أفكار «قديمة» لعصر جديد: استراتيجية الصين لإصلاح النظام الدولي

الصين واميركا

نَشَرَت الحكومة الصينية، يوم 26 سبتمبر 2023، كتاباً أبيض يحمل عنوان «مجتمع دولي ذو مستقبل مشترك: مقترحات الصين وإجراءاتها». وتحتوي الوثيقة المطوّلة على قائمة طويلة من التصريحات التي تُعبِّر عن مخاوف الصين فيما يتعلق بتزايد وتيرة عدم استقرار النظام الدولي؛ وكذلك كيفية تطوير نظام الحوكمة الدولية بهدف الحفاظ على السلام ومعالجة التحديات العابرة للحدود؛ وما ساهمت به الصين، حتى الآن، من أجل الانتقال إلى عالم أفضل وفقاً للتفكير الصيني. وترتكز الوثيقة في مضمونها على ضرورة تحول النظام الدولي ليصبح أكثر شمولية واحتراماً للأنظمة السياسية المتعددة والتطلعات التنموية والاقتصادية لكل دولة، وهو مطلب يكشف في الأساس عن تحدي الصين للقيم العالمية الغربية.

اقرأ أيضاً: أعداء أميركا يتضاعفون يوما بعد يوم

وبينما لم تلقَ الوثيقة أصداءً في الأوساط الغربية كما لم تُثِر أي معارضة صريحة، ينظر بعض المتشككين إلى المفاهيم الأساسية في الوثيقة باعتبارها محاولة لفرض هيمنة الصين على النظام الدولي. إلا أن أي تقييم واقعي يجب أن يأخذ في الاعتبار أنَّه من غير المرجح أن يحقق الكتاب الأبيض أي مكاسب في المجتمعات الغربية، بالنظر إلى أن الصين تهدف بشكل رئيس، من خلال الوثيقة، إلى مخاطبة دول الجنوب العالمي، بما يشمل دول الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الرؤية العالمية للكتاب الأبيض طويلة الأمد لدرجة يصعب معها التنبؤ بتداعياتها الملموسة، إلا أنها لا تمنح دول الخليج، إلى حد ما، الثقة الكاملة تجاه قدرة الصين على قيادة النظام الدولي.             

مفهوم قديم لا يخلو من الغموض  

لا تعد عبارة “مجتمع دولي ذو مصير مشترك”، التي تُعنون أحدث الوثائق الصينية، جديدة بالنسبة لمراقبي الصين والمتخصصين في العلاقات الدولية. لكنها، على العكس، تمثِّل أحدث تطور لمفهوم يُستخدَم في دوائر السياسة الصينية منذ نحو خمسة عشر عاماً. وعلى وجه الخصوص، استخدم هو جينتاو، الرئيس الصيني السابق، شعار “مجتمع ذو مصير مشترك” في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد عام 2007 بالإشارة إلى “المصير المشترك” الذي يربط بين الصين وتايوان، على الرغم من أن الجملة ذاتها منصوص عليها في دستور الحزب الشيوعي الصيني. وفي المقال الافتتاحي للمؤتمر الثامن عشر، وسَّع هو جينتاو من نطاق هذه العبارة ليشمل “جميع البشرية”، مشيراً إلى أن “البشرية تعيش على أرضٍ واحدة، وأن الدول تمتلك عالماً واحداً فقط لتتشارك فيه”. 

واستخدم شي جينبنغ عبارة “مجتمع ذو مصير مشترك”، التي تُرجمت فيما بعد بالإنجليزية إلى “مجتمع ذو مستقبل مشترك”، لأول مرة أمام جمهور دولي في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية في مارس 2013. وفي عام 2019، أفادت التقارير أن شي أشار إلى هذه العبارة “ما يقرب من مئة مرة منذ عام 2012 في البيانات السياسية الرسمية في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2015)، ومنتدى دافوس الاقتصادي الدولي (يناير 2017)، وقمة الحزام والطريق الافتتاحية (مايو 2017) والمؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي (أكتوبر 2017)”. لذلك، ليس من المستغرب أن تحظى هذه العبارة بأهمية موضوعية بين النخب الصينية. 

ومن ثم، حوّلت الحكومة الصينية هذه العبارة إلى حجر أساس من خلال إدراجها في كتاب أبيض يحمل عنوان “مجتمع دولي ذو مستقبل مشترك: مقترحات الصين وإجراءاتها”، بعد أن استُخدمت بشكل أكثر اتساقاً طوال العقد الذي قضاه شي في السلطة. وبالرغم من غموض العبارة بعض الشيء، قدَّمَ الكتاب الأبيض تعريفاً شاملاً لها حتى يتمكن مراقبو الصين من فهمها؛ وإن وُصِفَت اللغة المستخدمة في الوثيقة، كما هو الحال دائماً مع أغلب الوثائق الرسمية الصينية، بأنها “دعاية غامضة أو فارغة المضمون”.

التغلب على «العجز في السلام»

بينما يتضمن الفصل الخامس من الوثيقة، المكونة من خمسة فصول، تحت عنوان “أعمال الصين ومساهماتها” قائمة من المبادرات التي تبنتها الصين لتحقيق رؤيتها، من مبادرة الحزام والطريق إلى مبادرة الأمن العالمي ومباردة الحضارة العالمية، تغطي الأربعة فصول الأولى تقريباً نصف الوثيقة وتحدد المبادئ الشاملة لمفهوم العبارة، وتُقدِّم صورة واضحة عن رؤية الصين للعالم في هذا المنعطف التاريخي الذي يمر به النظام الدولي. 

تضم الوثيقة عدة مبادئ عادةً ما تُعاد صياغتها وتُكرَّر خلال الوثيقة المكونة من أربعين صفحة، لكنها تحمل أهمية خاصة. تتحدث المقدمة عن تسريع وتيرة زعزعة النظام الدولي، وتؤكد الحكومة الصينية، من خلالها، على تفاقم ظاهرة “العجز في السلام”، ما يعكس وجود وفرة في محددات غياب الاستقرار العالمي. وتركز الوثيقة على مفهوم صيني يشكل أحد محددات تفكير الرئيس شي، وهو أن العالم يمر بتغيرات “تحدث على نطاق لم يُر مثله خلال القرن الماضي”، مشكّلةً تحديات غير مسبوقة للمجتمع الإنساني. وأصبحت محددات، مثل “عدم الاستقرار، وعدم اليقين، وعدم القدرة على التنبؤ”، هي المعيار. 

ومن ضمن أهم العناصر التي تشكل مفهوم “العجز في السلام”: “المنافسة الاستراتيجية الدولية الشديدة، وانعدام الثقة المتبادلة بين الدول الكبرى، وعودة عقلية الحرب الباردة، وانتشار الدعوات لمواجهات أيديولوجية”. من هنا تُحذِّر الصين، بشكل خاص، من أن التصرفات “المهيمنة والمسيئة والعدائية التي تنتهجها بعض الدول ضد دول أخرى، وتظهر في أشكال الخداع، والنهب، والقمع، واللعبة الصفرية، تُحدِث بكل تأكيد أضراراً بالغة”. وبالنظر إلى هذه المعوّقات، ترى الصين “عجزاً في الحوكمة أكثر خطورة”، ومن ثمَّ تقترح سمات جديدة لنظام الحوكمة العالمي تشمل “الانفتاح والشمولية”، و”العدالة والمساواة”، “والتعايش المتناغم”، و”التنوع والتعلّم المتبادل”، و”الوحدة والتعاون”. وأخيراً، تؤكد الصين أن “عصراً جديداً يتطلب أفكاراً جديدة”، وأن المبادئ الأساسية لتحديد هذا العصر الجديد تتمثل في ضرورة إعادة تنظيم النظام الدولي بطريقة أكثر شمولية “لصالح الجميع”.       

تفكيك التفكير الصيني

بناءً على هذه المبادئ، يتبين سعي الصين إلى تحقيق أهداف محددة:

أولاً، يجب الأخذ في الاعتبار أن الصين قوة صاعدة، وهو ما يُحتّم عليها زيادة الانخراط في الشؤون الدولية تزامناً مع نمو مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية في الخارج. لذلك تحتاج الصين، بالنظر إلى هذه المحددات المبدئية، إلى تطوير سردية القوة العظمى التي تُنتِج ليس فقط احترام شركائها المحتملين، ودول عدة تملك معها علاقات وثيقة، ولكن أيضاً تُنشئ منظومة ردع خطابي/سردي تجاه الدول المعادية للمصالح الصينية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولهذه المقاربة الصينية بُعد إيجابي على رؤية دول العالم للصين أيضاً. فالورقة البيضاء قد تساعد هذه الدول في تحديد هوية الصين بصفتها لاعباً أساسياً وقوةً عظمى صاعدة، لاسيما في ظل عدم اتضاح طموح الصين [لاستخدام] قوتها على المستوى الدولي، بالنظر إلى ترددها في القيام بأدوار أكثر فاعلية في الأزمات الدولية، وفي تحمُّل مسؤولية موقعها الجديد كقوة مؤثرة في النظام الدولي. 

ثانياً، من خلال المطالبة بنظام دولي يتمحور حول “التناغم” (الذي عرَّفه الكتاب الأبيض بأنه “المفهوم الرئيس للثقافة الصينية”)، و”التناغم في إطار التنوع”، يُقدِّم الكتاب الأبيض تصوراً لنظام حوكمة “شمولي” يستلزم الحفاظ على العلاقات التجارية الإيجابية، وغيرها من أنواع المعاملات الأخرى بين الدول، بصرف النظر عن النموذج الاجتماعي والسياسي المحلي لكل دولة. ومنذ التقارب التاريخي الذي حدث بين الصين والولايات المتحدة عام 1972، دعت بيجين بشكل مستمر إلى احترام المسار التنموي الذي اختارت تبنيه. 

ثالثاً، فيما يتعلق بالنقطة السابقة، يعتمد الكتاب الأبيض في مضمونه على منطق ضرورة تقويض النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتهيمن عليه المنظومة الغربية. وفي هذا الصدد، يسعى الكتاب الأبيض إلى تقديم بدائل، لاسيما عندما يشير إلى أن المجتمع الدولي “يقف في الوقت الحالي على مفترق طرق”، يُجبره على الاختيار إما بين “العودة إلى عقلية الحرب الباردة”، أو “التصرف لصالح الإنسانية”. 

علاوة على ذلك، يُروِّج الكتاب الأبيض إلى “رؤية ترتقي فوق القيم الدولية التي حددتها بعض الدول الغربية”، لتعزيز فكرة أنَّه “كلما تنوعت الحضارات اختلفت طُرق فهمها لهذه القيم” وأي قيم أخرى، وهو ما يدور في ذهن صُنَّاع السياسات في الصين الذين يؤكدون عدم رغبتهم في بناء نظام دولي موازٍ، بل يدفعون باتجاه بناء “عالم أممي تحت مظلة واحدة تكفي لاستيعاب جميع الدول”، وهو طرح يتعارض مع الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة. وكما قالت السفيرة السابقة للصين لدى المملكة المتحدة، فو يينغ، فإن التصور الصيني يتمحور حول أنه “على الرغم من أن دول الغرب تعهَّدت بالالتزام بنظام دولي يرتكز على دور الأمم المتحدة، فإنها لم تُلزم نفسها بهذا الإطار”. وبكلام أوضح، تكمُن المشكلة، من وجهة النظر الصينية، في أن “النسخة الأمريكية للنظام الدولي تتداخل مع النظام الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة، بل وتتجاوزه”، انطلاقاً من مفهوم “عالمية القيم الغربية” الذي ترفضه الصين. 

رد فعل الدول الغربية

لا يبدو أن المجتمع الدولي الغربي منشغلٌ حتى الآن بالكتاب الأبيض الصيني، على الرغم من انشغاله بالمفاهيم التي يؤكدها، إلى جانب المخاوف الغربية بشأن محاولات الصين فرض هيمنتها على النظام الدولي وإزاحة النفوذ الأمريكي من منطقة الإندو-باسيفيك، وهي تصورات مهيمنة إلى حد كبير بين دول الغرب. وقد يكون غياب التعاطي مع الكتاب الأبيض الجديد راجعاً لثلاثة أسباب: 

أولاً، يعني تناقض اللغة المستخدمة في الكتاب الأبيض، والتي قد تكون مبهمة في بعض الأحيان، أن الحكومات الغربية قد تتنبأ بتداعيات محدودة في هذه المرحلة المبكرة من إصداره. 

ثانياً، فيما يتعلق بالنقطة السابقة، يستهدف الكتاب الأبيض دائرة محدودة من مُراقبي الصين والمتخصصين في العلاقات الدولية والمسؤولين الحكوميين في دول العالم لشرح رؤيتها حول النظام الدولي، لكنه لا يخاطب الشعوب الغربية أو يحاول بناء تأثير شعبي للسردية الصينية.

ثالثاً، لا يختلف مفهوم “مجتمع دولي مشترك للبشرية”، الذي يتناوله الكتاب الأبيض، جذرياً عن المفاهيم التي نشرت في وثائق رسمية أخرى، أُشيرَ إليها أعلاه، أو في الكتاب الأبيض الذي صدر في عام 2019 بعنوان “الصين والعالم في العصر الجديد”. وكما ذكرت شبكة “سي إن إن”، فإنه “خلال الأشهر الأخيرة، لجأت الصين إلى ترويج نموذجها البديل عبر عدد من الوثائق السياسية الضخمة، ومبادرات دولية جديدة، وأيضاً من خلال الخطابات الرسمية، والاجتماعات الدبلوماسية، والمنتديات، والتجمعات الدولية”. مع ذلك، ولأن هذه الوثائق، وفقاً للشبكة نفسها، تهدف إلى “كسب الدعم في جميع أنحاء العالم”، فإن الكتاب الأبيض يسهم، بالتأكيد، في تعميق المخاوف بشأن “عالم يُصاغ وفقاً لقواعد بيجين، حيث يمكن لملامح حكمها الاستبدادي وقبضتها الحديدية، المتمثلة في الرقابة الأمنية المشددة، والقمع السياسي، أن تصبح ممارسات مقبولة عالمياً”. 

وكما أوضحت ليز توبين، التي قضت أكثر من عقد تعمل مُتخصصةً في الشؤون الصينية لدى العديد من الوكالات التابعة للحكومة الأمريكية، من خلال مجلة “مراجعة تكساس للأمن القومي”، تمثل عبارة “مجتمع دولي مشترك للبشرية” رؤية بيجين طويلة الأمد لتحويل البيئة الدولية بما يتوافق مع نموذج حكم الصين وصعودها زعيماً عالمياً. كما أشارت توبين إلى أن شي ربط هذه العبارة في الماضي بـ “حلم تجديد الأمة الصينية”. ولهذا السبب، تتصور أغلب دول الغرب أن الهدف من الوثيقة هو استبدال الطابع الغربي للنظام الدولي بالنموذج الصيني، وهو ما يظهر، وفقاً لباحثين في معهد “أتلانتيك كاونسل” البحثي بواشنطن، في جهود الصين، من خلال أحدث مبادراتها، “لإعادة تشكيل النظام الدولي”. ومع ذلك، فإن نجاح الصين أو فشلها في تحقيق رؤيتها، كما أشارت توبين، سيعتمد في النهاية إلى حد كبير على كيفية استقبال الدول الأخرى وتعاطيها مع هذه المفاهيم الصينية.  

التداعيات على منطقتي الشرق الأوسط والخليج

قد يُشكِّل تقييم التداعيات الناتجة عن الكتاب الأبيض في هذه المرحلة، تحدياً، وذلك لأنه إذا كان الكتاب الأبيض يتضمن إصلاحاً رسمياً للنظام الدولي بقيادة الصين، فهذا حتماً سيستغرق سنوات، ويمكن أن يحدث فقط بالتوازي مع تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية الصينية، إذا ما استمرت هذه القدرات في نموها، بالإضافة إلى القوة الناعمة. وفوق ذلك، إذا أرادت الصين تنفيذ بنود أجندتها الطموحة، فستحتاج أن تنجح في قياس التماسك السياسي الدولي المتمثل في بعض أنماط الشراكات الدولية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، وتجمع البريكس، لاسيما أن إصلاح نظام الحوكمة الدولي لا يمكن أن يتم بشكل أحادي. 

بالنظر إلى ذلك، وأيضاً بالنظر إلى محتوى الكتاب الأبيض، فإن التداعيات بالنسبة لمنطقتي الشرق الأوسط والخليج قد تكون متوازنة في هذه المرحلة. فإصلاح نظام الحوكمة الدولي يمكن أن يمنح دول الشرق الأوسط دوراً أكبر داخل بعض المؤسسات التعددية، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، بينما أكثر ما تهتم به دول الخليج بصفة خاصة، في الوقت الحالي، هو أن يكون النظام الدولي الجديد مبني على أساس اقتصاد دولي مفتوح يسمح باستمرار الطلب على النفط وإنتاجه، من ناحية، وتصدير الخدمات والانفتاح على عقد الشراكات الإقتصادية بما يخدم خطط التنويع الإقتصادي الخليجية من ناحية أخرى، وهو ما تطمح إليه دول الخليج في مساراتها الاقتصادي المتوازية المتمثلة في رؤية المملكة 2030، ورؤية أبو ظبي الاقتصادية 2030، ورؤية قطر 2030.

سيُقدِّم النظام الدولي الجديد، الذي تضمّنه الكتاب الأبيض، فرصاً أكبر لدول المنطقة. ومع ذلك، فإن أكثر ما يجب أن يثير قلق دول منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً دول الخليج، هو افتقار الوثيقة إلى القيم الملموسة وخطط العمل الواضحة. وبعد قراءة الوثيقة ومقارنتها بالأحداث الدولية الجارية، يتضح أن الصين لا تزال مستمرة في الامتناع عن تحمُّل مسؤوليات مكلفة أو التقدم للقيام بدور قيادي في إعادة تشكيل النظام الإقليمي ومنظومته الأمنية بما يخدم مصالح دول المنطقة.

على سبيل المثال، لا تقدم الوثيقة خطة عمل واضحة لدول الجنوب العالمي ودول الشرق الأوسط تُمكِّنهم من الانتقال إلى نظام الحوكمة الجديد الذي ترغب الصين في إقراره، مما يصعِّب المهمة على دول الخليج بالنظر إلى مكانتهم كشركاء استراتيجيين للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وبعبارة أخرى، لا تقدم الصين نفسها باعتبارها بديلاً للولايات المتحدة، أو على الأقل، تُقدِّم تصورات عملية لما يجب أن يكون عليه النظام الإقليمي في المنطقة. وفوق كل ذلك، لا توفر الوثيقة الصينية رؤية لتوفير مظلة حماية أو ردع لدول الخليج إزاء الضغوط الأمريكية المتصلة بتأثيرات التنافس الإستراتيجي، لاسيما فيما يتصل بالتعاون الخليجي – الصيني في مجالات الأمن والتكنولوجيا الفائقة والمخاطر التي قد تنجم عن مسار “الإنفصال” أو “تقليل المخاطر”.

ويرتبط ما سبق أيضاً بافتقار الكتاب الأبيض إلى خطة واضحة وإجراءات ملموسة حول الدور الذي سيلعبه اليوان، لاسيما أن هيمنة الدولار الأمريكي تعد أمراً محورياً في العلاقة التي تربط دول الخليج بالمنافس الاستراتيجي للصين، وهو الولايات المتحدة.  فعلى سبيل المثال، أظهر آخر اتفاق بين الصين والسعودية، في 20 نوفمبر، لتبادل العملات، وقيمته قرابة 7 مليار دولار، تسريع الخطى باتجاه تنويع العلاقات الإقتصادية الخليجية. لكن التبعات الأهم لمثل هذا التنويع بعيداً عن الدولار هو عزل صناعة النفط عن منظومة العقوبات الأمريكية في المستقبل. وفيما يتعلق بهذا الجانب، سيتعين على الصين تقديم التطمينات الجيوسياسية المناسبة لدول الخليج، في حال رغبت أن تتعامل دول المنطقة، فيما يخص إنتاج النفط والغاز وتصديرهما، بعملتها المحلية، وهو ما لا يبدو واضحاً إلى الآن في الوثائق الرسمية الصينية. 

السابق
بالفيديو: غارات اسرائيلية على جبل كحيل ويارون..و«حزب الله» نعى مقاتلاً واستهدف ثكنة شوميرا!
التالي
بعدسة «جنوبية»: إنطلاق الجلسة التشريعية وسط مقاطعة نواب باسيل ومستقلين!