من المؤكد، انه ليس المطلوب من الجيش اللبناني قتال “حزب الله”، ولا واجب الجيش أن يقوم بما على السلطة السياسية أن تقوم به, من واجب حماية الدولة، أو ما تبقى من مصالح وطنية، ومن مؤسسات ومن قرارات سيادية، ومن توفير ظروف الحياة الطبيعية في السياسة والاقتصاد والأمن.
ليس المطلوب من الجيش اللبناني قتال “حزب الله” ولا واجب الجيش أن يقوم بما على السلطة السياسية أن تقوم به من واجب حماية الدولة
وبالتالي،ما يمكن تلمسه على المستوى اللبناني العام، هو الحرص على المؤسسة العسكرية، والسعي للمحافظة عليها (قدر الامكان) من أمراض المنظومة الحاكمة، ومن شوائب سياسات الفساد والافساد، التي انهكت المؤسسات والقطاعات على اختلافها، وأدخلت لبنان في نفق الفوضى التي تَسِمُ المشهد اللبناني اليوم، وتنذر بالأسوأ في المقبل من الأيام، طالما ان ارادة تغيير سلوك السلطة واتّباع نهج إصلاحي، غير متوافرة.
من هذا المنطلق كانت حادثة الكحالة غير المدبرة، والناجمة عن مسار الانحراف الدولتي والقانوني والسيادي، قبل انحراف شاحنة السلاح الحزبي على “كوع الكحالة”، هذه الحادثة التي كشفت المزيد من هشاشة الدولة، بل غياب الارادة السياسية من أجل حماية ما تبقى منها، ولعل البيان المتأخر الصادر عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش اللبناني، يعفي من سرد الوقائع الميدانية التي جرت ليل امس (الاربعاء) في بلدة الكحالة.
البيان العسكري “المبتور” تجنب تسمية الجهة التي قال إنها تنقل سلاحا ولا أعلن عن توقيف حملة السلاح الذين أطلقوا النار من المواكبين لهذه الشاحنة ولا وجه اي اعتراض أو إنذار إلى من يفترض انهم تجاوزوا القانون في عملية نقل السلاح
فالبيان العسكري “المبتور”، تجنب تسمية الجهة التي قال إنها تنقل سلاحا، ولا أعلن عن توقيف حملة السلاح الذين أطلقوا النار من المواكبين لهذه الشاحنة، ولا وجه اي اعتراض أو إنذار، إلى من يفترض انهم تجاوزوا القانون في عملية نقل السلاح، وهو ما يطرح سؤالا، أنه اذا كان من حق حزب الله نقل السلاح، فهل يعني ذلك أنه ليس من واجب الجيش الإشراف على هذه العملية وسواها، ومعرفة غاية استخدامها، فهل هو سلاح لترهيب الداخل أو لتحرير الأرض؟ واحداث “عين الحلوة” والاغتيالات، تلزم الجيش اللبناني، بألا يسمح بأن تتنقل اي شاحنة سلاح أو ذخيرة، من دون علمه بل وإشرافه.
ثمة من إشتم من النواب والسياسيين، رائحة “منفرة” تتصل برئاسة الجمهورية، في إشارة إلى أن قيادة الجيش استثمرت الحادثة، في سياق تحسين شروط قائد الحيش العماد جوزاف عون في معركة الرئاسة، سواء صح ذلك أو لم يصح، فالثابت أن العماد عون، فقد تأييدا مفترضا في الشارع المسيحي، وفي اوساط معارضي “حزب الله”، وخسر زخما اقليمياً كان يتنامى في الآونة الأخيرة، كمرشح مقبول ويحظى بدعم دولي واقليمي.
ثمة من إشتم من النواب والسياسيين رائحة “منفرة” تتصل برئاسة الجمهورية في إشارة إلى أن قيادة الجيش استثمرت الحادثة في سياق تحسين شروط قائد الحيش العماد جوزاف عون في معركة الرئاسة
لعل أبرز ما تظهره الوقائع الميدانية، هو أن ما يعانيه “حزب الله” ليس في تكتل معارض قوي في مواجهته، ولا في نشوء مجموعات منظمة، تعرقل تحركاته الأمنية والعسكرية في طول البلاد وعرضها، هو مسيطر عسكريا وامنيا ويدير العملية السياسية بحدود ما يقرره، هو ابتلع الدولة لكنه عاجز عن هضمها، لذا يتخبط من عسر الهضم، ومن انسداد الافق أمام اي استقرار.
ولعل ما يواجهه لأول مرة منذ نشأته، حال من الانفضاض من حوله لبنانيا، بل الكراهية التي تتنامى في اوساط اللبنانيين تجاهه، والأهم انهيار العلاقة الايجابية أو الباردة مع الوعي المسيحي العام، لصالح نفور لم تشهده الحرب الأهلية نفسها، وفي عز ترويجه لمشروع الجمهورية الإسلامية في الثمانينات من القرن الماضي.
لعل ما يواجهه لأول مرة منذ نشأتهزحال من الانفضاض من حوله لبنانيازبل الكراهية التي تتنامى في اوساط اللبنانيين تجاهه والأهم انهيار العلاقة الايجابية أو الباردة مع الوعي المسيحي العام
حادثة الكحالة ليست نتاج ميليشيات اعتدت على الشاحنة، كما زعم بيان “حزب الله”، إلا إذا كان يعتبر في قرارة نفسه، أن الاهالي الذين قتلوا العام الماضي الجندي الايرلندي (اليونيفيل) في بلدة العاقبية الساحلية، هم ميليشيات وليسوا الاهالي، أو الذين قتلوا هاشم السلمان أمام السفارة الايرانية في بيروت، هم من الميليشيات وليسوا من الأهالي.
العفن الذي تمدد في الجسد اللبناني السياسي والاقتصادي والامني، تحت ظلال سلاح “حزب الله” هو ما تظهر نتائجه اليوم، والتخبط الذي يعانيه الحزب هو نتاج له.. لا المعارضة الهشة ولا أهل الكحالة، ولا “الحرب الكونية”او المؤامرة الصهيونية!