هكذا نجح الغرب في تحويل «عداء» إيران الخميني إلى «تحالف» مع إسرائيل!

السفير هشام حمدان

أشرنا في المقالة السّابقة، إلى أنّ الغرب دعم ثورة الخميني. تحمّس الغرب لثورته بعد أن قرأ في مواقفه المعلنة في مكان لجوئه الأخير في باريس، ثورة إسلاميّة معتدلة. كان الغرب متعبا من طموحات الشّاه، وأحلامه الإمبراطوريّة. نجحت ثورة الخميني، وسقط شاه إيران. إنتقل الخميني من طهران إلى قمّ، وأصدر عدّة إعلانات بدّلت كثيرا من المواقف التي كان يعلنها في باريس. فاتحه الرّئيس بني الصّدر بذلك، فردّ بأنّ ل”كلّ مكان مقاله”. وصفه بني الصّدر بخائن للثّورة، وهرب إلى فرنسا.

قام الخميني بإغلاق سفارة إسرائيل في طهران وبتحويلها سفارة لفلسطين

قام الخميني بإغلاق سفارة إسرائيل في طهران، وبتحويلها سفارة لفلسطين. إكتسبت ثورته دعما إسلاميّا عريضا، وتحوّلت إلى نموذج جديد لثورة عبد النّاصر في مصر عام 1952. قبل الرّئيس جيمي كارتر إستضافة الشّاه للمعالجة من مرض السّرطان، فغضب الخميني، وطالب باسترداده. رفض كارتر. فاحتلّت جماهير الخميني السّفارة الأميركيّة، واتّخذوا أكثر من خمسين دبلوماسيّا أميركيّا، رهينة لهم، مطالبين بتسليمهم الشّاه لإطلاق سراحهم. تحوّل الخميني نحو العراق، إنتقاما من الرّئيس صدّام حسين الذي طرده من العراق، بعد توقيعه اتّفاق مع الشّاه، حول شطّ العرب، بوساطة قامت بها الجزائر في حينه.

إندلعت عام 1980، الحرب العراقيّة الإيرانيّة التي استمرّت حتّى عام 1988. قال هنري كيسينجر في حينه، انّها الحرب الوحيدة التي لا ترغب الولايات المتّحدة أن تراها تنتهي. لكنّ إيران، التي كان سلاحها أميركيّ الصّنع، كادت تخسر الحرب بداية. سارعت إسرائيل إلى تزويدها بقطع غيار أميركيّة، لأسلحتها. لم يعارض الخميني ذلك التّعاون السّرّيّ مع إسرائيل. فقد كان بحاجة ماسّة لقطع الغيار. قام في طهران منذ ذلك الحين، فريق من مساعدي الوليّ الفقيه، يديرون لعبة المصلحة مع تلّ أبيب. كما سعت طهران للضّغط على فرنسا، وبريطانيا لتزويدها بقطع غيار للأسلحة المستوردة منهما، وفرضت على الحكومة الفرنسيّة، بعد سلسلة تفجيرات في العاصمة باريس، دفع مستحقّات إيران من شراكتها معها في الطّاقة النّوويّة الإيرانيّة.

عرف كارتر بما تقوم به إسرائيل، فغضب، وضغط لوقف تهريب قطع الغيار لإيران. إستغلّ مستشارو رونالد ريغان هذا الأمر عام 1981، فاتّصلوا سرّا بحكومة الخميني، ووعدوها بتزويدها بما تحتاجه لسلاحها الأميركيّ، مقابل تأجيل صفقة تحرير رهائن السّفارة، إلى ما بعد الإنتخابات الرّئاسيّة التي جرت تلك السّنة. فاز ريغان بالرّئاسة. وفي اليوم التّالي، أطلق سراح الرّهائن. تزايدت حركة تصدير المعدّات العسكريّة إلى إيران عبر إسرائيل، إلى أنّ تمّ الكشف عنها عام 1986، بما سمّي فضيحة “إيران غيت”.

أنشأ الحرس الثّوري الإيرانيّ عام 1982 “حزب الله” في البقاع اللّبنانيّ برعاية النّظام السّوريّ، وصمت الولايات المتّحدة وفرنسا

أنشأ الحرس الثّوري الإيرانيّ عام 1982، “حزب الله” في البقاع اللّبنانيّ برعاية النّظام السّوريّ، وصمت الولايات المتّحدة، وفرنسا، اللّتان كانت قوّاتهما تنشر في بيروت، بإطار القوّات المتعدّدة الجنسيّة. كما صمتت إسرائيل، ألتي كانت تحتلّ العاصمة بيروت، على الرغم من إدراكهم أنّ هذا الحزب، سيقوم بخدمة الأهداف المعلنة للخميني، أيّ، محاربة إسرائيل وأميركا. لم تبادر أيّا من إسرائيل أو أميركا، لمنع حصول هذا الأمر. بلّ في الواقع، نقلت المعلومات في حينه، أنّ الرّئيس حافظ الأسد، سمح بتمرير أسلحة من إسرائيل إلى إيران عن طريق دمشق.

نذكر ولا شكّ، للعمليّات ضدّ القوّات الأميركيّة، والفرنسيّة في لبنان، لكن على الرّغم من ذلك كان لافتا أنّ الولايات المتّحدة، وفرنسا، قبلتا بعد اتّفاق الطّائف عام 1989، نزع سلاح الميليشيات في لبنان، باستثناء سلاح “حزب الله”، في وقت كانتا صاحبتيّ القرار، والسّلطة بعد انهيار الإتّحاد السّوفياتيّ.

دفع الرّئيس جورج بوش الأب عام 1990، بفكرة الإبراهيميّة لتسوية النّزاع في الشّرق الأوسط. إنطلقت استراتيجيّة أميركيّة صهيونيّة تدفع بالعامل الدّينيّ كقاعدة لحلّ مشكلة المنطقة. رافقت خلال مهمتي في الأمم المتّحدة (1987-1999)، التّطوّرات التي حصلت منذ عام 1989، مع بداية نهاية الحرب الباردة. لم تتحدّث إيران يوما في المحافل الدّوليّة عن إزالة إسرائيل، بلّ، كانت تشارك وتوافق على القرارات الدّوليّة، التي كانت تنصّ على تطبيق القرارين 242 و338، لجهة الإنسحاب الإسرائيليّ من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967.

إستمرّت الحرب المعلنة بين إسرائيل، وإيران. لكلّ منهما أهدافه، ومصالحه. أهمّ تلك الأهداف هي النّيل من القوميّة العربيّة، وإخضاع العرب لنفوذهما. عانت إسرائيل بعد ذلك من حروب الخميني المنظّمة ضدّها. لا حاجة للتّذكير بما حصل. لكنّ الغرب، وإسرائيل، وجدا الحلول المناسبة لتهدئة الأمور. كانا يريان في حروب إيران حالة “ظرفيّة”، وليس استراتيجيّة، تخدم في المحصّلة أهدافهم. فقد شكّلت إنتصاراتها حاجة تكتيكيّة لتفعيل الفكرة الإبراهيميّة، وإنهاء الفكر القومي العربيّ، وإسقاط الأنظمة القوميّة العربيّة. إنسحبت إسرائيل من لبنان عام 2000، على وقع هذه الحسابات. هذا الإنتصار في جنوب لبنان، جعل إيران صاحبة القرار الأفعل بشأن الحرب والسّلم مع إسرائيل.

عزّز إنسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، من دور إيران، وحزبها في لبنان، وأضعفت واقعيّا دور سوريّا. إنطلقت عمليّة التّثوير الدّيني للصّراع في المنطقة. لعبت الولايات المتّحدة دور المفتاح لهذه العمليّة مع اجتياح العراق عام 2002، وتدمير نظام صدّام حسين. نهض الحضور الشّيعيّ في العراق، وبالمقابل، ظهر ما سمّي ب”داعش” السّنّيّة. تمّ اغتيال رفيق الحريري، للدّفع قدما بإنسحاب سوريّا من لبنان. خلت السّاحة لإيران وحزبها ذات الهويّة الشّيعيّة. أوعزت أميركا لحفائها بإنهاء دور إيران في لبنان عام 2006، فكانت غزوة حزبها لبيروت، والجبل. تكرّست سيطرة للثنائي الشّيعيّ على لبنان.

عزّز إنسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 من دور إيران وحزبها في لبنان وأضعفت واقعيّا دور سوريّا

تشكّلت مجموعة بريكس، (لبرازيل، الإتحاد الروسي، الهند، الصّين وجنوب إفريقيا)، وحصلت الأزمة الماليّة عام 2008. صار الشّرق الأوسط أكثر أهمّيّة بالنّسبة للولايات المتّحدة، والغرب، (سنتحدّث عن هذا الأمر في مقالة مستقلّة). سرعان ما برزت التّحركات الشّعبيّة في الدّول العربيّة بدءا من تونس، ثمّ مصر، سوريّا وليبيا، حيث كان الأخوان المسلمون (السّنّة) في موقع القوّة. وصفت الولايات المتّحدة ما يحصل بالرّبيع العربيّ، في حين أنّه، كان يحقّق فكرة الفوضى الخلّاقة (إقامة صراع دينيّ في المنطقة)، التي تحدّثت عنها السّيّدة كونداليسا رايس عام 2005. إنتهت الأنظمة العربيّة العلمانيّة، وسقط الحكّام الذين ولدوا من رحم ثورة عبد النّاصر، باستثناء الرّئيس السّوريّ لعلوي وحليف إيران، بشّار الأسد. حظي الأسد بدعم الإتّحاد الرّوسيّ الذي يقيم قاعدة عسكريّة في طرطوس، وهي الوحيدة له في الشّرق الأوسط. تحدّث الملك حسين عن الهلال الشّيعي في حينه.

دفعت الولايات المتّحدة بالنّزاع الرّوسي الأوكراني عام 2015، بغية إشغال الإتّحاد الرّوسي عن الشّرق الأوسط. حقّقت الولايات المتّحدة، وإسرائيل هدفهما بتحويل العداء الإيراني لبعض أنظمة الدّول العربيّة، (خاصّة دول الخليج)، إلى تحالف مع إسرائيل. آن الأوان لإقامة السّلام بين العرب، وإسرائيل. إيران تسأل من خلال صواريخ جماعاتها في بعض الدّول العربيّة: وأين حصّتي؟

السابق
غارة على الوزاني صباحا وتمشيط للبلدة بالأسلحة الرشاشة
التالي
كيف أصبحت أسعار المحروقات؟