
من يذكر الفنانة الراقصة اللبنانية داني بسترس التي رفضت البقاء (وحيدةً!) بين ضجيج الحياة وناسها، فانتحرت في عزّ سحرها الفني وجمالها الكريستالي، قبل 25سنة خلت.
داني بسترس فنانة من الأصل الكريستالي،اذا لمعت بحضورها تضيء عالمها بنور الدهشة ولغة الجسد وصوتها (الغرّيد تراجيدياً).واذا ما مسها جرح بسيط انهارت وتكسرت مرايا روحها.
رقصت داني حتى الموت. رسمت إطاراً لنومها الأبدي، اختارت للحزن مسرحاً، فرقصت من الألم حتى تضرجت بدمائها وبقي منديلها يلوح فوق ذاكرة من عرفها إنسانة الحياة، وفنانة زمانها وراقصة الألم البهيج.
كانت وصيتها حمراء بلون الحب المستحيل، تركت خلفها بركة دماء ومسدس صغير قربها خطت بهما نهايتها الصاخبة.
السيدة الجميلة داني بسترس، ابنة العائلة الارستقراطية الثرية التي لا تحتاج شيئاً، ودعت العالم في 27 ديسمبر عام 1998 بطلقة في الرأس ورحلت وهي التي كانت تحتاج كل شيء. كانت تحتاج الحب والأمان والسلام. عبرت عن ذلك مراراً، لكن لا الأهل ولا الأصدقاء ولا الأحباء، استطاعوا قراءة حاجتها وعوزها للعاطفة والحب والسلام الانساني.
داني الراقصة المحترفة، سيدة العاطفة والوجدان والحب والعطاء. رقصت على مسرح عمرها وأعمارنا، فأخذت نفسها بيدها وأخذتنا معها الى الهذيان اللذيذ والجنون المقدّس. روت بجسدها الحر الطليق الفهيم الشجي، وعقلها الطيب الرزين الرصين الرهيب، داخلها الفسيح ودواخلنا الضيقة، والتي اتسعت بفضل أنغام جسدها وطنين صوتها ولكنتها الغنائية الرومانسية.
فقدت ابنها بعدما غرق عام 1994 ، ولم يكن موته الخسارة الأولى للسيدة العالية ولا أول مأساتها ، بل كانت الصرخة القاضية التي دمرت الهيكل، وتفرّق العبد والمعبود والمعبد.
عبرت عن وجعها وأسفها وخذلانها ويأسها وتعبها، كان الفن ملاذها للتعبير ، لكن الموت-الانتحار كان ملاذها الأصدق في التعبير.
ربما من حسن حظي أنني تعرّفت على داني، وكان عرّفني عليها الفنان والمصور ورسام الكاريكاتور الراحل الصديق ستافرو جبرا، ومن بعدها التقيت بداني مرات عديدة، وحاورتها في الصحافة كثيرا، واستضفتها في حلقات في اذاعة لبنان، في برنامجي “المقهى الثقافي”.
كانت تقول، وبحسرة،”لا أحد يفهمني،لا أحد استطاع أن يبادلني عطاءاتي”، وطبعا ، لا أحد استطاع أن يبادلها الحب. فعاشت وحيدة،رغم صخب حضورها الفني.
قالت داني في احدى لقاءتها أنها كانت ترقص كالطير مذبوحة من الألم وكانت تصد الحزن والكآبة بالرقص.
ربع قرن على غياب أجمل النساء. نشتاق اليها، ونستعين بالذاكرة للقياها.