالاتنا، ولقاءاتنا، لتجنّب الوقوع في شباك التّهوّر الإسرائيليّ، السّاعي الى إستمرار الحرب، وتوسيع نطاقها الجغرافيّ”. يلوم معالي الوزير إسرائيل بشأن احتمال قيام حرب، يرى أنّها “إن وقعت، ستزلزل الشّرق الأوسط برمّته…
نشاركك القلق يا معالي الوزير. قمتم باتّصالاتكم بإسم الحكومة العتيدة فهل تملك الحكومة قرار السّلم والحرب، كيّ يمكن أن تقدّم إلتزامات أمام المجتمع الدّوليّ؟ العقل الدّوليّ يعرف تماما واقع الحال القائم في الجنوب.
ما يزيدني أسفا، أنّ معاليك تستصرخ الأمم المتّحدة، مؤكّدا أنّ لبنان “يتمسّك أكثر فأكثر، بالشّرعيّة الدّوليّة، ويحتمي بقراراتها. ونحن اليوم بأمسّ الحاجة لدور منظّمة الأمم المتّحدة، كملجأ للدّول الصّغيرة المحبة للسّلام، ومنها وطني لبنان”.
لقد كرّرنا مثلك دائما، هذا القول، وسمعنا مرارا وتكرارا، تعليقات العالم الحرّ على أقوالنا. سيحمّل العالم لبنان المسؤوليّة، إنّ وقعت هذه الحرب. وربّما ستتدافع أساطيل أميركا، والغرب، لخدمة إسرائيل في هجومها. فالعالم الحرّ، يلومنا بسبب عدم إحترامنا لإلتزاماتنا وفقا لقرارات الأمم المتّحدة، اذ سمحنا منذ اتفاق القاهرة عام ١٩٦٩، باستباحة سيادة بلدنا، وأراضينا الوطنيّة، لتكون باستخدام قوى خارجيّة، فلسطينية، سورية وإيرانيّة، لخدمة مصالحهم، سواء ضدّ إسرائيل، أوالغرب.
يذكّرنا معاليه بأنّ لبنان، طرح في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت بتاريخ 23 كانون الثّاني/يناير الماضي، إطارا متكاملا لإرساء هدوء مستدام على حدود لبنان الجنوبيّة. نذكر ذلك.. ونتساءل: لماذا إذاً يا معالي الوزير، لم يأخذ المجلس بتلك الخطّة، وهل ينفع أن تكرّرها الآن من جديد؟

قمتم باتّصالاتكم بإسم الحكومة العتيدة فهل تملك الحكومة قرار السّلم والحرب


لقد دعوتم للتّطبيق الكامل وغير المنقوص، لقرار مجلس الأمن 1701، الذي أثبت بحسب قولكم “قدرته على إرساء استقرار نسبيّ؟؟؟ في الجنوب اللّبنانيّ، منذ نهاية حرب تمّوز 2006، ولغاية 7 أكتوبر “2023”.
من المسؤول يا معالي الوزير عن عدم تطبيق هذا القرار منذ عام 2006. إن أكثر ما يحزننا في هذا التّعبير، أنّكم تختصرون القرار 1701، بالواقع الحالي في الجنوب.
هل قرأت يا معالي الوزير، وأنت الدّبلوماسيّ المرموق، مضمون هذا القرار؟ فالقرار 1701، لا يتعلّق بالجنوب فحسب، بلّ بإعادة بناء الإستقرار، والسّلم الأهلي في لبنان. هو قاعدة العمل لإعادة بناء السّلام بعد النّزاع في وطننا. هو لم يطبّق. تمّ فقط، تطبيق ما سمّي ب”قواعد الإشتباك” في القرار 1701، بين ما يسمّى “مقاومة”، وإسرائيل. ظلّت باقي فقراته كلّها، وخاصّة المتعلّقة منها باستعادة الدّولة لسيادتها، ونشر الجيش في الجنوب، وتطبيق الدّستور، وإتّفاق الطّائف، من دون تنفيذ. بلّ، عندما سعت الحكومة إلى ممارسة سلطانها، حصلت أحداث 7 أيّار المشؤومة، وما بعده. تحوّلت بندقيّة إيران، وحزبها إلى داخل الوطن، وأهله. تراجع قاداته. وذهبوا طوعا إلى الدّوحة (قطر)، حيث تقاسموا البلاد. أصبح الدّولار سيّد الموقف. نهبت أموال النّاس، والوطن. تحوّل القرار 1701 إلى دمغة بحبر أحمر، يؤكّد سقوط سيادة لبنان لمصلحة إيران وحزبها، وجعلهما القوّة المهيمنة على إرادة هذا الوطن.
اعذرني معالي الوزير إذا سألتك عمّا إذا قرأت أصلا كلمتك في مجلس الأمن قبل إلقائها، هل ناقشت مضمونها بدقّة؟ انت زميل عزيز، لكنّنا تعوّدنا دائما، أن يخاطب المسؤولون اللّبنانيّون شعبهم ، عندما يتحدّثون من على منصّات الأمم المتّحدة، بدلا من مخاطبة عقول العالم. إسمح لي أن أقول لك: إنّ هذا الخطاب شعبويّ بامتياز. خطاب إنشائيّ لا يقارب العقل الدّوليّ العاقل في الأمم المتّحدة، وحول العالم.
كيف تطالب معاليكم بوقف أنشطة إسرائيل في لبنان، قبل أن توقف الحكومة أنشطة إيران، والفلسطينيّين، وكلّ القوى الثّوريّة القوميّة العربيّة، وغير العربيّة، والقوى الإسلاميّة التي تنشط من جنوب لبنان، تحت مسمّى “مقاومة” ضدّ إسرائيل؟ تطالب بوقف أنشطة إسرائيل، ثم تقول: “إنّ الجبهة الملتهبة على حدود لبنان الجنوبيّة، مشتعلة بسبب الوضع، والحرب الدّائرة في غزة”. ألا ترى معي أنّ ثمّة تناقضا في كلمتكم؟ فمن جهة، تقول، أنّ أنشطة إسرائيل في لبنان، هي المشكلة. ومن جهة أخرى، تقول: أنّها الحرب في غزة. العالم يدرك تماما من أشعل الجنوب من أجل غزّة. ويدرك من يتابع هذه الحرب دون اكتراث لحرائق الجنوب، وبساتينه، وزيتونه. فإذا كان ربّ البيت بالمدفع ضاربا، فما شيمة قادة إسرائيل إلّا الرّقص على أنغامه.

اعذرني معالي الوزير إذا سألتك عمّا إذا قرأت أصلا كلمتك في مجلس الأمن قبل إلقائها هل ناقشت مضمونها بدقّة


توقّفت بتقدير عند مطالبتك، الدعم لتعزيز إنتشار الجيش اللّبنانيّ جنوب نهر اللّيطاني، وتوفير ما يحتاج له من عتاد، ومساعدات لزيادة عديده، بحيث لا يكون سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا تكون هناك سلطة غير سلطة حكومة لبنان، وفقا لما نصّ عليه القرار 1701″. تساءلت عما إذا وافق وزراء نبيه برّي، وإيران، في الحكومة، على هذا الكلام؟
معالي الوزير، حصلت اجتماعات عديدة في إيطاليا، وباريس، بغية دعم الجيش اللّبناني. ربّما تسأل الوزير جبران باسيل عن هذا الأمر. فقد كان متحمّسا لهذه الإجتماعات عام 2014، لكنّه سكت عنها، بعد أن بدأت عمليّة ترشيح عمّه (والد زوجته) لرئاسة الجمهوريّة عام 2015.
وتطالب معاليك ب”إظهار حدود لبنان المعترف بها دوليّا، المرسّمة بين لبنان، وفلسطين عام 1923، والمؤكّد عليها في اتّفاقيّة الهدنة اللّبنانيّة – الإسرائيليّة، الموقعة بقرار ملزم من مجلس الامن. هذا الموقف يستحقّ تصفيقا من القلب. لكنّنا نتساءل يا معالي الوزير، أين كنتم يوم كنّا نستصرخكم لعدم القبول بترسيم الحدود البحريّة وفقا لآليّة نبيه برّي، والتّمسّك بإتّفاقيّة الهدنة، حيث تحدّدت الحدود الدّوليّة عام 1923؟ لماذا يا معالي الوزير لم تستمعوا إلينا عندما طالبناكم بمراجعة مجلس الأمن، لرفع هذا النّزاع القانونيّ بشأن ترسيم الحدود البحريّة، إلى محكمة العدل الدّوليّة وفقا للمادّة 35 من ميثاق الأمم المتّحدة؟
تتمسّك معاليك بقوّات حفظ السّلام، “اليونيفيل”،بحجّة أنّها ساهمت منذ تأسيسها بإرساء الهدوء، والإستقرار في تلك المنطقة. هذا موقف وطنيّ نبيل، آخر. لكنّنا نتساءل: هل يمكن لهذه القوّات، أن تنجح في مهمّتها إذا لم تعدّل مٌهمّتها؟ أيّ هدوء واستقرار ساهمت به هذه القوّات، غير الخدمات الإجتماعيّة، والصّحيّة، والإنسانيّة لأهلنا في الجنوب؟ هل ننسى محاولة إغتيال الجنرال الفرنسيّ سوليفان في أواخر السّبعينيّات، لأنّه حاول دفع قوّات الطّوارئ إلى وقف العمليّات الحربيّة الفلسطينيّة من على أرض لبنان؟ هل ننسى الشّهداء الذين سقطوا بسلاح إيران، يوم توغّلت القوّات الدّوليّة قبل بضعة أشهر، في مناطق حزبها، المحرّمة عليها في الجنوب؟
معالي الوزير! أنت رمز دبلوماسي له مكانته. قلت كلمتك، فامش. أترك هذا المنصب، واذهب إلى بيتك، كما فعل زميلنا الوزير ناصيف حتّي في حينه، حفاظا على كرامتك الشّخصيّة. التّاريخ لا يرحم.

السابق
إيران ترد على إغتيالات سوريا في «أعماق تل ابيب»..وتكنولوجيا «مُسيّرات الحزب» ملاحقة اوروبياً!
التالي
بعد الخلل في أنظمة مايكروسوفت.. ما هو النظام السحابي؟