«الكيميائي» الى الواجهة مجدداً.. القضاء الفرنسي يصدّق على مذكرة توقيف بحق بشار الأسد

بشار الاسد

صدّقت محكمة الاستئناف في باريس، الأربعاء، على مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة تحقيق بحق الرئيس السوري، بشار الأسد، المتهم بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الهجمات الكيميائية القاتلة التي وقعت في أغسطس (آب) 2013، وفق محامي الضحايا ومنظمات غير حكومية.

وأعلنت محاميات الأطراف المدنية للصحافة في ختام المداولات التي جرت في جلسة مغلقة: «تمت المصادقة»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وبذلك تكون غرفة التحقيق قد رفضت طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بإلغاء مذكرة التوقيف بسبب الحصانة الشخصية للرؤساء أثناء وجودهم في السلطة.

وتستهدف مذكرات التوقيف، إلى جانب الرئيس الأسد، شقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري، وعميدين آخرين هما: غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية. وتتعلّق التحقيقات، التي أُجريت في إطار «الاختصاص العالمي» للقضاء الفرنسي، كذلك بهجوم وقع، ليل 4 – 5 أغسطس، في عدرا ودوما، ما أسفر عن 450 مصاباً.

وجاء الإجراء القضائي بناءً على شكوى جنائية قدّمها «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير»، و«الأرشيف السوري»، ومبادرة «عدالة المجتمع المفتوح»، ومنظمة «المدافعين عن الحقوق المدنية»، واتخذت المنظمات صفة الادّعاء الشخصي في القضية التي أُوكِلت مهمة النظر فيها إلى المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية.

يحمل قرار محكمة الاستئناف دلالات عميقة للعدالة الدولية وحماية حقوق الإنسان. فهو يبعث برسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لا يمكنه التهاون بموضوع الإفلات من العقاب على الانتهاكات الفظيعة مثل استخدام الأسلحة الكيميائية.

بالنسبة للضحايا والناجين من الهجمات الكيميائية على الغوطة الشرقية ودوما، تمثل مذكرات التوقيف اعترافاً طال انتظاره بخطورة الجرائم المرتكبة ضدهم وخطوة حاسمة نحو العدالة.

قال مازن درويش، مؤسس ومدير عام المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “نحن نشيد بمحكمة الاستئناف في باريس لتأكيدها مذكرات التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد. هذا القرار التاريخي يمثل خطوة حاسمة نحو العدالة لضحايا الهجمات الكيميائية. إنه يبعث برسالة واضحة أن الإفلات من العقاب على الجرائم الجسيمة لن يتم التهاون فيه، وأن عصر الحصانة كدرع للإفلات من العقاب قد ولى.”

وقال هادي الخطيب، مؤسس ومدير نيمُنك والأرشيف السوري: “بعد رؤية الأدلة، لم يشكك أي قاضي أو مدعٍ في فرنسا في دور بشار الأسد في الهجمات الكيميائية على الغوطة ودوما في آب/أغسطس 2013. بالنسبة للضحايا  والناجين والشعب السوري و غيرهم من المتضررين بشكل مماثل حول العالم أقول: يجب أن تكون المطالبة بالمساءلة القضائية عن مثل هذه الفظائع ممكنة ضد كل من يثبت تورطه فيها”

أما ستيف كوستاس، كبير المحامين في مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، فقد صرح: “هذا القرار يوضح أن القواعد الدولية حول الحصانة لا يمكن أن تكون مرادفة للإفلات من العقاب، خاصة للجرائم الدولية الأشد خطورة. الطريق إلى العدالة في هذه القضية طويل وصعب، ولكن مع نتيجة اليوم، رأينا القانون يستجيب بحق لعزم الضحايا على تحقيق المساءلة. مطلبهم واضح: أن يتم التحقيق مع جميع مرتكبي الهجمات الكيميائية ضد الشعب السوري وملاحقتهم قضائيا. قرار محكمة الاستئناف في باريس يسمح الآن بالتحقيق حتى مع المسؤولين رفيعي المستوى. مع كل خطوة إلى الأمام في هذه القضية، نعمل نحو مستقبل لا يكون فيه أي شخص في أي مكان، بغض النظر عن رتبته، فوق القانون.”

وقالت كذلك عايدة ساماني، مستشارة قانونية كبيرة في منظمة المدافعون عن الحقوق المدنية: “هذا حكم تاريخي ساهمت فيه محكمة الاستئناف في باريس بشكل مهم في إبطال الوضع الراهن حول الحصانات. نأمل أن يقرب هذا الحكم المجتمع الدولي خطوة واحدة نحو نظام عالمي لا يستطيع فيه رؤساء الدول ارتكاب جرائم دولية فاضحة دون عقاب.”

خلفية القضية:

في 1 آذار/مارس 2021، بادر الناجين من الهجمات الكيميائية، جنبًا إلى جنب مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بدعم من الأرشيف السوري ومبادرة العدالة في المجتمع المفتوح Open Society Justice Initiative ، بتقديم شكوى جنائية بخصوص هجمات الأسلحة الكيميائية التي وقعت في آب/أغسطس 2013 على دوما والغوطة الشرقية. وقد أشارت الشكوى، التي قُدمت كطلب طرف مدني أمام قضاة التحقيق في محكمة باريس القضائية، إلى أن هذه الهجمات تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقدمت المنظمات غير الحكومية، إلى جانب منظمة مدافعي الحقوق المدنية كطرف مدني، أدلة جوهرية بما فيها شهادات لناجين، وتحليل لسلاسل القيادة، ومعلومات عن المسؤولين السوريين المزعوم تورطهم في الهجمات.

أدت الهجمات الكيميائية على الغوطة في 21 آب/أغسطس 2013، والتي استخدم فيها غاز الأعصاب القاتل السارين، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، وأدانها المجتمع الدولي على نطاق واسع. وكانت هذه الهجمات، إلى جانب الهجمات السابقة على دوما وعدرا، جزءًا من حملة ممنهجة ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وفي استجابة لهجمات الغوطة الشرقية، تبنت كل من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2118، الذي دعا إلى تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا ومحاسبة جميع مرتكبي هذه الهجمات. رغم ذلك، أظهرت الهجمات اللاحقة استمرار استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية ولم تمارس أي محكمة دولية الولاية القضائية على مرتكبي هذه الجرائم، مما دفع الضحايا والمنظمات غير الحكومية إلى التوجه إلى السلطات الوطنية لمحاسبة الجناة.

يسمح القانون الفرنسي بالتحقيق وملاحقة هذه الجرائم الدولية، بغض النظر عن أنها ارتكبت في سوريا. في  14 شباط/نوفمبر 2023، أصدر اثنان من قضاة التحقيق في محكمة باريس القضائية مذكرات التوقيف بعد تحقيق واسع. وفي 22 كانون الأول/ديسمبر 2023، طعن المدعي العام الفرنسي في مذكرة توقيف الأسد مشيرًا إلى حصانة رئيس الدولة، لكنه لم يعارض النتائج حول دوره في الهجمات الكيميائية ولا مذكرات التوقيف بحق المسؤولين السوريين الآخرين بما في ذلك ماهر الأسد.

في 15 ايار/مايو 2024، استمعت محكمة الاستئناف في باريس إلى مرافعات من المدعي العام ومحامي الدعوى المدنية جين سولزر، وكليمانس ويت، وكليمانس بيكتارت، الذين يمثلون الضحايا الأفراد والمنظمات غير الحكومية – بشأن مشروعية مذكرة التوقيف ضد بشار الأسد في سياق حصانة رئيس الدولة.

السابق
لوحات الفنانة التشكيلية الهام شاهين.. «المُضنية»!
التالي
تعطيل إنتداب أعضاء المجلس العدلي باطنها «سياسي».. هل يبادر عبود الى التكليف؟!