عن اللبناني «الغاضب» الهارب من الواقع!

منى فياض

هذا ما خلص اليه ​التقرير الدولي الذي صدر الأسبوع الماضي عن مؤسسة غالوب العالمية. أن موظفي لبنان يعانون من «التوتر والغضب”. وذلك بتأثير الفجوة بين المداخيل المتدنية والمتطلبات المعيشية «المدولرة».
ومن المعروف ان لبنان يعاني من شلل مستمر في الإدارات والمؤسسات، وهذا ما أثّر على هذا التصنيف. إذ تبين ان أكثر من ثلثي الموظفين (68 في المائة) يعانون من التوتر اليومي في بيئة عملهم، ويندرج نحو 41 في المائة في حالة «الحزن» اليومي، لترتفع بذلك حالة «الغضب» في صفوف العاملين إلى نحو 40 في المائة، وهي ثالث أعلى نسبة في المنطقة، والمترجمة رقمياً برغبة أكثر من نصف إجمالي الموظفين بترك العمل والبحث عن وظائف بديلة.

من المعروف ان لبنان يعاني من شلل مستمر في الإدارات والمؤسسات وهذا ما أثّر على هذا التصنيف


بالطبع يحق للبناني عموماً ان يغضب، وليس الموظف فقط. وهذا الغضب يتخطى “الدولرة” وانهيار الوضع الاقتصادي والإجتماعي والصحي والتربوي وغيره..
هناك لبنانيون غاضبون، من جرّ لبنان الى حرب استنزاف دون أفق، ولم تفد حتى الان سوى بتدمير القرى الجنوبية، وجعلها غير صالح للسكن لسنوات مقبلة. ولم تستفد غزة التي دمّرت عن بكرة ابيها.
هناك أيضا الغاضبون من غضب هؤلاء، وينعتونهم بالخونة والعملاء، خصوصاً عندما يستخدمون صفة الإرهاب، التي ألحقتها معظم الدول الغربية ب”حزب الله”، جراء انغماسه بتجارة الممنوعات، والقيام بعمليات مسلحة في انحاء الكرة الأرضية.
لكن هناك أيضا ردة فعل مغايرة للغضب وقد ترافقه، وهي فئة الهاربين من الواقع، عبر مقاطعة الأخبار واللجوء الى إدمان حضور الحفلات، وارتياد المطاعم والملاهي وحضور حفلات المغنين او مشاهدة المسلسلات وغيرها.
للغضب، كما للهروب، آثار سلبية وأخرى إيجابية.
فالغضب شعور طبيعي لدى البشر، لأنه رد فعل سوي على الظلم والاضطهاد.

الغاضبون من غضب هؤلاء وينعتونهم بالخونة والعملاء خصوصاً عندما يستخدمون صفة الإرهاب


لكن هناك الغضب السلبي الذي يؤدي الى العنف والتدمير، ما يفاقم المشاكل ويؤخر إيجاد الحلول. وهو يؤثر على الإنتاجية العامة وعلى حسن سير الأعمال وعلى الصحة النفسية.
أما الهروب السلبي من الواقع عبر الحفلات والمسلسلات وغيرها، فقد يعني فقط الهروب من مشاكلنا، وهذا لن يؤدي إلى حلها. بل قد يزيد الأمر سوءاً على المدى الطويل، فقد نصبح معزولين عن الواقع، الأمر الذي يُمكن أن يؤدي صعوبات في التفاعل مع الآخرين، والحفاظ على علاقات صحية. كما قد نشعر باليأس والإحباط إذا قارنا حياتنا بحياة الشخصيات في القصص والأفلام. ويولد مشاعر سلبية مثل الحسد والغضب.

يكون الغضب ايجابياً وبناءً، عندما يمدنا بقوة دافعة للتغيير، ويحفز الناس على المطالبة بحقوقهم والعمل على إصلاح الأوضاع؛ عبر الاحتجاجات السلمية والمظاهرات. على ان تكون موجهة ضد الظلم والفساد.
ثم المشاركة بالانتخابات والترشح لها والتصويت للمرشحين الذين يعتقدون أنهم سيحلون المشاكل. او المشاركة في أنشطة المجتمع المدني.

أما الهروب الإيجابي، فقد يخفف التوتر والقلق، لأنه ينقلنا إلى عوالم أخرى، قد تساعدنا على نسيان مشاكلنا لفترة من الوقت. ويُمكن أن يكون ذلك مفيدًا لصحتنا العقلية، خاصةً إذا كنا نعاني من ضغوط الحياة اليومية كما هي الحال، فيوسع آفاقنا. كما تعلمنا القصص أشياء جديدة عن العالم والثقافات المختلفة، ما يجعلنا قادرين على فهم أنفسنا بشكل أفضل والتعاطف مع الآخرين.
لكن لا يبدو ان غضب اللبناني ولا هروبه من الواقع يخدمانه ايجابياً. ففي المحصلة نجد ان اللبناني يعيش حالات من التوتر والقلق والخوف والتعاسة والإحباط، فقد كنا على رأس قائمة الشعوب غير السعيدة. كما انه يصرّف كل ذلك بسلوك عام غير متزن، كالجرائم والجنوح والعنف المجتمعي والسرقات، أو بواسطة الامراض والعوارض النفس – جسدية، وانتشارها، كأمراض الشرايين والقلب والذبحات الصدرية، أضافة الى السرطان وغيره.

لا يبدو ان غضب اللبناني ولا هروبه من الواقع يخدمانه ايجابياً.


لم يجد اللبناني بعد طريقه للخروج من مآزقه المتراكمة. وعندما اعترض في العام 2019 تمّ إسكاته من تحالف السلاح والفساد.
وها نحن بانتظار معجزة قد لا تأتي في حياتنا الفانية.

*يُنشر بالتزامن مع بثه على أثير إذاعة “صوت لبنان”

السابق
نواب قوى المعارضة: لعقد جلسة مناقشة نيابية لموضوع الحرب جنوبا ومخاطر توسعها
التالي
لقاء سيدة الجبل: نُطالب بإعادة النظر في كل السياسة العربية