حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الممر الهندي ما بعد بعد حيفا ومرفأ بيروت

حارث سليمان

زار بشار الأسد الصين، واستقبل فيها، بعد إرسال الرئيس الصيني لطائرته الخاصة لتقل الرئيس الأسد والوفد المرافق، وجاء توقيت الزيارة، في خضم بحث دولي واستراتيجي حول خطوط التجارة الدولية، التي يتم التنافس عليها في المرحلة المقبلة، وخاصة بعد أن أُعلن في قمة العشرين مؤخراً، عن إنشاء ممر جديد من الهند الى أوروبا، يمر من المحيط الهندي عبر الدول العربية في الخليج و”فلسطين المحتلة”، الى مرفأ حيفا على البحر الابيض الابيض المتوسط فأوروبا..

كثرت التساؤلات، حول ما إذا كان لهذه الزيارة، أي أهداف تتعلق بهذه المسائل الاستراتيجية؟ وخاصة اذا كان العالم امام منافسة او تكامل، بين المشروع الهندي ومبادرة الحزام والطريق الصينية…

فالمشروع الهندي، يبدأ من مدينة مومباي الهندية ثم الى مرفأ شاهبار، الذي أنشأته الهند باستثمارات كبيرة في جنوب شرق إيران، ومنها بالسكك الحديدية والمواصلات البرية الى روسيا، عبر أذربيجان ودول آسيا الوسطى الى موسكو، ومن روسيا الى أوروبا.

في المقابل، يمتد المشروع الصيني من غرب الصين، عبر دول وسط آسيا (طاجكستان تركمانستان) الى روسيا من جهة، والى ايران وتركيا من جهة أخرى، ليصل الى أوروبا.

ويترافق مع خط بحري، يتجاوز بحر الصين الجنوبي، التي تسيطر عليه اميركا، ويتجاوز الهند، ويبدأ من مرفأ غوادار في باكستان، بعد أن تم إنشاء هذا المرفأ باستثمارات صينية ضخمة، ووصله بخط للسكك الحديدية مع شبكة القطارات في غرب الصين، فأصبحت الحاويات والبضائع، تأتي من شرق الصين برّاً الى غوادار في باكستان، بكلفة معقولة ووقت أقصر، ومن هناك تتابع مسارها البحري، عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط، الى غرب أوروبا، أو تذهب من المحيط الهندي جنوباً، الى رأس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا، ومنه عبر المحيط الأطلسي الى أوروبا.

تشكل الخطط التي تهدف الى تنمية الشاطئ الغربي للمملكة العربية السعودية، والبحر الأحمر، عامل جذب لتستمر طريق قناة السويس، قادرة على استقطاب حصة من التجارة الدولية

وبالمقابل، تشكل الخطط التي تهدف الى تنمية الشاطئ الغربي للمملكة العربية السعودية، والبحر الأحمر، عامل جذب لتستمر طريق قناة السويس، قادرة على استقطاب حصة من التجارة الدولية، بين شرق آسيا وغرب أوروبا، والتي أصبحت تتنافس مع الخطوط البرية في المشاريع الصينية والهندية.

كان المشروعان الصيني والهندي يمرّان في ايران، ويعتمدان بشكل رئيسي على الوصول الى أوروبا من خلال روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء. إضافة الى الدخول الى جنوب شرق أوروبا، من خلال ايران ثم تركيا عبر أذربيجان، والتي كان إقليم كاراباخ يشكل عائقاً لربط أذربيجان بتركيا… ومن اجل ذلك كان سقوط اقليم ناكورني كاراباخ، سريعا ومطلوبا من قوى دولية متفرقة، اضافة الى اسباب وعوامل اخرى اوجزها بالنقاط التالية:

كانت ارمينيا تستند الى روسيا ودعم فلاديمير بوتين، وقد فقدت دعمه بعد انحياز الرئيس الارمني لحلف ال Nato. وقيام ارمينيا باستضافة مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الاميركي.

إن المقارنة بين قوة الجيشين الأذري والارمني، تبرز تفوقا راجحا لمصلحة اذربيجان، وتستند اذربيجان لدعم عسكري تركي كامل، وتتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع تركيا. وتسعى أنقرة إلى الحفاظ على مصالحها الحيوية في أذربيجان، المتمثلة في تأمين خطوط الغاز الأذرية المارّة عبر أراضيها إلى أوروبا، كخط أنابيب الغاز باكو – تبيليسي – أرضروم، وخط أنابيب غاز “تاناب”، اللذيْن بدآ بضخ الغاز، في 2007 و2018 على التوالي، بالإضافة إلى أن أنقرة ترى أنها تمتلك العديد من القواسم المشتركة مع أذربيجان في مجال الثقافة واللغة.

اضافة الى ذلك، من المهم متابعة العلاقة الممتازة بين اذربيجان واسرائيل ؛ فهناك تنسيق امني وعسكري في مواجهة ايران. حيث نشرت مصادر جادة، معلومات عن قيام الموساد الاسرائيلي باستعمال اذربيجان كقاعدة خلفية لعمليات الموساد داخل ايران، ومنها استهداف البنى التحتية لبرنامج ايران النووي.

من المهم متابعة العلاقة الممتازة بين اذربيجان واسرائيل فهناك تنسيق امني وعسكري في مواجهة ايران

كما تعتمد اسرائيل على واردات النفط من اذربيجان، التي تقدر بحوالي ٨٠ الف برميل يوميا عبر تركيا.

بعد الحرب في اوكرانيا والقطيعة بين موسكو واوروبا، لم يعد اعتماد الممرين (الهندي والصيني)، على عبور روسيا بذات الجدوى والفائدة السابقتين. ولذلك فان خيار الصين بمرور الطريق البري بدول اسيا الوسطى واذربيجان، ثم تركيا عبر طهران او من دونها، اصبح الخيار الانسب لها، (ودون المرور بروسيا)، فيما يعتمد الحزام البحري الصيني على مرفأ غوادار الباكستاني، كنقطة انطلاق للسفن المتجة الى اوروبا، عبر قناة السويس او حول راس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا.

ويشكل الخيار الهندي الجديد، باعتماد مرافئ الامارات وجبل علي في دبي، ثم السعودية وفلسطين وصولا لمرفأ حيفا، ضربة موجعة لايران، التي استثمرت مع الهند في انشاء مرفأ شابار جنوبي شرق ايران، كنقطة اتصال بين بومباي والطريق الى موسكو.

الشراكات الاقتصادية في الطور الجديد من الراسمالية، يفترض بالمنتسبين اليها شروطا لا تتوفر بالاسد ولا بمنظومة الاحزاب الطائفية اللبنانية، التهليل لزيارة الاسد للصين مآله اكتشاف ان الامر لايتعدى حفلة علاقات عامة، ومحاولة من الاسد لاعطاء الصين صفقات، تبيع المزيد من موارد سوريا ومرافقها ومطاراتها وثرواتها الطبيعية، لشركات صينية استولت على البنى التحتية، في دول فقيرة وفاشلة ومحكومة بسلطات الفساد والاستبداد، ودروس سريلانكا والارجنتين وزمبابوي ماثلة امام العالم.

يبقى ان نتابع انعكاس استسلام مقاتلي ناكورني كارباخ والقائهم السلاح لصالح الجيش الاذري، وما هي ردة فعل ايران تجاه اقليم، وضعت حمايته وتأمين الطريق اليه عبر اراضيها، لعشرات السنين في اولويات سياساتها وتحالفاتها.

لا بد من متابعة تأثير الاحداث على محطات المواجهة الايرانية الاسرائيلية، وعلى سوق تجارة الغاز الدولية

وما هو تأثير الإنتصار الاذري، بوجهيه الاسرائيلي و التركي، على العلاقات الايرانية التركية، وعلى الداخل الايراني الذي تشكل فيه الإثنية الاذرية اكثر من ربع سكان ايران ؟!
كما لا بد من متابعة تأثير الاحداث على محطات المواجهة الايرانية الاسرائيلية، وعلى سوق تجارة الغاز الدولية، وخطوط نقله الى اوروبا وعُقَد ممراته الاقليمية؟
ترتسم معالم المنطقة، وتتحدد خرائط اقتصادياتها

ووظائف الانتاج والتجارة في كياناتها، فيما تصر منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج في لبنان، في ممارسة نكاياتها وصغائر حساباتها ودناءة اطماعها وارتكاباتها.

لم يدرك اللبنانيون ان ما بعد بعد حيفا، هو تفجير مرفأ بيروت، وانه في الوقت الذي كان البعض يلهينا بالخصام على نصب خيمة على الخط الازرق، كان يتم ترسيم الممر الهندي الى مرفأ حيفا.

السابق
«حادثة الكحالة».. مطلق نار «جديد» والذخيرة في طريقها الى «حزب الله»!
التالي
بالفيديو: مودع يقتحم مصرفاً في جب جنين ويُحرر وديعته!