ثورة في الجحيم للزهاوي باللغة الإسبانية

صدرت مؤخرا الترجمة الإسبانية لقصيدة ثورة في الجحيم للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي (1863ـ1936) عن دار نشر “بوئيتيكا” بمدينة مالقة. قام بترجمة القصيدة والتقديم لها بدراسة مطولة الأستاذ والأكاديمي وليد صالح الخليفة. والزهاوي واحد من كبار شعراء العراق في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. تولّى الزهاوي العديد من المناصب سواء خلال مرحلة الاستعمارين العثماني والبريطاني أو في عهد الحكومة الوطنية . كان عضوا في مجلس معارف بغداد (1886) ونائبا عن لواء المنتفك (1914) وعن لواء بغداد (1915). وفي عهد الاحتلال البريطاني للعراق عين عضوا في مجلس المعارف ببغداد ورئيسا للجنة تعريب القوانين العثمانية. وخلال فترة الحكومة الوطنية بالعراق عُيّن عضوا في مجلس الأعيان (مجلس الشيوخ)، وبقي في هذا المنصب أربع سنوات (1925ـ1929).
على الرغم من أنّ الزهاوي لم يكن يجيد أية لغة أوروبية، لكنه كان على علم واسع باللغتين التركية والفارسية. ومن خلال التركية اطلع الزهاوي على الكثير من الكتب الفلسفية والعلمية المترجمة لهذه اللغة.
يتناول شعر الزهاوي الكثير من الموضوعات حيث ألّف مئات القصائد والرباعيات في الفلسفة والاجتماع والغزل والسياسة. وقد وجد بعض الباحثين نوعا من التقلب في الرأي لدى الشاعر فمرة يمدح الانكليز في نُظُمهم وتطورهم وأخرى يندّد بالظلم والطغيان الذي يمارسونه ضد مواطني الدول التي يستعمرونها. ينتقد العثمانيين من جهة ثم يتحسّر على عهدهم من ناحية ثانية. وعرف الزهاوي أيضا بدفاعه الدائم عن حقوق المرأة العراقية والعربية عموما والتي كانت تعاني من قسوة العادات والتقاليد الاجتماعية ومن ظلم القوانين التي تعاملها ككائن أدنى من الرجل. ترك الزهاوي الكثير من النصوص منها الشعري ومنها النثري. فبالاضافة إلى ديوانه المطبوع فأن له كتبا مثل الكائنات والخيل وسباقها والخط الجديد والجاذبية وتعليلها ورواية ليلى وسميروغير ذلك.
وقصيدته المترجمة ثورة في الجحيم هي ملحمة يزيد عدد أبياتها على الأربعمئة، نشرها عام 1929 فأثارت ضجة وكان لها صدى كبير في العراق وفي الشرق عموما، إذ تعرّض لها الكثير من الكتاب مدحا وقدحا. غضبت عليه طبقة المتعلمين المحافظين ونددوا به وشكوا أمره للملك فيص الأول والذي عاتبه على نشره تلك القصيدة فردّ عليه الزهاوي هازئا: “ماذا أصنع يا سيدي! عجزت عن إضرام الثورة في الأرض فأضرمتها في السماء”. وقصيدة الزهاوي رغم الفوارق هي صدى لرسالة الغفران للمعري في تصويره لأهل الجنة والنار. وليس هناك مجال للشك في كون الزهاوي قد اطلع أيضا على مضمون “الكوميديا الإلهية” للشاعر الإيطالي “دانتي”.
وتنتقد ثورة في الجحيم ضمنا النظرة السلفية للدين، وهي التي كانت شائعة في زمنه، وهي تعرض شكوك الزهاوي وتردده بين الإلحاد والإيمان. فبعد وفاة الشاعر ودفنه يأتيه الملكان منكر ونكير كي يمتحنوه في فكره فيسألونه عن رأيه في الدين والعلم والحجاب والسفور وغير ذلك فيقرران إلقاءه في الجحيم. لكنهما إمعانا في تعذيبه يأخذانه إلى الجنة كي يدرك ما خسره لتمرده على التقاليد. يجد الشاعر أن جميع ساكني الجنة هم من البُله والحمقى. بعدها يساق إلى الجحيم فيجده مليئا بالفلاسفة والعلماء والكتاب والمخترعين مثل سقراط وافلااطون وشكسبير ودارون والمعري والحلاج وقيس وليلى وغيرهم. هناك ينعقد اجتماع سياسي وعلميّ لهؤلاء العباقرة يؤكد فيه أرسطو على ضرورة الصبر حتى يجف النفط وتنطفئ النار. غير أنّ هؤلاء العلماء يقررون اطفاءها بالعلم فيخترعون أداة حديثة لاخمادها. ثم تبدأ ثورتهم وتدور معركة طاحنة مع الملائكة فينتصرون عليها ويجبرونها على أخذهم إلى الجنة كي يطردوا ساكنيها البلهاء ويتمتعوا بخيراتها.
تمثل القصيدة ثورة عارمة على أنماط التفكير التي كانت سائدة في زمن الزهاوي عن السياسة والدين والعلم والمرأة وغيرها. وهي أيضا انتصار للعلم الحديث والمعرفة ضد السفسطة والخرافات.

السابق
«أبو طالب» في «عيون الحزب» وهكذا كان الرد!
التالي
«القارة العجوز» تتخبط واليمين الاوروبي يتقدم!