حظوظ «فدرلة» لبنان في ظل إيران!

علم لبنان 1200

عندما يمرّ لبنان بأزمات كيانية ووجودية خطيرة، ترتفع الأصوات في البيئة المسيحية خصوصاً، مطالبة بالنظام الفدرالي. إذ أنّ النظام الفيدرالي هو نظام إتحادي ضمن دولة واحدة وليس تقسيمياُ، وهو معتمد في أرقى دول العالم، حيث تحاكي الفدرالية خصوصيات المجتمعات المركّبة أثنيا و أو طائفياً و أو ثقافياً، وما إلى هنالك.

لذا لا يجوز إنكار حقيقة هذا الواقع التعددي للبنية الإجتماعية اللبنانية تحت عناوين برّاقة كالدولة “العلمانية” أو “المدنية” أو غيرها من المصطلحات، التي تحمل في طيّاتها “إلغاء الطائفية السياسية”، في ظل نمو غير متكافئ وخلل ديموغرافي بين الطوائف، بغية سيطرة طائفة على أخرى، في حين أنّ لبنان يحتوي على نواة صلبة لدولة فيدرالية مستقبلية، والدليل على ذلك، هي الاحوال الشخصية وما يتمخّض عنها من قوانين ومحاكم خاصة لكل طائفة، الأوقاف الخاصة لكل طائفة، توزيع المراكز في المؤسسات الدستورية على المجموعات الطائفية وغيرها، من الإشارات والدلالات التي تشكل الشخصية المعنوية لكل طائفة.

بدل الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر، ساهم الموارنة بشكل رئيسي في تأسيس صيغة الـ٤٣

غير أنّ في الزمن الذي كانت فيه موازين القوى الخارجية والداخلية، مائلة بقوّة لصالح الموارنة، وكان بإمكانهم حينها إنتاج نظام حكم يتلاءم مع التركيبة التعددية اللبنانية، لطمأنة وإراحة خواطر ومخاوف الطوائف الأخرى، المتوجّسة آنذاك من أي تركيبة حكم تأتي على حسابها. إذ بدل الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر، ساهم الموارنة بشكل رئيسي في تأسيس صيغة ال٤٣، حيث كان لهم فيها اليد الطولى في السلطة، لإشباع نهمهم وشهواتهم السلطوية الآنية والقصيرة النظر.

في السياق ذاته، وبناء على الوضع القائم حالياً، يجدر الإشارة إلى الملاحظات التالية:

١) تنحصر السياسة الدفاعيّة والنقديّة والخارجية في كل الأنظمة الفدرالية بيد السلطة المركزية دون سواها، وبالتالي لا يمكن تأسيس نظام فدرالي في ظل وجود سلاح “حزب الله”. إلّا إذا كان المقصود، على أنّ يكون لكل مقاطعة في دولة واحدة ميليشيا خاصة بها على غرار مليشيا حزب الله. ففي هذه الحالة، هذا ليس بنظام فيدرالي وليس حتّى بنظام سياسي في المطلق، بل جزر أمنية تحكمها الميليشيات.

٢) النظام الفيدرالي يأتي بصيغ مختلفة، تتلاءم مع فرادة كل بلد. في بلد متعدد الطوائف مثل لبنان، حيث لكل طائفة أهواءها وإنتماءاتها الخارجية الخاصة بها، تحتم على النظام الفدرالي إعتماد الحياد، وبالتالي لا يمكن تطبيق الحياد بوجود سلاح “حزب الله”.

٣) لا شك أنّه يجب تغيير إتفاق الطائف، وهو يحتوي على العديد من التناقضات والإلتباسات والثغرات، رغم بعض البنود الإيجابية وعلى رأسها البند المتعلق بنزع جميع سلاح الميليشيات، والعودة إلى هدنة ال٤٩ مع إسرائيل. ولكن المطالبة الآن، بتغيير النظام في ظل موازين قوى “طابشة” بشكل كامل لصالح “حزب الله”، سيأتي بدستور جديد يجسّد إستراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة والعالم، حيث سنترحم على إتفاق الطائف.

٤) الآن، تحميل الأزمة المأساوية في لبنان إلى طبيعة النظام، يريح ويخفف بشكل غير مباشر عن الطبقة السياسية الفاسدة و”حزب الله”، مسؤوليتهم فيما آلت إليه الأوضاع في لبنان، بمعنى أنّ المشكلة في النظام وليس بهم.

جوهر القضية اللبنانية الآن يبدأ برفع الاحتلال الإيراني عن لبنان

في مطلق الأحوال، أي نظام سياسي مهما كانت طبيعته في ظل الإحتلال الإيراني للبنان عبر “حزب الله: والتركيبة السياسية الفاسدة الخاضعة له، سيطبق لخدمة الاحتلال الإيراني وليس لمصلحة لبنان، كياناً ودولة وشعباُ… جوهر القضية اللبنانية الآن، والمدخل الوحيد لأي تغيير وإصلاح (ليس على الطريقة العونية) في شتّى المجالات، إن كانت في تغيير النظام أو مكافحة الفساد، أو تصحيح العلاقات الخارجية أو غيرها، يبدأ برفع الاحتلال الإيراني عن لبنان.

السابق
«اسرائيل تدبّ الفوضى في مراكز الجنوب».. توضيح لـ«التعليم المهني والتقني»!
التالي
علي الأمين: هناك حرب إعلامية لتشويه مطار بيروت