هل يسمع منظّرو ما يسمّى «المقاومة».. غير أصواتهم؟!

السفير هشام حمدان

إستمعت إلى أحد منظّري ما يسمّى بالمقاومة (د. ناصر قنديل)، يتحدّث في برنامج “في ما وراء الخبر” عمّا أسماه تراجعا عن أهداف الأميركيّين، والإسرائيليّين الأصليّة للحرب، وشروطهما الأصليّة التي وضعاها لإنهائها. فيعتبر، أنّ المقترحات الأميركيّة الأخيرة في مجلس الأمن، جاءت بعد إدراك الأميركيّين، أنّ “الحرب انتهت، وبفشل ذريع”. وأنّ “هذا الفشل، يحتاج إلى احتواء كيّ لا يصبح هزيمة متدحرجة. فإذا وقعت الهزيمة الإسرائيليّة، فالهزيمة الأميركيّة حكميّة”. وهو يتابع بثقة، أنّ “المسألة، مسألة مصالح عليا للكيانات، والدّول، ولا شخصنة في موضوع “الهزيمة”. وسقوط إسرائيل، على حدّ قوله، هو سقوط لأميركا في المنطقة. لذلك، يجب ترتيب ما أسماه ب”الهبوط الآمن. ويجب أن تكون الهزيمة، هزيمة مقنّعة”.

المسألة مسألة مصالح عليا للكيانات والدّول ولا شخصنة في موضوع “الهزيمة”.

صاحب هذا الكلام، هو واحد من السّياسيّين، والوجوه الإجتماعيّة التي برزت سواء بدعم من حزب “المقاومة”، أو من جهة حليفة معها، (ألنّظام السّوري مثلا)، تحت عباءة العداء المشترك لإسرائيل.

في الواقع، مثل هذه الوجوه المميّزة بذكائها، وحسن صياغتها للعبارات، أقفلت ذهنها على وتيرة محدّدة: الدّفاع عن “المقاومة” من دون أيّ مساءلة، والتّرويج لها، والتّورية على أخطائها. والمؤسف، أنّ هذه المجموعة الفكريّة، لا ترغب أن تقرأ بموضوعيّة ما يكتبه معارضو هذه “المقاومة”، ولا عن مسعاهم لإقامة مقاومة من رحم الوطن، ومصالحه، وحقوقه، والتزاماته. فمن يعارض “المقاومة”، هو مشروع عميل لإسرائيل، ولا بحث في هذا الأمر.

يعتقد بعض هؤلاء في تحليل الموقف الأميركي، أنّهم يبتدعون الأفكار لتأكيد الهزيمة الإسرائيليّة. ومنح “المقاومة” نصرا أكيدا. مهلا:

لم أسمع قبلا، كلاما عن هزيمة أميركيّة، بلّ وعن سقوط لأميركا في المنطقة، حتّى من الهواة في تحليل العلاقات الدّوليّة، و أو.. أميركا، ألتي هزمت الإتّحاد السّوفياتي، ودمّرت العراق، وخلقت الحالة السّوريّة، والعربيّة القائمة، وتواجه الصّين، والإتّحاد الرّوسيّ، إنهزمت أمام ميليشيات الوليّ الفقيه، وذلك رغم أنّ إيران لم تتدخّل.

قد يصدّق حامل البندقيّة الطّيب من أبنائنا في الجنوب، وغير الجنوب، هذا الكلام. لكن، هل نسي “القنديل” ما حصل لمصر، وسوريّا الأسد، في حرب عام 1973؟ كلّنا يعلم أنّه مع بدء هجوم “حماس”، أو ما سمّي ب”طوفان القدس” في 7 تشرين الأوّل، قام الغرب بإرسال حاملة الطّائرات أيزنهاور إلى حيفا. فهمت إيران الرّسالة، فامتنعت عن تنفيذ شعارها بوحدة السّاحات، وتركت مقاتلي “حماس” منعزلين في حربهم، مكتفية ب”لعبة المناوشات” مع ميليشياتها، أيّ “يموت الرّاعي، ولا يفنى الغنم”.

يعود التّحليل بنا إلى لازمة “المقاومة” بعد كلّ حرب، فيعتبر، أنّ فشل إسرائيل في إنهاء “حماس”، هو انتصار “للمقاومة”. لطالما قلنا، أنّ مفهوم “المقاومة”، لم يعد كما كان عليه عند تحرير لبنان من الإحتلال، أيّ طرد المحتلّ، بلّ صار الهدف، تحريك “الوحش”، والصّمود أمام ردّ فعله، أيّ، سقط مفهوم الطّرد من الأراضي المحتلّة، وكذلك الدّحر على باب فتح الطّريق إلى القدس. أصبحت “المقاومة” فعلا سلبيّا بمواجهة آلة الحرب الإسرائيليّة، وليست فعلا إيجابيّا بهدف طرد الإحتلال، والعودة إلى القدس.

وفي هذه الحالة، من حقّنا أن نسأل “المقاومة”، إذا كان هدفها منع الإسرائيلي من التّقدّم نحو أرضنا، فلماذا تهاجمه وتستفزّه؟ إسرائيل لم تبدأ هجوم 7 تشرين الأوّل، بلّ “حماس”. وقد سألناها منذ اليوم الأوّل، هل رسمت بوضوح سيناريو الهجوم، ودرست الإحتمالات التي قد يؤدّي إليها؟ من فشل في تحقيق أهدافه من الهجوم، هو المهزوم، وليس العكس.

استخدام القوّة لتحسين شروط التّفاوض مع الآخر من أجل إنهاء الحرب وليس لإنهاء الآخر

في الواقع، مثل هذا المفهوم السّلبيّ للعمل العسكريّ، يعني إستخدام القوّة، لتحسين شروط التّفاوض مع الآخر، من أجل إنهاء الحرب، وليس لإنهاء الآخر. وهذا يعني، أنّ شعار إنهاء إسرائيل كذبة واضحة، وعملا إعلاميّا خداعيّا للمواطن العربي الطّيّب. كما يعني، أنّ السّلام مع إسرائيل، ليس أمرا مستبعدا، وليس عملا خيانيّا كما تقول المقاومة. تعرف إيران، أنّ لا استعادة للجولان، ولا للقدس الشّرقيّة، ولا لإنهاء المستوطنات، إلا بالسّلام. الرغبة بالسّلام أمر قائم فعلا، لكن بشروط. تماما كما حصل عندما قبل الثّنائي “المقاوم” بتحديد الحدود البحريّة مع “العدوّ”.

السّلام مع إسرائيل ليس أمرا مستبعدا وليس عملا خيانيّا كما تقول المقاومة

من الواضح، أنّ أصحاب الفكر المقاوم، لا يستسيغون سؤال أنفسهم: أين نحن اليوم من عام ١٩٤٨؟ لو قرأ منظّرو “المقاومة”، بحسّ وطنيّ موضوعيّ بعيدا عن رنين الدّولار، وفخامة المنصب السّياسيّ، والهوى الطّائفيّ، والعصبيّة الحزبيّة، لكانوا أدركوا بوضوح، أنّهم خرجوا من ثوبهم العربيّ، ولبسوا الثّوب الإيرانيّ، مستخدمين لغتهم الأم، للتّرويج لأغراض الفارسي. وأنّ الشّروط التي يقاتلون، ويموتون من أجلها لتحقيق السّلام مع إسرائيل، هي الشّروط الإيرانيّة.

كلّنا يعلم من يموّل “المقاومة”، ويسلّحها، ويدرّبها، ويعطيها الأوامر، بلّ، ويغطي أعمالها. دفعت أوروبّا مؤخّرا، مليار يورو لإسكات “الثّنائي” الذي دفع بموضوع اللّجوء السّوري، للضّغط عليهم. ذهبت الأموال لتعويض النّاس الذين دمّرت بيوتهم، فتشتري سكوتهم. لطالما تساءل العلّامة علي الأمين: لماذا يتعامل الغرب فقط، مع الثّنائي الشّيعيّ، ويرفض التّعامل مع رافضي السّلاح، والعنف؟

نعم، الأميركي يريد الحفاظ على إسرائيل. بلّ ان الحفاظ على إسرائيل هو من الاستراتيجيّات الأميركيّة الثّابتة. لكن ذلك، لا يعني بالضّرورة، الحفاظ على اليمين المتطرّف فيها. كما أنّ الأميركيّ يريد الإحتفاظ بالشّرق العربيّ، لكن ليس بالضّرورة بحملة السّلاح المتطرّف بينهم.

الأميركي يريد الحفاظ على إسرائيل. بلّ ان الحفاظ على إسرائيل هو من الاستراتيجيّات الأميركيّة الثّابتة

بالنّسبة للأميركيّ، ولمصالحه الإقليميّة، صارت المقاومة حليفا غير مباشر لليمين الصّهيونيّ الذي لا يريد إلّا القتال، والقتل، والتّدمير، والتهجير. صارا يقدّمان معا لعبة كرة النّار على ملعبيّ غزّة، وجنوب لبنان. وعليه، ما يريده الأميركيّ، بالتّأكيد ليس انتصارا لليمين المتطرّف الإسرائيلي، ولا للمقاومة. ولذلك، يريد إنهاء الحرب. فاليمين الإسرائيليّ المتطرّف، هو الذي يجب أن يخرج خاسرا، وكذلك حماس بمفهومها الإيديولوجي العسكري. متى يفهم منظّرو المقاومة، بوجوب قراءة المصالح الدّوليّة، بدلا من التّلهّي بالشّعارات، وبعواطف النّاس؟

صار رجال الفكر من أحزابنا القوميّة العربيّة كالشّعراء، يلقون القصائد في بلاط الوليّ الفقيه في طهران.
ما حصل فعلا نتيجة هذه المقاومة الإيرانيّة، أنّ العرب، باتوا يتحالفون مع إسرائيل الآن، ضدّها. فالعرب، يعرّفون ما يسمّى “مقاومة”، بأنّها جماعة “مرتزقة”، يجمعها الولاء الدّينيّ للوليّ الإيراني.

السابق
غارة على منزل في ساحة عيترون ليلا
التالي
في طيردبا.. العثور على جثة رضيعة في مكب للنفايات !