عن الفايسبوك..هذا العالم الإفتراضي «الأزرق»!

ياسين شبلي

من إيجابيات الفايسبوك – هذا العالم الإفتراضي الأزرق – القليلة ربما حسب إعتقاد البعض، هو التواصل الفكري والإجتماعي وتبادل الأراء، التي قد تتفق أحياناً وتختلف أخرى، وهذا شيء بديهي وأكثر من طبيعي في الحياة البشرية السوية، حيث إختلاف المشارب والمنطلقات والمصالح بين البشر.

ومن الطبيعي أيضاً، إختلاف طريقة التعبير بين البشر حتى بين الأخوة والأصدقاء الواقعيين، فكيف بالحري بين الأصدقاء الإفتراضيين، الذين لا يعرفون بعضهم بالشخصي، هذا الإختلاف في طريقة التعبير قد يجر أحياناً بعض المناكفات، سيما المنشورات القصيرة التي قد لا يستطيع أياً كان، أن يوصل الفكرة المتوخاة منها بسلاسة، ما يؤدي إلى عدم فهم المقصود أو فهمه بطريقة خاطئة.

وكما في الواقع كذلك في العالم الإفتراضي، هناك البعض ممن لا يحسن التعبير أو التفاعل، ولا يتقبل الرأي الآخر، فيلجأ إلى السخرية من الآخر أو تسخيف رأيه، وفي ذهنه أنه بذلك يمارس حريته بالتعبير، في حين أن السخرية في معرض الجد، كالجد في معرض السخرية يؤدي إلى عكس المرجو منه تماما.

هناك سبل عدة يمكن للمرء أن يتلافى الخلاف مع الآخرين من الأصدقاء الإفتراضيين كما في الحياة اليومية من هذه السبل النقاش بإحترام دون تسخيف أو تجريح

هناك أيضاً البعض ممن قد تكون تتفق معه بالرأي، من قضايا وطنية وسياسية وإنسانية عامة، إلا أن طريقة طرحك للأمور ومعالجتها، تختلف تماماً عن طريقته، وهذا أيضاً طبيعي، لأنه يتم بحسب شخصية كل إنسان ونظرته لأمور الحياة، فيلجأ هذا البعض هنا، لمحاولة ليس فقط جرِّك لإعتماد نفس أسلوبه في التعبير والطرح، والذي يكون في غالب الأحيان محرجاً ومؤذياً، وخارج عن حدود اللياقة بالتخاطب، بل يريد أن يفرضه عليك، وعندما ترفض الإنجرار لهذا الملعب – إن صح التعبير – وتنبهه، بأنك لا تحبِّذ هذا الأسلوب على صفحتك الخاصة، يتهمك بأنك تصادر رأيه وتحجر على حريته، ناسياً بأن حرية النقاش، لا تبرِّر له الخروج عن الآداب العامة، خاصة على صفحات الآخرين، ولو كان تحت مسمى الصراحة، لأن ثمة خيط رفيع ما بين الصراحة والوقاحة، علينا أن لا نتجاوزه، فالنقاش ككل عمل حضاري في الحياة، له قواعد وأسس لا ينبغي التخلي عنها، وإلا تحول النقاش إلى سجال غير ذي معنى.

في الواقع كذلك في العالم الإفتراضي هناك البعض ممن لا يحسن التعبير أو التفاعل ولا يتقبل الرأي الآخر، فيلجأ إلى السخرية من الآخر أو تسخيف رأيه

وأولى هذه القواعد هي الموضوعية في الطرح، وعدم الدخول في زواريب، تأخذ النقاش بعيداً عن هدفه الحقيقي، فالخلاف السياسي يجب أن يُعالج بالسياسة وليس بالشخصي، ككيل الشتائم لزيد أو عمرو من السياسيين، أو حتى – في بعض الحالات لأصدقاء مشتركين – فالنقاش هدفه الحقيقي، يجب أن يكون محاولة الوصول إلى الحقيقة، التي يجب أن يقتنع كل محاور، بأنه لا يمكن لأحد إحتكارها، فالرأي قد يكون صواباً في بعض جوانبه، لكنه يحتمل الخطأ في جوانب أخرى، والعكس صحيح أيضاً، وإلا ما كان هناك من لزوم للنقاش أصلاً، فالنقاش يهدف إلى طرح وجهات النظر المختلفة، المدعَّمة بالوقائع المثبتة التي تُغني النقاش، وذلك بأسلوب حضاري راقٍ، حتى يمكن الوصول إلى نتائج مفيدة للناس والمجتمع، وليس النقاش لمجرد للنقاش.

قواعد النقاش الاولى هي الموضوعية في الطرح وعدم الدخول في زواريب تحرفه عن هدفه الحقيقي فالخلاف السياسي يجب أن يُعالج بالسياسة وليس بالشخصي

يجري ذلك كله، مع أن هناك سبل عدة يمكن للمرء، أن يتلافى الخلاف مع الآخرين من الأصدقاء الإفتراضيين، كما في الحياة اليومية، من هذه السبل النقاش بإحترام دون تسخيف أو تجريح، وذلك يتم عبر مداخلات بسيطة، تفي بالغرض عبر طرح وجهة النظر المعارضة، والاكتفاء بإبداء الرأي، دون الدخول في نقاشات عقيمة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ومنها أيضاً هو المرور على المنشور، الذي لا نتفق مع مضمونه مرور الكرام، فلا إعجاب ولا نقاش، فمن قال بأننا ملزمون بالرد على كل منشور ومناقشته، فالكثير من المنشورات، قد تكون كُتبَت تحت تأثير حالة نفسية معينة يمر بها الشخص، وقد لا تكون تمثِّل وجهة نظره الحقيقية، فيلجأ غالباً إلى مسحها، من هنا وجب علينا – من وجهة نظر خاصة بي طبعاً – أن نعمل بموجب شعار نقاش بمعروف أو تجاهل بإحسان، فهذا أفضل وأكرم لنا جميعاً.

إقرأ ايضاً: «حرب الإسناد» تُحوّل الجنوب الى منطقة منكوبة وخالية..ومحاولات جديدة لوقف الحرب!

في النهاية أقول بأني لست هنا بمعرض إعطاء النصائح، فهذا ليس أسلوبي بل أمقت هذا الدور، وهذا الكلام لا يجب أن يؤخذ على أنه “توجيه” للآخرين، أو تدخل في طريقة طرحهم للأمور، أو “كتالوغ” لإتيكيت الكتابة على الفايسبوك، معاذ الله، لكنه عصارة سنوات من التجربة في هذا “العالم الأزرق” الجميل رغم كل هنَّاته، والتي بحمد الله، تكاد تكون خالية من المناكفات والصراعات، لأني بطبعي لا أحبذ التراشق خاصة عن بعد ، بل أطرح آرائي ووجهات نظري بحرية، وأزعم بأنني ما تطاولت يوماً على أحد، أو سخَّفت رأياً لصديق أو متابع، وإن كنت قد فعلت فبالتأكيد عن غير قصد، وأملك شجاعة الإعتذار عند اللزوم.

السابق
«حرب الإسناد» تُحوّل الجنوب الى منطقة منكوبة وخالية..ومحاولات جديدة لوقف الحرب!
التالي
«سَفرة» لم تكتمل من العبدة الى قبرص..15 سورياً في قبضة « المعلومات»!