خاركيف في عين العاصفة الروسية!

معركة خاركيف

لاشك بأن الوضع في أوكرانيا صعب جدا، وهناك قتال شرس من الطرفين. حيث تسعى روسيا أولاً، إلى تشتيت القوات الأوكرانية وتحديدا في المنطقة الشمالية الجنوبية لمدينة خاركيف، وبدأت  روسيا بشن هجوم على أوكرانيا منذ آذار الماضي، إثر نجاح فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية الخامسة. واعتبر بأنه يخوض معركته بتفويض شعبي، وثانياً إلى استغلال تقاعس الغرب والولايات المتحدة الأميركية في إمداد أوكرانيا بالسلاح وساهمت بأن يلتقط أنفاسه ويعيد ترتيب جيشه بعد أن كان قد بدأ يفقد زمام المبادرة. اليوم بدأ هذا الجيش يستعيد زمام المبادرة، من خلال الهجمات التي يقوم بها، وأولها سقوط أفديفيكا وصولا إلى القرى الصغيرة،  وهي ما بين 8 الى 10 كلم شمال أوكرانيا، من ناحية شمال مدينة خاركيف. الجنوب  الشمالي  لأوكرانيا يتعرض من جديد لنكسة، نتيجة التقاعس الأوروبي والخذلان الأميركي.  مما ساهم بفرار أكثر من  10آلاف شخص  ومغادرة قراهم من منازلهم في منطقة خاركيف في شمال شرق أوكرانيا، والتي باتت مجددًا تحت قبضة الروس، منذ  ان بدأت روسيا هجوما بريا مباغتا قبل أكثر من أسبوعين، في حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن جيشها يواصل التقدم في شمال شرق أوكرانيا، وأنه سيطر على 12 قرية في منطقة خاركيف خلال أسبوع. فما هو السيناريو المتوقع لهذه الحرب المستمرة منذ سنتين، وما هي خطط روسيا المخفية ،الكامنة وراء هذا الهجوم السريع في مناطق خاركيف؟  فهذا الهجوم  سمح لبوتين بتنفيذ ثلاث نقاط، الأول باتجاه خاركيف، علمًا أنه لا يستطيع السيطرة عليها، لأنها تتطلب أكثر من خمسين ألف عسكري  جهّزهم بوتين، لكنه يستطيع الضغط الميداني عليها، لما تعنيه هذه المدينة كونها ثاني أكبر مدن أوكرانيا.

أوكرانيا تنتظر وصول السلاح الأميركي بفارغ الصبر ولذلك ستمتد هذه المعركة من ثلاثة أسابيع وصولا إلى ثلاثة أشهر، وستكون صعبة

 بالمناسبة، خاركيف كانت عاصمة أوكرانيا وتم تغييرها في الحرب العالمية الثانية، لأنها سقطت سريعا أمام الألمان. لذلك لن تكرر خاركيف التجربة، خاصة وان سكانها الذين كانوا موالين لروسيا، وقاموا عام 2014، بتظاهرات تأييداً لحسن الجوار مع روسيا وليس الحرب. إنما في عام ،2022  كانت أكثر خسائر تلقاها الجيش الروسي في خاركيف الاوكرانية. والنقطة الثانية، تكمن في  إبعاد الهجمات التي تتعرض لها مدينتا “بيلغورود و بريانسك ” الحدوديتين من قبل القوات الأوكرانية، وتحديدًا الكتيبة التي تعتبر كتيبة روسية تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني. وفي هذا الإطار، بوتين يريد التوسع وإنشاء خط فاصل، اي منطقة عازلة يستطيع من خلالها استخدام المدفعية الفعالة،  في مواجهة خاركيف وليس بالصواريخ . وهذا يوفر لروسيا قدرات عالية جدًا في عملية المواجهة.

أما النقطة الثالثة والأهم، فانه يريد التشدد في الشمال الشرقي لأوكرانيا، كي تسحب القوات الأوكرانية جزء منها من  الشمال الجنوبي، وتحديدًا في منطقة دونيتسك لأن خطة بوتين التوجه إلى دونيتسك ولوغانسك، لأنه يريد أن يستغل هذه الفترة  للسيطرة عليهما بالكامل،  ويكسب الوقت  بسبب ضعف الإمدادات الغربية لأوكرانيا،  رغم ذلك استطاع الجيش الأوكراني تكبيد الروس خسائر كبيرة، وتجميد الهجمات والمحافظة على خطوط الدفاع، والأهم، أنه استهدف مناطق في جزيرة القرم، بالطائرات المسيرة خلف خطوط الروس.

بوتين يتشدد في الشمال الشرقي لأوكرانيا كي تسحب القوات الأوكرانية جزء منها من  الشمال الجنوبي وتحديدًا في منطقة دونيتسك لأن خطة بوتين التوجه إلى دونيتسك ولوغانسك

إذن، أوكرانيا تنتظر وصول السلاح الأميركي بفارغ الصبر، ولذلك ستمتد هذه المعركة من ثلاثة أسابيع وصولا إلى ثلاثة أشهر، وستكون صعبة، لكن أوكرانيا ستصمد وتدافع وسيكون التراجع بطيئًا، والاهم ان السلاح سيصل في المقابل، وسيعمد بوتين على احتلال مناطق إضافية، من اجل محاولة التفاوض.

إقرأ ايضاً: بعقلين و بعذران ودار النهار يحتفون بمظفر النواب وعبد الحسين شعبان ورحلة البنفسج

لقد حاول في الشتاء المنصرم، انتزاع منطقة أوديسا لكنها صمدت، واليوم تتعرض مدينة خاركيف لهذه الأعمال لكنها ستصمد أيضاً، معتبراً بأن سقوط اوديسا او خاركيف، سيسمح له بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، على نقطة مهمة جدا، وهي ان يبقى الوضع كما هو عليه في المحافظات الخمس، التي أعلنها في الدستور، كونها أجزاء من روسيا، وسيتم التفاوض على الانسحاب من الخطوط الجديدة، في  كل من خاركيف اوميكولايف اواديسا، الذي يظن أنه يستطيع السيطرة عليها.

 وبحسب سير  المعارك،  يرى المتابعون بانه لن يستطيع تأمين جيش كامل لاحتلال خاركيف، بل يسعى إلى إلهاء الاوكران في خاركيف، لتحقيق نجاحات في مناطق الجنوب، اي دونيتسك ولوغانسك اللتين ما زالتا جيوبًا، لم يستطع الوصول إليها، ويعزز نشاطه بتشكيلة جديدة في الاستراتيجية الروسية، في التعامل مع الحرب التي تبلورت في إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو، وتعيين أندريه بيلوسوف خلفًا له، والذي يُعتبر من المشرفين على التصنيع الحربي. ما يعني ان بوتين عازم على إعادة التجهيز العسكري، ظنًا منه بأن الحرب التي سيقودها، ستكون لوجيستية تكتيكية، عبر صناعات جديدة ومتطورة بالسلاح والطائرات. وفي الوقت عينه، لقد عين شويغو سكرتيرًا للأمن القومي.

أي أنه أبقى على فاليري غيراسيموف ‏في هيئة الأركان، كي لا يقال انه حقق مطالب يفغيني بريغوجين، حتى في قبره. ولسكرتير الأمن القومي رتبة أعلى من قيادة الجيش. وبالتالي يكون قد تخلى عن حليفه وصديقه نيكولاي  باتروشيف، الذي كان يشغل هذا المنصب.

باتروشيف دفع ثمن الحرب في أوكرانيا نتيجة التقارير الخاطئة التي قُدمت لبوتين  عن احوال اوكرانيا

، ويقال أن باتروشيف دفع ثمن الحرب في أوكرانيا، نتيجة التقارير الخاطئة التي قُدمت لبوتين  عن احوال اوكرانيا،  لأنه الوحيد الذي كان مخولًا التقابل مع بوتينو، للمناقشة معه بطريقة ندية بعكس كل الوزراء”. فان “خاركيف تبقى نقطة مشتعلة لكن الاقتراب الروسي من احتلالها اصبح مستحيلًا، لأن الجيش الأوكراني جاهز للتصدي، ولم تكن زيارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي منذ أيام إلى خاركيف، التي تعرضت لأكثر من153 هجومًا روسيًا خلال الأسبوع الأول للهجوم، زيارة عادية وليس لرفع المعنويات،انما رسالة للغرب وللداخل بأن الرئيس الأوكراني، سوف يبقى صامدًا بغض النظر عن كل الهجمات، ولن يتخلى عن خاركيف، وسيعيد بناء استراتيجية جديدة واضحة، رغم الخسائر في الأرواح والنقص في المعدات، التي لا يزال الغرب غير جاهز لتأمينها، بالرغم من الاتفاقات المبرمة بينهم،  لكنهم أخلوا بوعدهم. والزيارة ايضًا رسالة للغرب، بأن لا معنى لأي تحالف دولي  أو للناتو، إذا سقطت أوكرانيا. وبالتالي ستكون المعارك اكثر حماوة وتصعيدًا، بانتظار ما يتم الاتفاق عليه في 19 حزيران المقبل في مؤتمر سويسرا للسلام في أوكرانيا.

بوتين عازم على إعادة التجهيز العسكري ظنًا منه بأن الحرب التي سيقودها ستكون لوجيستية تكتيكية عبر صناعات جديدة ومتطورة بالسلاح والطائرات

إذن، المساعدات العسكرية التي أعلنت واشنطن بأنها ستصل تدريجياً، ستؤمن لأوكرانيا أولًا الضرب في العمق الروسي، ما سينعكس سلبًا على موسكو، وثانيًا، تأمين حماية لأوكرانيا من الهجمات العشوائية التي تشنها روسيا، وتسمح لها بضرب أهداف بعيدة المدى، والتركيز على شبه جزيرة القرم، لأن المساعدات الغربية واللوجستية البريطانية، ستؤمن فعليا إخلاء الأسطول الحربي الروسي من شبه جزيرة القرم، وبالتالي على الغرب ان يعي ان صمود أوكرانيا، يعني استقلالية القرار الأوروبي المستقل عن روسيا والولايات المتحدة.

ومن هنا، لم يكن كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عاديا، عندما أعلن ان فرنسا ستضطر إلى إرسال قوات عسكرية،  إذا سقطت الخطوط الأمامية الأوكرانية، وسيحذو حذوهم البريطانيون، وأيضا كان تصريح الأستونيين ملفت  للانتباه،  بأنهم سيذهبون للدفاع عن اوكرانيا، وهذا ما أخاف الطبقة الروسية العسكرية والسياسية، المحيطة بقصر الكرملين، من دخول الحرب مرحلة الصراع مع الناتو ، لذلك أطلقوا مواقف سريعة، بمعنى أنهم سيستخدمون النووي،  فهذا من أجل الضغط على ماكرون لسحب كلامه. لكن ماكرون كان واضحًا عندما قال، “إننا لن نخوض حربًا ضد الشعب الروسي، ولا ضد روسيا نفسها،  وإنما نريد أن ندافع عن أوكرانيا، ولن نسمح بالسقوط لأوكرانيا والسيطرة الروسية كي لا تصبح ابوابنا مشرعة لبوتين”.

بوتين
بوتين
السابق
بعقلين و بعذران ودار النهار يحتفون بمظفر النواب وعبد الحسين شعبان ورحلة البنفسج
التالي
شهيدان في استهداف درون مفخخة لدراجة نارية في عيتا الشعب..و«حزب الله» ينعى عنصراً جديداً!