يحيى جابر يسأل.. ومحمد رعد يجيب!

محمد رعد

وكأنه لا يكفي ما يعانيه اللبنانيون عامة، منذ الإنهيار الكبير الذي بدأ العام 2019، والجنوبيون خاصة، مع معاناة مضاعفة جراء حرب “المساندة والمشاغلة” منذ الثامن من تشرين الأول “أكتوبر ” الماضي، والتي يتحمل فيها “حزب الله” الجزء الكبير من المسؤولية عن الأولى، وكل المسؤولية عن الثانية، حتى يطلع علينا كل يوم أحد مسؤولي هذا الحزب أو أتباعه و “دراويشه”، من سياسيين وإعلاميين ورجال دين، بتصريحات و”فرمانات” منها الحربي العسكري الذي يضرب ويهدد يميناً ويساراً، ومنها التعبوي التوجيهي الذي ينضح تضليلاً، وإستخفافاً بعقول الناس، مستغلاً عاطفتهم الوطنية والطائفية والإنسانية، كخبرية “الفيراري” والرينو ، ومنها “التقريعي” – إذا صح التعبير – الذي يرسم للناس خارطة طريق للعيش بحسب رؤيته هو، بطريقة عنجهية فوقية تبدأ بالتمنين، بأنه يتحمَّلهم ويصبر عليهم، ولا تنتهي بالتهديد والتخوين، لأنهم بحسب رأيه، يدمرون البلد عبر حبهم للحياة، فكيف لهم أن يروِّحوا عن أنفسهم بالذهاب إلى “الملاهي ” وإرتياد الشواطئ، فيصفهم ب”التافهين” تارة و”النزقين” و”اللئام” تارة أخرى، على طريقة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، هذه المعركة التي فرضها عليهم بحسب توقيته هو، من دون أدنى إحترام لإرادتهم وظروفهم المعيشية الصعبة، بعد سرقة أموالهم تحت ناظريه، هو وشركاء السلطة من دون أن يرف لهم جفن.

لا يترك رعد مناسبة سواء سابقة أم لاحقة، إلا ويلقي التهم فيها على المعارضين لنهج حزبه وممارساته، بالعمالة

هذا النوع الأخير من الممارسة، بات وكأنه من إختصاص الحاج محمد رعد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة”، الذي من المفروض أنه كرئيس كتلة نيابية، يكون جل همه تقديم مشاريع قوانين لتسيير أمور الوطن والمواطنين، لكنه بدلاً من ذلك لا يترك مناسبة سواء سابقة أم لاحقة، إلا ويلقي التهم فيها على المعارضين لنهج حزبه وممارساته، بالعمالة والخيانة مهدداً ومتوعداً، لينتقل هذه المرة ويقرِّع حتى الناس العاديين، الذين ربما يشاطرونه الرأي السياسي و “المقاوم” الممتد من لبنان إلى أقاصي الأرض، وغالبيتهم من بيئته الحاضنة سواء المقيم منها أو المغترب، ويتهمهم بالتفاهة والنزق واللؤمر لا لشيء إلا لأنهم يحاولون التغلب على مرارة العيش عبر “مقاومة” من نوع آخر للموت والدمار واليأس، مقاومة لا يقرَّها الحاج محمد وحزبه، ولا يعترف بها وهي مقاومة الموت بالحياة.

يترافق هذا “الإبداع” في التقريع للبنانيين، مع إبداع من نوع آخر يعرض على مسارح لبنان منذ عدة أشهر، للمبدع يحيى جابر عبر مسرحيته “شو منلبس”، التي وللأمانة لم يتسنَ لي مشاهدتها حتى اليوم، بسبب تواجدي خارج البلد، ولكن من خلال متابعتي لردود الأفعال عليها – ومن عنوانها الذي تُقرأ من خلاله، فهمت، وعسى أن يكون فهمي هذا صحيحاً – بأنها تتحدث عن فترة من فترات النضال في لبنان وعذاباتها ومآلاتها، وما يعانيه اللبناني عموماً في وطنه، جراء التناقضات المحيطة به، والمفروضة عليه من أصحاب “الإيديولوجيات” المختلفة، كل بحسب منطقه ودوره على الأرض، في كل المجالات السياسية والإجتماعية، بحيث بات حائراً تائهاً، لا يدري أي ثوب سياسي أو إجتماعي أو ديني يلبس، على كثرة “الموديلات” التي مرت ولا تزال تمر أمامه، بحسب التطورات والأحداث على الأرض، لتأتي تصريحات الحاج محمد وقبله وزير الثقافة – الحاج محمد أيضاً – في كل ممارساته وأخيرها، ولا يبدو أنها ستكون آخرها، تدخله في شؤون الكونسرفتوار الوطني ضد رئيسته هبة القواس، وكأنها جواب على سؤال يحيى جابر في مسرحيته بإسم اللبنانيين جميعاً “شو منلبس”، ليأتي الجواب عبر “كتالوغ” لطريقة العيش المطلوبة في لبنان “الممانع” رغم أنفه.

كانت النتيجة أن إنتهى به الأمر، أن يكون أقل من كابول في آسيا أو مقديشو في أفريقيا

هذه “المعركة” تذكرنا بمقولة كانت سائدة إبان سنوات الحرب الأهلية، تقول بأن الحرب تدور بين من يريد لبنان فندقاً للإستقبال، ومن يريده خندقاً للقتال، وبين من يريده هونغ كونغ ومن يريده سايغون، فكانت النتيجة أن إنتهى به الأمر، أن يكون أقل من كابول في آسيا أو مقديشو في أفريقيا، ومع ذلك لم يرعوِ البعض ويستعيد التاريخ نفسه، وكأنه ليس هنا من خيار ثالث بين الخندق والفندق، أن يكون لبناننا مثلاً بلداً طبيعياً كغيره من بلدان العالم، وكأنه مكتوب علينا أن نختار دائماً بين السيء والأسو،أ وليس بين الحسن والأحسن.

وإلى أن يتغير الحال عبر تغيير ما بأنفسنا، من جاهلية سياسية وعصبية طائفية، سنبقى نطرح مع يحيى جابر نفس السؤال .. “شو منلبس”؟ وسيبقون “هم يفصِّلون ونحن نلبس”، كما يقول المثل العامي، ولا للمتخاذلين.

يحي جابر
السابق
أميركا تؤكد وقوفها إلى جانب لبنان
التالي
الانتخابات الإيرانية: انسحاب مرشّحَين محافظَين متشدّدَين… وهؤلاء هم الأوفر حظاً