رواية «وادي هنوم» لــ علي سبيتي: قصة شيخ جنوبي جاهد حتى كفرَ بدينه!

وادي هنوم

وادي هنوم هي رواية صادرة عن دار سائر المشرق كتبها الزميل علي سبيتي، ليس بصفته الصحفية، انما بصفته الثقافية التي خبرناها به جيدا، كأديب وشاعر صاحب قلم مرهف حساس، أراد ان يقص علينا قصة شيخ لبناني جنوبي من جيل الحرب الاهلية اللبنانية وهي الفترة التي عايشناها نحن اصحاب العقد السادس من العمر،وهي تختصر واقع رجال الدين الشيعة الجنوبيين في زمن ما بعد الثورة الاسلامية في ايران، وما جرى بحيواتهم وبيئاتهم من تحولات مصيرية حولتهم من مبلغين دينييين تقليديين الى اصحاب مهمة سياسية تنظيمية حزبية هدفها اعادة اسلمة الشيعة وتعبئتهم في هذه البقعة الجغرافية وفق عقيدة جديدة قائمة على شكل جديد للدين، اساسه ولاية الفقيه واول فروضه طاعة قائد الأمة الاسلامية في ايران والالتزام بتعاليمه عبر وكيل له في لبنان قائد محلي هو زعيم الحزب، لأن ولي الفقيه وفق ما جرى تعديله على العقيدة الشيعية هو نائب الامام المهدي (المخلص) الذي يأتي في اخر الزمان ليملأ الارض عدلا، وبالتالي فان طاعة نائبه المرشد في ايران هي واجبة على الشيعة الجدد او (شيعة الولاية) كما يحبون ان يوصفوا..

يعرض الروائي سبيتي في “وادي هنوم” لما أسفر عنه تأثير العقيدة الدينية الجديدة وغيّرته في البيئة الشيعية في جنوب لبنان من نقاء ديني صافٍ كان يعتنقه الناس بعفوية، الى مذهب تشوبه المصالح الحزبية والأحقاد والفرقة

يبقى ان سبيتي في روايته قد اعاد فتح باب الجدل على مصراعيه من ناحية المبنى الفني للاعمال الادبية، بنهجه اسلوب “الفن للفن” بما يصعب على القارىء المتوسط الثقافة ان يقرأ الجمل والعبارات المشبعة بحشد من الصور والاستعارات الغزيرة بما يشعرنا ان شخصية الشاعر لدى سبيتي قد تغلّبت على شخصيّة الروائي فيه من ناحية غلبة التراكيب والرموز، وحتى في سرده لبعض الاحداث المرفقة بأسماء لشخصيات معلومة في زمن الحرب الاهلية، هي مجهولة اليوم لدى جيل ما بعد الحرب بشكل كامل، واضعا الرواية في حيّز تاريخي محدّد لا يمكن سوى لقارىء عاش ووعى فترة الربع الاخير من القرن العشرين الماضي، ان يفهم ويستمتع بقراءة الرواية التي ظهرت انها نسيج نفسها، تنتقي قارئها اللبناني الجنوبي المثقف الفاهم عصره حصرا، حاجبا بأسلوبه النخبوي المتطرف في الكتابة باقي جمهوره من الاطلاع عليها ومانعا بذلك عامة هواة المطالعة من بقراءتها.

مطلع الرواية أشبه بغيبوبة تظهر على شكل هلوسات ورموز وحتى ألفاظ وحشية غريبة يصدرها بطل قصتنا “الشيخ لوط” لنكتشف أنه عالم البرزخ ما بعد الموت.

اقرأ أيضاً: توقيع كتاب «قصاصات العلامة السيد».. قانصو في ندوة «مراجع الشيعة»: جيل النجف الجديد يتمتع بتكوين ثقافي أكثر حيوية

يروي قصته كيف تحوّل من شاب طيب متديّن خجول إلى شيخ مبلّغ يهتم بأمور دين رعيته، ثم إلى مجاهد حزبي قبل أن يكتشف ظلمة السجن العقائدي الذي وقع فيه، وعندما قرّر الخروج من هذا السجن الاعتباري، زجّه مسؤولوه في سجن حقيقي عقابا وانتقاما منه بسبب عصيانه، فاكتشف اثناء سجنه زيف كل شيء حوله، معتقدا ان كل ما رآه وما سمعه لم يكن سوى نفاق يلبس لبوس الدين هدفه المال والسلطة، لذلك وعندما خرج من سجنه، خاض مع زملائه المنافقين الجدد في كل المحرمات، وكفر بكل شيء حتى بدينه، وأصبح همه جني الأموال عبر الاحتيال على العامة البسطاء.

يروي قصته كيف تحوّل من شاب طيب متديّن خجول إلى شيخ مبلّغ يهتم بأمور دين رعيته، ثم إلى مجاهد حزبي قبل أن يكتشف ظلمة السجن العقائدي الذي وقع فيه

لن نروي كل ما ورد في رواية “وادي هنوم” للزميل الصحافي الشاعر علي سبيتي، وهو الذي أمتعنا في الفصول الأخيرة من روايته بأشعار وجدانية رقيقة كانت فاكهة ما تناولنا على مائدة واديه، ومقدماً لنا تحلية في نهايتها عندما يقول عن لسان بطل قصته الذي أصبح كائناً شفافاً صادقا في الصفحات الأخيرة من الرواية:

“أنا نفسي لا أعرف نفسي فلا أنا مسيحي ولا أنا يهودي ولا أنا مجوسي ولا أنا مسلم، ولا أنا شرقي، ولا أنا غربي، وفي بحر العشق ذبت كالملح، لم يبق كفر ولا إيمان، ولا شك ولا يقين، ويشعّ في قلبي كوكب تختبئ فيه السبع السماوات، وبت أكثر قرباً والتصاقاً بالمغزي، ووجدت المسيح في ماركس أكثر مما هو في بطرس من خلال قوله: “لأن يدخل الجمل في سمّ الإبرة أيسر من أن يدخل الغني ملكوت السماوات”.

(مجلة شؤون جنوبية – العدد 191)

السابق
الكتل الهوائية الحارة تنحسر.. والأمطار عائدة
التالي
صوت المدفع يرتفع في الجنوب وغزة..و«إشغال» سياسي بملفات سجالية داخلياً!