«طوفان الأقصى».. وسقوط «الأوهام»(2): وللصهيونية «أوهامها» أيضاً!

ياسين شبلي

في الجزء الأول من مقالة “طوفان الأقصى” وسقوط الأوهام ، التي نشرت في “جنوبية” في 11 أيار الماضي، تحدثنا عن سقوط “الأوهام”، التي كان يسوِّق لها بعض الطيف السياسي والإعلامي العربي، بعضهم عن جهل والبعض الآخر عن قصد، بهدف التعبئة النفسية من وجهة نظره طبعاً، والتي ترسخت في ذهن البعض من الناس، حتى باتت من المسلمات إلى أن أسقطتها حرب غزة المستمرة منذ تسعة أشهر، والتي إنطلقت بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي قد تكون في جزء منها ومن خُطَطِها، إعتمدت على مثل هذه الأوهام.

الأوهام ليست حكراً على الجانب العربي فقط فهناك أيضاً أوهام صهيونية قديمة أسقطتها كلياً عملية “طوفان الأقصى”


الواقع، بأن الأوهام ليست حكراً على الجانب العربي فقط، فهناك أيضاً أوهام صهيونية قديمة أسقطتها كلياً عملية “طوفان الأقصى” وتداعياتها، بعد أن كانت أُسقطت جزئياً في حروب ومواجهات سابقة، منذ معركة الكرامة في غور الأردن إلى حروب غزة المتتالية ما قبل الطوفان ، مروراً بحرب الإستنزاف التي خاضتها مصر إبتداءً من العام 1968، وحرب تشرين 1973 التي خاضها العرب إلى جانب كل من مصر وسوريا، والتي حققوا في بداياتها إنجازات عسكرية غير مسبوقة، كعبور قناة السويس وإجتياح خط بارليف، وتدميره في ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد، والتي أظهرت معدن الجندي المصري وبطولته، وغيرها من الإنجازات على الجبهة السورية – بغض النظر عن النتائج التي يُسأل عنها أهل السياسة – ، إلى إجتياح لبنان الأول والثاني، الذي وصل إلى بيروت، والمقاومة العنيفة الذي واجهته في ظل الخلل في موازين القوى العسكرية، مروراً بالمقاومة الوطنية اللبنانية، ومن بعدها الإسلامية، التي أدت إلى التحرير عام 2000، وصولاً إلى حرب 2006 والصمود الأسطوري الذي منع العدو الصهيوني من السيطرة على الأرض، رغم التدمير الذي قام به بفعل التفوق الجوي.
أولى هذه ” الأوهام ” الصهيونية كانت كذبة أن “جيش الدفاع الإسرائيلي” – لاحظ التسمية الخبيثة – هو ” الجيش الذي لا يُقهر ” بما تعنيه هذه الكذبة، من إحتقار وتنمر على العرب كأمة، والنظرة الدونية التي ينظرون بها إلى الإنسان العربي خاصة، وأن هذه التسمية إكتسبها بعد هزيمة 5 حزيران 1967، عندما هَزَم في ستة أيام فقط ثلاث دول عربية وإحتل جزء من أراضيها، هذا الجيش الذي فضحته اليوم عملية “طوفان الأقصى” وجردته من هذه السمعة، فأظهرته مظهر “الجيش” العادي كغيره من الجيوش، وربما أقل كفاءة وحرفية ، ليحل محلها سمعته ك “جيش” مجرم يتفنن في صنوف تعذيب وقتل المدنيين على طريقة العصابات الإجرامية المسلحة، في عودة منه إلى الأصول والجذور، ما جعل من قادته عسكريين وسياسيين يلاحقون بتهم إرتكاب جرائم ضد الإنسانية، من قِبَل محكمة الجنايات الدولية، كما من محكمة العدل الدولية، وجَعَلهم في محاولتهم للدفاع عن أنفسهم وجيشهم يهربون إلى الأمام، في محاولة تسويق كذبة ووهم جديدين، بإعتبار هذا الجيش “الأكثر أخلاقية في العالم”.

أولى هذه ” الأوهام ” الصهيونية كانت كذبة أن “جيش الدفاع الإسرائيلي” – لاحظ التسمية الخبيثة – هو ” الجيش الذي لا يُقهر


ثاني هذه الأوهام، ما كان يعتقد به الصهاينة، وعلى رأسهم مؤسس كيانهم و”كبيرهم” ديفيد بن غوريون، الذي كان يأمل بل يؤكد عندما سئل عن الفلسطينيين، بأن “الكبار سيموتون والصغار سينسون” فكانت النتيجة ما نراه اليوم بعد 76 عاماً من النكبة، بأن الكبار لم “يموتوا” بل هم أحياء في الصغار الذين لم ينسوا، فجيل النكبة أنجب جيل الثورة التي إنطلقت عام 1965 ط، وجيل النكسة أنجب مقاتلي بيروت عام 1982، وجيل بيروت تلاه جيل “إنتفاضة الحجارة” الذي أنجب جيل “إنتفاضة الأقصى”، الذي أنجب بدوره جيل “طوفان الأقصى”، وجيل هذا الطوفان بما كابده ويكابده اليوم، سينجب جيلاً قد يكون “أشرس” قتالاً وأشد مراساً وهكذا، فوهم الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني “الميت” قد سقط، وحل محله صورة الفلسطيني المقاتل الشجاع .

المقاومة ليست إنتحاراً جماعياً بل هي فعل نبيل يهدف إلى الوصول إلى حياة حرة كريمة


وكما قلنا في المقالة السابقة بأن الهدف منها، لم يكن نشر الإنهزامية، بل أخذ العِبَر وإعادة صياغة تفكيرنا تماشياً مع الحقائق الجديدة، نقول اليوم بأن هذا الكلام ليس المقصود منه، التقليل من خطورة وشراسة هذا العدو وقوة ردعه، ولا التضليل الذي يعتمده البعض لغايات سياسية أو إيديولوجية، ولسنا من أنصار نظرية ” طأوهن من بيت العنكبوت”، بل نقول هذا الكلام تكملة لكلامنا السابق ولنفس الهدف، وهو التفكير المنطقي والعقلاني دون إفراط في إدعاء القوة ولا تفريط بمكامن القوة لدينا، مع فهمنا العميق لضرورات التعبئة، بل بترشيدها عبر الشفافية في الطرح والصدقية في المقاربات، فثمة خيط رفيع ما بين التأهيل والتضليل، علينا أن لا نجتازه كي لا نقع في المحظور، فنحن أمام عدو شرس وخبيث ومجرم، لديه من القوة والدعم الأميركي اللامحدود أكثر مما لدينا، لذلك فالتعامل معه يحتاج بالإضافة إلى الشجاعة والإقدام إلى الحكمة، فالمقاومة ليست إنتحاراً جماعياً، بل هي فعل نبيل يهدف إلى الوصول إلى حياة حرة كريمة، التي بلا شك لها من الكلفة أثماناً غالية وأليمة، تجعل من التهاون فيها والتلاعب بها في سوق السياسة والإيديولوجيا، من المحرمات سواء وطنياً أم أخلاقياً وإنسانياً، فالحرية وحدها على أرض حرة، هي فقط من يستحق هذه الأثمان الباهظة، ولا شيء غير حرية الإنسان والأرض، هذا الثنائي الذي يتكامل فيشكل الوطن، وما عدا ذلك، وهم وكذب وتضليل.

السابق
نتنياهو في مأزق.. المعارضة الإسرائيلية تطالب بإسقاط حكومته بعد الاستقالات!
التالي
«عجقة» مبادرات رئاسية بلا إنتخاب..ونتانياهو ماض في حربه رغم تضعضع حكومته!