إنفجار المرفأ “المدبّر” في بيروت،الذي دمر نصف المدينة، وعطب الحياة والبشر في العاصمة، ما زالت ترددات صداه تتمدد في المكان الجغرافي، وتصل الى عميق النفس البشرية، ويصدح وهج الخراب الذي حلّ بالبلاد والعباد،في مدار الفنون،على تنوعها،ويشهد الفن التشكيلي والتعبيري والتجريدي والانطباعي، وسواها من تلاوين الغضب، على هذه المأساة التي حلّت، بفعل فاعل مجهول معلوم.
من هذه التلاوين التعبيرية، يطل معرض الفنان بسام جعيتاني (حتى 5 نيسان/ أبريل، غاليري جانين ربيز) وعنوانه “ما يخفق في عمق الفوضى”.
أسئلة كبيرة وكثيرة يطرحها الفنان في أعماله المتنوعة، بلوحات بيضاء خالية وفارغة، وكذلك لوحات مؤلمة صامتة وموجعة وتبدو كسيحة عرجاء حدباء، تأخذ متابعها الى ذروة المأساة، فظائع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
أسئلة كبيرة وكثيرة يطرحها الفنان في أعماله المتنوعة بلوحات بيضاء خالية وفارغة وكذلك لوحات مؤلمة صامتة وموجعة وتبدو كسيحة عرجاء حدباء
أهوال الانفجار تتراءى في لوحاته، حتى من لم يعرف المدينة وما أصابها من ويلات الانفجار، يمكنه تتبع تلك الكارثة، وحفظها عن ظهر قلب، لما في اللوحات من وجد وتواجد وظهور وأحاسيس وإنفعالات ترتفع كغيمة عنكبوتية.
مركزية المعرض استند فيها جعيتاني، الى بناء وتعمير وهندسة شكلانية للصدى الحلزوني بتتابع حلقات (عُزلة) متدفقة توحي “بغيمة نووية” ، وإشارات وايحاء ترسم مشهد تطاير شظايا الزجاج وتراكم الدمار معطوفاً بالردم والخراب داخل الاطار الأعزل ببياضه، مسبوقاً بعميق تفسيراته المفتوحة على التنوعات النفسية والحيرة العملاقة.
إقرأ ايضاً: ظريف يتراجع عن مضمون تسجيل «جامعي» مُسرّب يكشف هزالة التمثيل الانتخابي لخامنئي!
يشرح ويقول الفنان بسام جعيتاني في “بروشير” معرضه: “سعيتُ من خلال اعمالي ان اوقظ الوعي العميق لدى المشاهد للقضايا المصيرية التي تميز عصرنا. الانفجار الذي هزّ قلب بيروت، يتجسّد في قلب هذا المعرض، من خلال تجهيز جداري يتمثل في هيكل معدني اخضر يتضمن كتابة تعكس مدى الدمار الذي تعرّضت له بيروت نتيجة هذا الانفجار المأساوي. تتداخل الشظايا المعدنية من حواجز الشرفات وأنقاض الخرسانة مع قطع من الثياب، ما يخلق تكويناً مادياً وعاطفياً في آن واحد. جزء آخر في المعرض، كناية عن سلسلة من لوحات بيضاء تمثل لقطات مربكة شهدتها تلك الكارثة، تعكس التأثيرات النفسية والعاطفية العميقة التي تنجم عنها. تتلون هذه اللوحات البيضاء النقية بالخدوش والجروح، وكأنّها صفحة بيضاء تحمل ندوب التاريخ. وهي تدعو المشاهد الى التفكير في الهوية الثقافية المتلاشية للمدينة وضرورة إعادة بنائها والحفاظ عليها، لتمكين الشفاء الكامل داخل المجتمع المتأثر بها.
هذا المعرض هو رمز بصري للفوضى والدمار، اللذين ضربا بيروت. يذكّرنا بأنّ الانفجار ترك آثاراً لا يمكن محوها في حياة المتضررين، وفي نفس الوقت يترك أثراً مماثلاً في فهمنا الجماعي للحدث، من خلال استخدام عناصر الانفجار المأساوي لبيروت وخلق هذه اللوحات البيضاء التي تجسّد مفاهيم النقاء والبراءة، ولكنها تعني أيضاً غياب الوضوح والحقيقة”.