قراءة في خطاب نصر الله الأخير .. تصعيد جدي أم هروب إلى الأمام؟ 

ياسين شبلي

جاء الخطاب الأخير لأمين عام “حزب الله: السيد حسن نصر الله، في ذكرى مرور أسبوع على إغتيال القائد العسكري الميداني للحزب طالب عبد الله “أبو طالب”، على ما يبدو معبِّراً بعلو لهجته وحدَّتها أصدق تعبير عن الغضب – إن لم يكن المأزق – الذي يشعر به الحزب، جراء الوضع بشكل عام، وهذا الإستهداف بشكل خاص الذي يبيِّن مدى الخسارة التي مُنيَ بها، كما يعبِّر عن المكانة العالية التي كان يتبوأها هذا القائد أيضاً، والتي ظهرت جلياً في العمليات التي تلت عملية إغتياله من حيث الكمية والنوعية التي تميزت بها، والتي كادت أن تطيح بكل قواعد الإشتباك المعمول بها منذ بداية الحرب، ما سرَّع بعودة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للمنطقة، في محاولة للجم التصعيد. 

جاء الخطاب إذن بعد كل هذا التصعيد الميداني وعلى أعلى مستوى قيادي ليؤكد هذه الحقيقة حقيقة الخسارة التي إستشعرها الحزب

جاء الخطاب إذن، بعد كل هذا التصعيد الميداني وعلى أعلى مستوى قيادي ليؤكد هذه الحقيقة، حقيقة الخسارة التي إستشعرها الحزب، والتي يبدو أن التصعيد الميداني الذي حصل، وكذلك الكلامي في خطاب الأمين العام، إنما هو محاولة تبدو يائسة، لردع أي محاولة جديدة من هذا النوع، إستشعاراً منه ربما، بأن المقبل من الأيام قد يحمل عمليات نوعية مماثلة، وللقول بأنها ستكون إن حصلت – وهي حاصلة بلا شك كلما سنحت الفرصة للعدو – من خارج السياق، وسيتعامل معها على هذا الأساس، خاصة مع الأثر البالغ الذي تتركه هكذا عمليات، على الحالة النفسية والمعنوية على ساحته وبيئته، سواء على المقاتلين منهم أو المدنيين، وهو عامل تعبوي مهم، يحسب له الحزب ألف حساب، خاصة في ظل الظروف الداخلية اللبنانية المحيطة، التي لا تُعتبر مؤاتية أو داعمة للحزب، إن لم تكن ضد حرب “المساندة والمشاغلة” التي يخوضها، بمعزل عن رأي اللبنانيين بشكل عام، وهذا ما دفعه ربما – إضافة لعوامل أخرى – إلى الإعلان عن “إنجازات المسيَّرة هدهد”، التي من المفروض أن تبقى طي الكتمان، وعدم كشفها للإحتفاظ بعنصر المفاجأة.  

هكذا إذن، كان الخطاب عالي الحدة واللهجة – لأسباب تبدو تعبوية أولاً – إلا أنه في نفس الوقت، كان تأكيداً جديداً ومتكرراً  بأن “حزب الله” لا يريد الحرب، فيما يبدو وكأن التهديد والإستعراض الميداني والخطابي بالإستعداد للحرب – ومن ضمنها عملية الهدهد – إنما هو محاولة لمنعها، وذلك على طريقة الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما أعلن الإستنفار والإستعداد، وأرسل الأساطيل إلى المنطقة مع بداية عملية “طوفان الأقصى”، والحرب التي تلتها لمحاولة منع توسعها وقد نجح. 

كان الخطاب عالي الحدة واللهجة – لأسباب تبدو تعبوية

حتى التهديد المفاجئ والمثير والمستغرب، الذي وجهه لدولة قبرص كان على ما يبدو من ضمن هذه الإستراتيجية، إضافة ربما – بحسب بعض الأوساط المتابعة – للهدف الأصلي لهذا التهديد، ألا وهو إيصال رسالة “إيرانية” للغرب عبر البوابة القبرصية، وذلك رداً على الموقف الأوروبي الأخير، الذي ورد في بيانه لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أكَّد فيه على “أن تطور البرنامج النووي الإيراني مثير للقلق”، والذي إتهم إيران بعدم “إتخاذ القرارات اللازمة، للعودة إلى إلتزاماتها النووية، في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة”، كما طالب البيان الذي قدمته كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بإسم الإتحاد الأوروبي إيران “بتقديم التوضيحات اللازمة حول مصدر اليورانيوم الموجود في بعض المواقع النووية والتعاون الكامل مع الوكالة”. 

هذا البيان، الذي حاولت الولايات المتحدة تأجيله أو التخفيف من لهجته – على الأقل – عبر تدخلها مع أوروبا، خشية أن يكون الرد الإيراني، مزيد من التشدد في الملفات الإقليمية المفتوحة، خاصة في ظل حرب غزة وتداعياتها على لبنان والمنطقة بشكل عام، وكذلك على الملاحة الدولية، الأمر الذي رفضه الإتحاد الأوروبي، ليأتي الرد – ولو كلامياً حتى الآن على الأقل – على شكل رسالة تهديدية  من الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، ضد العضو الأوروبي الأقرب للمنطقة، ولو أنها رسالة أُلبست لبوس الدفاع عن لبنان كالعادة. 

هكذا تكون أهداف الخطاب ولهجته التصعيدية، قد تراوحت ما بين هدف داخلي تعبوي، هو رفع معنويات البيئة الحاضنة للحزب، من مدنيين ومقاتلين، وهدف سياسي وميداني “لبناني”، يتمثَّل بالتأكيد على الإلتزام بقواعد الإشتباك، المعمول بها منذ العام 2006، وحصر العمليات بهدف المساندة لغزة لا أكثر، وعدم الرغبة بالتوسع في الحرب، وهدف إقليمي “إيراني”، من ضمن الصراع القائم في المنطقة، حول الملفات المطروحة، والتي تتمحور كلها وتتحرك، في فلك الملف النووي الإيراني  الذي يُعتبر أبو الملفات الإيرانية، ليبدو الخطاب، وكأنه هروب إلى الأمام عبر التصعيد والتهديد الكلامي والإستعراضي في كل الإتجاهات، في ظل الإستعصاء المتحكم بملف حرب غزة وتداعياتها، التي حولت حرب “المساندة والمشاغلة” على الجبهة اللبنانية، إلى ما يشبه حالة الإستنزاف، ما وضع الحزب ولبنان الدولة والشعب في مأزق، مع التأكيد على الخسائر التي تسببت بها للعدو، بلا شك بغض النظر عن الفارق وإمكانية التعويض من عدمها، ليبقى السؤال المطروح منذ بداية الحرب، التي هي ككل الحروب، يعرف الجميع متى وكيف تبدأ، ولكن لا أحد يعرف متى وكيف تنتهي، في ظل وجود قيادات مأزومة سياسياً وميدانياً، والسؤال هو ماذا عن اليوم التالي للحرب، سواء في غزة أو في لبنان، فالوقت يمر، واللعب على حافة الهاوية بات مكلفاً للجميع، وخطراً في الوقت نفسه، فهل يكون الشعور بالمأزق الذي وصلت إليه كل الأطراف، سبباً لحلحلة ما تجنب المنطقة الأسوأ، أم سبباً للمزيد من أنهار الدم وطوفان الدمار، الذي يقوده ويسعى إليه المتطرفون من الجانبين؟ كِلا الإحتمالين وارد ، إلا إذا إنتصر أهل العقل والمنطق على أهل التطرف والجنون، الذين يمتلكون القوة، ولهم دائماً حساباتهم الخاصة التي قد تكون سياسية شخصية، يلبسونها لبوس الإيديولوجيا، أكثر منها وطنية عامة، سواء في إسرائيل أو المنطقة، التي لا تملك في الوقت الحالي سوى الإنتظار، فهل سيطول؟

السابق
ما صحة سحب دول أوروبية وغربية سفراءها من لبنان؟
التالي
نائبة مدير مكتب “اليونيفيل”: استهداف مواقع الأمم المتحدة أو المناطق القريبة منها لشن هجمات غير مقبول