في ذكراه الثالثة.. العلامة الأمين مدرسة في الفقه والأدب والوطنية

السيد محمد حسن الامين

تحلّ الذكرى الثالثة لوفاة العلامة المفكر السيد محمد حسن الأمين، والغمّة المسيطرة على البلاد تزداد ظلمةً وكتامةً،افتقدنا قبلها وبعدها أعلاماً ومفكرين أصحاب رؤى، أسهموا في حياتهم وعلى امتداد عقود مضت في تصويب البوصلة السياسية في إدارة البلاد، كلما أصابها الانحراف، أذكر منهم دولة الرئيس حسين الحسيني رحمه الله. وبينهم من أغنى الحياة الاجتماعية والفكرية والأدبية، وأبدع في تحديث النظرة للدين كرسالة قيمية وللوطنية، كالتزام بدولة القانون والمؤسسات ،في طليعتهم سماحة السيد محمد حسن الأمين، وسماحة السيد هاني فحص ورفيقهما صديقي كريم مروة طيب الله ذكرهم.
كم نفتقد هذه القامات في حياتنا السياسية والاجتماعية، في هذا الزمن الذي تتحلل فيها مؤسسات الدولة، ويعلو فيها صوت الرصاص والمدفع على صوت العقل، وتسود في البلاد شريعة الغاب، وأصبحت فبها سياسة الإفلات من العقاب، قاعدة قي المحاسبة والمحاكمة.

كم نفتقد هذه القامات في حياتنا السياسية والاجتماعية في هذا الزمن الذي تتحلل فيها مؤسسات الدولة


تعود معرفتي بالراحل السيد محمد حسن الأمين للعام ١٩٧٤، حين استمعت إليه محاضراً في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، في ندوة كانت تحت عنوان ” الدين والعلمانية”،وشارك فيها على ما أذكر أيضاً، المطران جورج خضر والشيخ صبحي الصالح، والمفكر الشيوعي حسين مروة صاحب كتاب: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية.
ما زلت أذكر أنه استوقفنا في حديثه، وهو عالم دين قوله؛ السلطة هي شأن بشري وليست شأناً روحياً إلهياً. ثم قرأت له لاحقاً وبعد سنوات رأياً بولي يقول بجرأة ودون تردد: “أنا لست مع ولاية الفقيه إطلاقاً. أعتقد أنّها دعوة إلى السلطة الدينية، وأنا ضدّ السلطة الدينية” مضيفاً ما كنت قد سمعته منه عام ١٩٧٤ “السلطة شأن بشري وليست شأناً روحيّاً إلهيّاً”.
وما تجدر الإشارة إليه، في فكر السيد محمد حسن الأمين هو ما قرأته في كتابه
(قضايا إسلامية معاصرة)، حبث يعبّر فيه عن كل ما كان يقتنع به بإسم الدين ، وحيث أن حرية الإنسان تأخذ بعداً قدسيا في فكره. يقول السيد في هذا المجال تحت عنوان: “الإنسان والدين: أيهما وجد من أجل الآخر؟ ويجيب:
«بموجب الأديان السماوية جميعاً، الإنسان هو من أكرم مخلوقات الله تعالى… وبموجب هذه الأديان نفسها وُجد الإنسان من أجل مهمة بالغة الخطورة والسمو، هي ممارسة خلافة الله تعالى على الأرض”.
وكان يرى أن كرامة الكائن البشري هي نتيجة لمسؤولية هذا الكائن، بكونه كائناً حراً مختاراً… ويستدل إلى ذلك بالآية القرآنية: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجِبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً” (الأحزاب: 72).

كان يرى أن كرامة الكائن البشري هي نتيجة لمسؤولية هذا الكائن بكونه كائناً حراً مختاراً


زرته مراراً في منزله برفقة الصديق الراحل كريم مروة، وإلى جانب مداولاتنا بالأمور السياسية المستجدة ، كنا نتطرق إلى العديد من القضايا النظرية في الدين والفكر الإنساني، ونستمع في كل مرة نلتقيه باستمتاع لما يقرأه علينا من شعره وهو الأديب البليغ.
السيد محمد حسن الأمين، نفتقده اليوم في زمن القحط الفكري، نفتقده مفكراً مبدعاً وفقيهاً ناصحاً، وهو أحوج ما يحتاجه مجتمعنا في هذا الزمن الرديئ الذي يحكمنا فيه الجهلة والمفسدين، ومنهم من يتغطى بالدين ويشوه أبعاده الرسالية.
سماحة سيدنا غبت عنا جسداً لكنك ما زلت حاضراً في وعينا وذاكرتنا، وعبر مؤلفاتك نستلهم منها ما يعننا على مجابهة التحديات. لروحك الرحمة والمغفرة ولذكرك المجد والخلود.

السابق
«أصابع الفتنة» تتحرك بين «الممانعة» وخصومها..وإسرائيل تكثف إغتيالاتها ضد «حماس» و«حزب الله»!
التالي
بالفيديو: اسرائيل تعلن بدء عملية عسكرية مباغتة وسط غزة