رؤى في عالم المرأة (1): حرية «نصف المجتمع»

يوم المرأة العالمي

المرأة نصف المجتمع، بل المجتمع كلّه، هي المخلوقة من نفس الرجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا…” لتكوّن معه كياناً واحداً لا يمكن تجزئته، ولو تجزّأ لفقد قيمته وكنهه وجماليّته، إذ أنّه مبنيٌّ على التكامل (بين الرجل والمرأة) الذي جعله اللّٰه تعالى آية من آياته، (كما في النصّ القرآني) ومعجزة من معجزاته ودلالة من الدلالات الدالّة على قوّته وعظمته عزّ وجلّ.
لا يسعنا عند الحديث عن المرأة، إلّا أن نذكر الأدوار العظيمة، والمهام الجسيمة التي أناطتها بها الحكمة الإلهيّة، والعناية الربّانيّة. والسمات الكريمة التي تحلّت بها، فهي: الجدّة الحكيمة، والأم الرحيمة، والمربّية العظيمة، والأخت الحنونة، والزوجة المصونة، والبنت المعينة…

انسانيّتها فهي العنصر الأساس في بناء المجتمعات وتربيتها


ولابدّ من أن نكشف اللّثام عن عقودٍ بل قرونٍ من الظلم، والاضطهاد، والتجاهل، والاستعباد التي عاشتها، وعانت منها تلك المخلوقة الرقيقة، إلى أن جاء الإسلام بتعاليمه المجيدة، وأخلاقه الحميدة، ليرفع عنها كل ذلك.. فجعلها صُنْوَ الرجل ونظيره، حيث قال رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله): “النساء شقائق الرجال”، لتتجلى المساواة بأبهى صورها، وأسمى معانيها. ومع ذلك، فقد أرسى الإسلام قواعداً شرعيّة، وضوابطاً أخلاقيّة، بَيَّن من خلالها الحقوق، وفَرَض الواجبات، ورَغّب بالمستحبّات، ونهى عن الموبقات، وحَذّر من تبعاتها، كلّ ذلك في سبيل تهذيب المجتمع وتنظيمه. وبالتالي إعلاء شأن المرأة، وتكريمها، ورفع الظلم عنها، واعطائها كافة الحقوق التي تليق بأنوثتها وإنسانيّتها، فهي العنصر الأساس في بناء المجتمعات، وتربيتها. وبانكسارها ينكسر المجتمع ويتدهور، ومع كلّ ذلك، وبعدما مرّ على الإسلام ما يزيد عن 1445 سنة، وعلى الرّغم من التطوّر العلميّ، والتقدّم الحقوقيّ، فما زال البعض يحمل في طيّات عقله المتحجّر أفكاراً وأعرافاً جاهليّة، وعادات متخلّفة، تتجسّد يوماً بعد يوم، سلوكيّات عدوانيّة، وتصرّفات مشينة، تُنذر بنشوء مجتمعات أكثر رجعيّة وهمجيّة وأشدّ عنفاً وسطوة، يفقد فيها الإنسان عموماً، والمرأة خصوصاً، أبسط الحقوق الشرعيّة والمدنيّة في ظلّ غياب الرادع القانونيّ وانحلال الوازع الدينيّ والأخلاقيّ.


لقد عانت المرأة عبر العصور أبشع أنواع الظلم، والتهميش، والأسى، والإحتقار، فكانت كالمتاع تُشرى وتُباع، مسلوبة الحقوق، يتصرف بها الرجل كيف يشاء، فحُرمت حقّها في الميراث، واعتُبرت مصدراً للعار، فكان إذا بُشّر أحدهم بمولودة أُنثى، تَملَّكه الهمّ والغمّ والحزن العميق “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ” حتّى أنّ بعضهم عمد إلى وأدها “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ” أمّا في عَصرِنا الحاليّ، فما زال البعض ينظر إليها على أنها سلعة تجاريّة أو مادّة دعائيّة وإعلانيّة أو شهوة يتمتّع بها، وهذا يتنافى مع ما يُطرح من اقتراحاتٍ تَدّعي حريّة المرأة، فحريّة المرأة لا تكون بتجريدها من عِفّتها، وقِيَمِها، ولا من زوجيّتها، وأمومتها، ولا حتّى من أنوثتها، إنّما بالحفاظ عليها، وتمكينها منها. ولابدّ للحقوقيين أن يسعوا بصدقٍ في سبيل ذلك.

عانت المرأة عبر العصور أبشع أنواع الظلم والتهميش والأسى والإحتقار


لقد جَنَت المجتمعات الغربيّة والشرقيّة كثيراً على المرأة، وقيّدتها، وقزّمت دورها. وأنصفها الإسلام وحرّرها، وفتح لها الأفق الرّحب، فتألّقت في شتّى المجالات العلميّة، والثقافيّة، والأدبيّة، والتربويّة، والإجتماعية. لتتبلور حقوقها نصوصاً وأقوالاً تُرجمت أفعالاً. فجعل لها مثل الرجل، بل امتازت عنه، في قوله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ” فالدرجة هنا تكون بالإنفاق حيث أوجب تعالى على الزوج الإنفاق على زوجته، تحت عنوان القوّامة “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”.
لقد برزت المرأة عبر التّاريخ وخاصّة في الإسلام، كأحد أهم الفاعلين في المجتمع، فتبوّأت مناصب كبيرة، ومراكز حسّاسة، وأدّت أدواراً مفصليّة، خوّلتها لأن تتخلّد في القرآن والسنّة والتّاريخ، فخصّها القرآن الكريم بسورة من سوره، سمّاها باسمها “سورة النساء” ووصّى بها رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله) مرّات عديدة كقوله: “استوصوا بالنساء خيراً”. وأولاها التّاريخ اهتماماً خاصاً، وقد ذكر القرآن الكريم العديد من النساء بشكلٍ ضمنيٍّ كالسيّدة حوّاء، وسارة، وهاجر، وأم موسى، وأخته، وامرأة فرعون، وبلقيس، وامرأة العزيز، وغيرهن… وذُكرت السيّدة مريم (عليها السلام) بشكلٍ صريحٍ لعظمتها وعلوّ شأنها.

السابق
لجنة التضامن مع غزة تدعو لوقفة امام صخرة الروشة
التالي
نادي النسر الأسود للتايكواندو يحوز على المركز الثاني في بطولة لبنان