إيران.. هل «تَرد» أو «تَصد»؟!

علي الامين
يبدو ان إسرائيل "نجحت" هذه المرة، في حشر إيران في "زاوية" الرد المباشر، على حرب الإطاحة بقادة عسكريين وأمنيين ونوويين من الصف الاول، عبر الإغتيال "الصاروخي"، بعد تهرب وإلتفاف تاريخيين تحت "شعار الرد في الزمان والمكان المناسبين"، اتاحته سابقاً ظروف الحرب الباردة بين طهران وواشنطن، والتي تمنعه اليوم أيضاُ التفاهمات معها، فضلاً عن تجنب إيران الحرب الشاملة، التي لا تريدها أو تقوى عليها، في ظل تخوف من إستبدالها ب"حروب صغيرة" عبر أذرعتها، في الأردن، بعد سوريا ولبنان.

بعد “المقتلة” التي وقعت في القنصلية الايرانية في دمشق، وسقوط نخبة من ضباط “فيلق القدس” بتخطيط وتنفيذ اسرائيلي، السؤال المطروح كيف واين سترد إيران، وما هي الاهداف المحتملة لهذا الرد؟

عزز من الاحراج الايراني هذه المرة هو ان العملية تمت على ما يعتبر ارضاً ايرانية


بداية، مرّت عدة ايام من دون رد عسكري إيراني، وصدرت مواقف من قبل المسؤولين الايرانيين الكبار وعلى رأسهم المرشد تؤكد ان هذا الاغتيال لن يمر دون ردّ، وعزز من الاحراج الايراني هذه المرة، هو ان العملية تمت على ما يعتبر ارضاً ايرانية، لكن ذلك ايضا كان مسبوقاً بعمليات اغتيال، طالت داخل ايران، علماء ومشرفين على الملف النووي الايراني، وعلى رأسهم عالم الذرة الايراني محسن فخري زادة، الذي تم اغتياله داخل ايران يوم 27 كانون الأول 2020، وشكل ضربة قوية للجمهورية الاسلامية كونه كان “الأكثر إطلاعاً على البرنامج النووي الإيراني”. فضلا عن عشرات عمليات القتل والاغتيال، التي طالت علماء وضباط في “الحرس الثوري”، ولكن دون لحظ اي رد من قبل ايران على اسرائيل.

لذا، هل سترد إيران اليوم على عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي ورفاقه، ام انها ستكتفي بالتنديد والتهديد؟

أولاً، يشير خبراء في الشأن الايراني، الى ان ايران هذه المرة، معنية بتنفيذ عملية رد ليس انتقاما، بقدر ما هي عملية ردع اسرائيل، التي تمادت في عملياتها، وعدم الرد سيشجع حكومة الحرب الاسرائيلية على التمادي، وتنفيذ عمليات قتل اخرى، ويلفتون، الى ان “لا معنى لعملية غامضة ضد اسرائيل، بل عملية تعلن فيها إيران بوضوح، انها تنفذ رداً مباشراً ومعلناً من قبلها.

ايران هذه المرة معنية بتنفيذ عملية رد ليس انتقاما بقدر ما هي عملية ردع اسرائيل التي تمادت في عملياتها

ثانيا، في مقابل مقولة الرد الواضح والحتمي، ثمة اعتقاد بأن ايران، التي تتمسك بتفاهمها مع واشنطن حيال عدم تمدد الحرب في الاقليم، وعدم توفير الفرص لبنيامين نتنياهو لفتح الجبهة الاقليمية، وبالتالي توريط واشنطن فيها، فان ايران تبدو في موقع حرج جدا، طالما انها لا تريد حرباً مباشرة مع اسرائيل، وطالما ان لا موقف روسي او صيني، يمكن ان يساند ايران في هذه الحرب، ولأن ايران لاتزال تراهن على صفقة مع واشنطن، فان قيامها برد مباشر، ويتناسب مع حجم العدوان الاسرائيلي عليها، يعزز من فرص نتنياهو للاندفاع نحو مواجهة مباشرة، لا تريد ايران خوضها ولا تتمناها.

ثالثا، اظهرت الوقائع داخل ايران، بعد “مقتلة” سوريا الأخيرة، ان فصائل عدة معارضة، بدأت في تنفيذ عمليات عسكرية داخل ايران، سواء من قبل جيش العدل، الذي اعلن عن تنفيذ عدة عمليات في المدن الايرانية، ادت الى مقتل العشرات، او المناوشات التي جرت أول من امس مع حركة طالبان على حدود افغانستان، والحديث عن اسر جندي ايراني، كل ذلك يدرجه بعض المتابعين، في سياق رسائل تحذير لايران، من امكانية اشغال النظام بمواجهات، على اكثر من محور داخلي وعبر حدودها.

فصائل عدة معارضة بدأت في تنفيذ عمليات عسكرية داخل ايران، سواء من قبل جيش العدل او المناوشات التي جرت أول من امس مع حركة طالبان

رابعا، يبقى ان الأذرع الايرانية، او فصائل محور الممانعة الذي تقوده ايران، قد تُلقى على كاهلها تنفيذ عملية الرد الايراني، وهو امر متاح وممكن لكنه لا يرمم الصورة الايرانية، التي هشمتها الضربات الاسرائيلية، علما ان ذلك ايضا، قد يستدرج حربا اقليمية لا تريدها طهران، وذلك ما يجعل عملية الرد جد صعبة، الا اذا نجحت ايران في اقناع واشنطن بتوجيه ضربة، غايتها اشباع رغبة الانتقام لدى جمهور الممانعة ليس اكثر، وهذا امر دونه اعتبارات وصعوبات شتى.

الأذرع الايرانية او فصائل محور الممانعة الذي تقوده ايران قد تُلقى على كاهلها تنفيذ عملية الرد الايراني

يبقى ان الخيار المتاح امام ايران، هو التفكير من “خارج الصندوق”، كما هو حاصل اليوم، اي نقل المواجهة الى مكان آخر، والأردن على رأس اللائحة، واللعب بالتوازنات الاردنية، يلبي مطلب توجيه الاهتمام من غزة ولبنان وسوريا الى الاردن، وافتعال ازمة بين النظام وبعض التيارات في الاردن، سواء الاخوان المسلمين، او ازمة بين فلسطينيين واردنيين.
لكن خطورة ذلك، تكمن في ان العبث بالامن الاردني، يلبي مطلبا اسرائيليا بتفجير صراع داخلي اردني، يخفف من الاحتقان العربي تجاه الجرائم الاسرائيلية، ويفتح الباب، على اعادة طرح فكرة الوطن البديل للفلسطينيين في الاردن، كما يشيح الاهتمام المركز على الجرائم الاسرائيلية وينقلها الى مكان آخر، وقد يدغدغ هذا التوجه احلام حركة حماس والاخوان المسلمين عموما، بايجاد قاعدة بديلة عن غزة التي دخلت في نفق يصعب التكهن بنهاياته.

الأخطر في كل ذلك ان يكون العبث في الامن الاردني مخرجا للممانعة واسرائيل تباركه واشنطن او لا تعترض عليه.


ولا شك، ان تحريك ايران بعض فصائلها في العراق، بالتوجه الى الحدود الاردنية لا السورية، من اجل الانتقال لتحرير فلسطين، ما هو الا مؤشر على ان ايران تعلن توبتها مجددا من “طوفان الاقصى”، والتأكيد على انها لا تزال في الملعب العربي، ولا تريد المواجهة مع اسرائيل. والأخطر في كل ذلك، ان يكون العبث في الامن الاردني مخرجا للممانعة واسرائيل، تباركه واشنطن، او لا تعترض عليه.
الرد الايراني على اسرائيل كما في معظم الاحيان، سيكون في الحلقة الأضعف، والتي تبدو منذ عقود في الدوائر العربية لا الاسرائيلية.

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 5 نيسان 2024
التالي
ارتفاع في أسعار المحروقات