
عدم انتخاب رئيس للجمهورية، واسلوب التعامل الشخصي والحزبي مع مسألة الفراغ المرتقب والقريب في قيادة الجيش، وإدارة الظهر او اللامسؤولية حيال تحديات الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، كل ذلك وغيره يندرج تحت عنوان تغييب الدستور والقانون، ويكشف مجددا أن المنظومة الحاكمة مستمرة في السلوك نفسه، اي منع نهوض الدولة بمؤسساتها وشعبها، والاستثمار في النفوذ المذهبي والطائفي واللادولة، فضلاً عن دخول عنصر إضافي اليوم، وهو “الاستثمار” في كارثة غزة الانسانية.
الحدث الجاري في قطاع غزة، يتحول لبنانياً الى مشهد النعامة التي تضع رأسها في الرمل، معتقدة بأن عدم رؤيتها لما يجري حولها، سيجعلها في مأمن، وهكذا المنظومة الحاكمة تهرب من مواجهة الأزمة الداخلية بشتى ابعادها، لتضع رأسها في ركام غزة تنديدا بالعدوان من قبل البعض، و”اشغالاً” موهوما لماكينة القتل والتدمير الاسرائيلية في الجنوب، من قبل البعض الآخر، وعلى رأسهم “حزب الله”.
عدم المبادرة الى انتخاب رئيس للجمهورية، في خضم الحدث الغزاوي وتردداته الاقليمية والدولية، هو استمرار في الرهان على الفوضى، لا بل تربص بكل خيار انقاذي، من شأنه أن يلجم التدهور المستمر والمرشح للتفاقم داخليا.
عدم انتخاب رئيس للجمهورية الآن، يعني ان لبنان لا تعوزه دولة، ولا حاجة فيه لمؤسسات دستورية، ولا لرأس منتخب، تتقاطع عنده كل الملفات والآراء، و تخرج من موقعه الدستوري كل القرارات، وتُرسم السياسات ويتحمل المسؤوليات، سواء كرئيس للجمهورية او من موقع ترؤسه لجلسات مجلس الوزراء.
في لبنان اليوم، لا وجود لمسؤول في الدولة، يرى في موقعه مسؤولية، او انه في موقع القرار أوالمساءلة كما حال بقية الدول.
في لبنان اليوم تخل “مشبوه” عن المسؤولية الدستورية والوطنية في سبيل تغييبها
في لبنان اليوم، تخل “مشبوه” عن المسؤولية الدستورية والوطنية، في سبيل تغييبها، وتنصل “مريب” من المسؤولية الدستورية، في سبيل دفع البلاد واحوالها الى المزيد من الفوضى.
وصف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل ايام، دور “حزب الله” في الجنوب، انه “يتعامل بمسؤولية وطنية عالية”، وهو موقف بدا ردّا “مفحماً” على ما قاله هو نفسه، في بداية المناوشات في الجنوب اثر “طوفان الأقصى”، ان الدولة لا تمسك بقرار الحرب والسلم، وهو موقف، وان كان لا يتناقض مع التوصيف الذي لحقه، الا انه كان تعبيرا عن اعلان رفع المسؤولية عن نفسه وحكومته، حيال مايجري من احداث في جنوب لبنان، وما يمكن ان يجري، واقرب الى موقف “ما خصنا وما دخلنا”.
لا سياسة خارجية فاعلة او ناشطة، ولا اجراءات تعزز من حضور الدولة ومؤسساتها ولا تحرك يمكن ان يحصن البلد من الانهيار
التنازل لـ”حزب الله” بالكامل لعملية ادارة المواجهة جنوبا، يترافق مع الهروب شبه الكامل، عن الادارة المطلوبة داخليا وفي مختلف المستويات، وبالتالي تقبل نتائج المواجهة، من دون اي استعداد للتصدي لها، او استثمارها او التخفيف من تداعياتها، فلا سياسة خارجية فاعلة او ناشطة، ولا اجراءات تعزز من حضور الدولة ومؤسساتها، ولا تحرك يمكن ان يحصن البلد من الانهيار، فيما لو تدحرج سعر صرف الليرة الى هاوية جديدة، وهو وارد جداً، بحسب ما تشير اليه المعطيات الاقتصادية، والمؤشرات المالية، وما تجره الحرب ولو بما هي عليه اليوم، من آثار سيئة ليس على تهجير المواطنين، وانعدام الحياة العملية على طول الحدود الجنوبية، بعمق يفوق الخمسة كيلومترات فحسب، بل بما يسببه ذلك من تراجع اقتصادي عام وانعدام لفرص الاستثمار والانتاج، وبالتالي تقلص موارد الخزينة العامة المباشرة وغير المباشرة.
ليس المطلوب “ادارة الظهر” الى غزة بل الملح في سياق دعم غزة واهلها هو تحصين لبنان
ليس المطلوب “ادارة الظهر” الى غزة، بل الملح في سياق دعم غزة واهلها هو تحصين لبنان، لأن في قوته ومنعته قوة لغزة، وهذا لا يتحقق بما يسمى “المشاغلة” او عمليات القصف المتبادل على ضفتي الحدود جنوبا، بل في تقدم الدولة ومؤسساتها الصفوف، والالتزام بدور المؤسسة العسكرية، كحام اول للبنان، وادارة عناصر القوة المتنوعة في لبنان من قبل الدولة، لا ان تصبح الدولة هامشا، والدويلة هي المتن.
لذا، فان انتخاب رئيس الجمهورية، هو بالتأكيد رسالة دعم لغزة، تتفوق في قوتها على رسائل “المشاغلة” الجارية في الجنوب اليوم.