بين المقاومة الوطنيّة والإسلاميّة.. الوطن على «حافة» البقاء أو الزوال!

السفير هشام حمدان

إستمعت إلى التّهديدات الإيرانيّة بتحريك كلّ معسكرها التي تسمّيه معسكر “المقاومة”، عفوا، “المقاومة الإسلاميّة”، وبإقامة حرب إبادة ضدّ إسرائيل، إذا هاجمت هذه الأخيرة لبنان. نعم تتحدّث إيران عن هجوم ضدّ لبنان، لا إيران.

نحن ندرك أنّ إسرائيل لا تحترم الأمم المتّحدة وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة الولايات المتّحدة تحميها

عجيب هذا التّهديد الإيرانيّ، الذي صدر من بعثتها لدى الأمم المتّحدة. نحن ندرك أنّ إسرائيل، لا تحترم الأمم المتّحدة، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة. الولايات المتّحدة تحميها. هذه طهران الآن تؤكّد من داخل الأمم المتّحدة نفسها، أنّها هي أيضا، لا تعير أهمّيّة لهذه المنظّمة الدّوليّة، التي يفترض أنّها تحفظ الأمن والسّلم الدّوليّين. لكن من يحميها؟ أنا أقول أنّها أيضا، أميركا نفسها

كيف؟
لو قالت إيران أنّها ستبيد إسرائيل إذا هاجمتها، لقلنا أنّ تهديدها بتدمير إسرائيل، هو ردّ طبيعيّ في إطار حقّ الدّفاع عن النّفس، وفقا للمادّة 51 من ميثاق الأمم المتّحدة. لكنّها تتحدث عن بلد آخر، فما دخلها في عدوان إسرائيلي على بلد له “سيادته”، وعضو في الأمم المتّحدة.

في الواقع، هذا الكلام يؤكّد أنّ لبنان بلد دون سيادة، ويؤكّد على عمق الإحتلال الإيراني المقنّع له. يذكّرني ذلك، بما ردّ به رئيس مؤتمر إعلان الذّكرى الخمسين للأمم المتحدة عام 1995، على تعليق لي كممثّل للبنان، رفضت فيه قبول فقرة في صياغة الإعلان تتحدّث عن الإرهاب، ولا تميّز بينه، وبين حقّ الشّعوب الفطري بمقاومة الإحتلال. كنت أدافع حينها عن المقاومة الوطنيّة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللّبنانيّة. في حينه، قال لي ريتشارد بتلر: “لكنّ سوريّا قبلت تلك الفقرة”. كان يريد أن يقول لي: من أنت لترفض، أو لتقبل؟ بلدك يخضع لقرار سوريّ وأنت لا سيادة لك.

هذا الكلام يؤكّد أنّ لبنان بلد دون سيادة ويؤكّد على عمق الإحتلال الإيراني المقنّع له

نعرف أنّ ايران تشدّ العصب الدّينيّ والمذهبي لبعض أهل الشّيعة، وأنصار المقاومة في لبنان. نعرف أنّها تشتري بأموالها ضمائر من يسمّون أنفسهم “مقاومة، وأنصار المقاومة”. ونعلم أنّها تشدّ عصب المسلمين غير الشّيعة، عندما ترفع راية فلسطين، والقدس، عنوانا لتدخّلها. لكن، ألم يكن من البديهيّ، أن تخوض إيران حرب إبادة إسرائيل، فيما إسرائيل كانت تبيد الفلسطينيين أنفسهم منذ أكثر من ثمانية أشهر؟

أنا لا أصدق كلمة من هذا التّهديد الفارغ. هل لبنان أغلى من فلسطين والقدس؟ قلت سابقا وأكرّر: تهديدات إيران صراخ ممجوج، ومعناه معروف. إيران لن تتدخّل في أيّ حرب ضدّ لبنان، بلّ ستدفع بأهل العرب، والشّيعة من اليمن، إلى العراق، إلى سوريّا، إلى أتون هذه الحرب إن حصلت.

في الواقع، إنّ ما تقوم به إيران شكل فاضح من أشكال التّدخّل، والعدوان على السّيادة الوطنيّة لدولة أخرى. كان من المفروض أن تتحرّك الحكومة اللّبنانيّة، فتقدّم مراجعة ضدّ إيران في مجلس الأمن، على غرار مراجعة اليمن له مؤخّرا ضدّ العمليّات الحوثيّة. فهل هناك أفصح من هذا الموقف، كيّ تقوم حكومة لبنان بمراجعة مجلس الأمن لطلب وقف العدوان الإيرانيّ على السّيادة الوطنيّة للبنان؟

لكنّها، لم تفعل، ولن تفعل. لم تدفع بها واشنطن للقيام بذلك كما دفعت بحكومة اليمن. الولايات المتّحدة صامتة، لأنّها مستفيدة. كلّ ما يتصلّ بإسرائيل، يجب أن يتمّ عبرها وليس عبر الأمم المتّحدة.

لم تصمت الحكومة فحسب، إزاء هذا التّدخّل الإيرانيّ الفاضح في شؤوننا الوطنيّة، بلّ سارع رئيس الحكومة إلى زيارة الجنوب، والإشادة بالمقاومة. تعلم واشنطن أنّ إيران، والمقاومة “طيبان جدا، وكريمان”، عندما تحتاجهما جدّيّا. هي لم تنس بعد إتّفاق ترسيم الحدود البحريّة الذي أعطت فيه المقاومة، “عدوّها المعلن”، إعترافا واقعيّا، ودفعة هامّة على الحساب، من خلال الثّروة الوطنيّة لشعبها، وأهلها في لبنان.

إزاء هذا الواقع، من حقّنا أنّ نطالب بمقاومة وطنيّة، ليس فقط لمواجهة تدخّل إسرائيلي ضدّ سيادتنا الوطنيّة، ولإستعادة الثّروات المنهوبة، بلّ أيضا، لمواجهة التّدخّل الإيرانيّ، وكلّ تدخّل أجنبي آخر.

إيران لن تتدخّل في أيّ حرب ضدّ لبنان، بلّ ستدفع بأهل العرب والشّيعة من اليمن إلى العراق إلى سوريّا إلى أتون هذه الحرب إن حصلت

المقاومة الوطنيّة حقّ من حقوقنا في القانون الدّولي، وهي مرتبطة بمبدأ أساسيّ من مبادئ الامم المتّحدة، المتّصلّ بحقّ الدّفاع عن النّفس. نعم، حقّ الدّفاع عن النّفس، وليس حقّ الدّفاع عن الآخر، كائنا من كان هذا الآخر. حقّ الدّفاع عن الآخر، محفوظ في إطار مبادئ متعدّدة، أهمّها: الدّفاع الجماعيّ الدّوليّ، أو الإقليمي، ضمن الأطر القانونيّة الدّوليّة.

نحن نلوم الأمم المتّحدة لأنّها لا تقوم بمهمّتها في الدّفاع عن فلسطين. لكنّني أسأل: أين هي الجامعة العربيّة؟ أين هو الدّفاع الجماعي العربيّ ألذي أصرّ عبد النّاصر على التّمسّك به، برفضه الأحلاف الخارجيّة؟

أين هو الدّفاع الجماعي الإسلاميّ؟ لماذا وحدهما، لبنان وشعبه، يتحملان وزر قضيّة بحجم دولي؟​

عندما أقول أنّنا بحاجة إلى مقاومة وطنيّة، لا أعني فقط مقاومة بالسّلاح، بلّ بكلّ الوسائل الحقوقيّة المشروعة. طالبنا، ونطالب بضرورة صياغة استراتيجيّة وطنيّة دفاعيّة، تحمي وطننا من أيّ تدخّل أجنبيّ، بقيادة جيشنا الوطنيّ، وبمشاركة كلّ أبنائه.

لكنّني أود الآن، وفي غياب مثل تلك الإستراتيجيّة الوطنيّة، أن أدعو السّياديّين للعمل الجدّيّ من أجل إنقاذ لبنان، ليس من خلال رفع شعار الفدراليّة، والتّحوّل الى مشروع طائفيّ تقسيميّ، أقلّ ما يمكن أن يقال عنه، أنّه مشروع فاشل، وخطير، كي لا أقول هو جبن، وهرب من المواجهة.

يجب الإصرار على تنفيذ الدّستور، وعلى قيام وفد من القيادات الدّينيّة، والزّمنيّة من كلّ الطّوائف، والمذاهب، بالسّفر إلى الامم المتّحدة وعواصم الدّول الكبرى، للمطالبة بحماية دوليّة وفرض تنفيذ إتّفاق الهدنة لعام 1949، والقرار ١٧٠١ لعام 2006.

يقولون: عندما تتقاتل الأمم، إحفظ رأسك. لكن، ماذا نفعل عندما يتقاتلون على أرضنا، ونتحوّل جميعا إلى مشروع كبش فداء؟

السابق
القصف الاسرائيلي مستمر.. استهداف محول الكهرباء في مشروع الطيبة
التالي
نصري شمس الدين أربعة عقود.. وشمسه ساطعة!