العلامة الامين عن عبقرية ثورة الحسين: روحية انسانية حشدت عناصر الخلود

السيد محمد حسن الامين
كان لعاشوراء ذكرى استشهاد الامام الحسين، حصّة وازنة في الحوارات التي اجراها المفكر الاسلامي الراحل السيد محمد حسن الأمين في موقع جنوبية، كما في الحوارات التي اجراها سماحة الشيخ محمد علي الحاج في كتابه أمال الأمين، وغيرها من وسائل الاعلام. ونقتطف جزءا من تلك الحوارات التي تحوّلت الى مباحث فكرية اجتماعية لاغنى عنها من اجل بث الوعي الديني وتحقيق التجديد الفقهي الملائم لروح العصر الذي كان يعمل على نشره في كتاباته ومقابلاته الاعلامية.

يقول المفكر الاسلامي الراحل السيد محمد حسن الامين: “قبل التطرق إلى ثورة الإمام الحسين لا أريد أن أدعي أن تاريخ الانسان لا توجد فيه دوائر مضيئة في مستوى التقدم الأخلاقي والإنساني، ولا أريد أن أحكم على التاريخ كله بأنه كان تاريخ قهر واستبداد، ولكن الذي لا شك فيه، أن في هذا التاريخ حلقات مضيئة، إلا أننا إذا استعرضناها فإننا قد لا نجد حلقة توازي تلك التي أبدعتها ثورة الامام الحسين.

عبقرية الثورة

ويضيف الأمين رحمه الله: إنّ الملاحظ في الثورات العالمية ـ سواء منها الثورات العادلة أو الظالمة ـ أن حجم التضحيات في هذه الثورات كان في كثير من الأحيان أكبر بكثير من حيث العدد ـ أي عدد الضحايا مما كان عليه الأمر في ثورة الإمام الحسين ـ ولكننا في الآن نـفسه، لا يداهمنا هذا الشعور العميق والإرتجاج العنيف في جميع خلايا وجداننا وقلوبنا وعقولنا الذي يعترينا أمام مشهد الثورة الحسينية، ويخيل لي أحيانا أن ثورة الإمام الحسين تمكّنت من خلال عدد قليل أن تكتنز ما هو أوسع بكثير من الأعداد الغفيرة لثورات أخرى، بل أكاد أقول أن مأثرة الإمام الحسين تكمن في هذا الاعجاز الذي لخص بعدد قليل جميع القيم والبطولات وتطلعات الانسان أينما كان بحدث صغير واحد، وهذا في نظري يدعوني لأن أذهب مذهباً قلما تم التطرق إليه في شعر الثورة الحسينية وأدبها بصورة عامّة، وهذا المذهب هو أن الامام الحسين كان أكثر من ثائر، بل كان ذاتاً إبداعية، ذات عبقرية غير مسبوقة في تمكنه من جمع كل العناصر الروحية والاجتماعية والفنية والحسّ التاريخي واستلهام مصادر الخلود لدوره بوصفه قائداً في تلك المرحلة التاريخية، ففي ثورته إبداع غير تقليدي، وأفق هندسي جعل من التاريخ مساحة يعرف كيف يملؤها برؤية لا تترك مجالاً لفراغ من العقل والحسّ الاستثنائي في الحدث الذي شاءه أن يكون عالمياً وتاريخياً وقدوة خالدة لمعنى التضحية والفداء في سبيل قيم الحق والخير والجمال.

مأثرة الإمام الحسين تكمن في هذا الاعجاز الذي لخص بعدد قليل جميع القيم والبطولات وتطلعات الانسان أينما كان بحدث صغير واحد

إنّ عبقرية الثورة الحسينية في هذا التلخيص المكثّف للحدث الثوري، حيث التصدي لدولة بأكملها لا يمكن لحدث مثله من حيث الحجم والقلة أن يحدثها، بل كان من الممكن لولا قيادة الامام الحسين أن تمر كحدث عابر في هذا التاريخ المليء بأحداث تماثلها من حيث الشكل، ولكن أي حدث آخر لم يماثلها من حيث المضمون. وندرك تواً أن المسألة تتضمن حماية الإسلام وتجديده، ولكنها تتجاوز ذلك إلى قضية الكائن الانساني على هذه الارض، مهما يكن دينه أو عقيدته أو نزعته الانسانية.

إنّ الحسين مسؤولية وليس طقساً

يوضح السيد الامين رحمه الله: “أمام كل ما أوردناه يؤسفني أنني لا أستطيع أن أتجاوز ملاحظة مؤلمة تتعلق بكون هذا الحدث العظيم لا يزال أقل تأثيراً مما يجب أن نتوقعه إذا قيس الأمر بواقع الأمّة، وحتى بواقع الطائفة التي ترى نفسها أقرب إلى قضية الإمام الحسين من غيرها، وأكثر ما أخشاه هو أن الاحتفاء بهذا الحدث قد أصبح إلى حدّ كبير احتفاء شكلياً خاصّة عندما يقتصر على تقاليد وعادات وطقوس تُشعر بعض أصحابها بأنهم حينما يمارسونها أنهم يؤدون واجب الالتزام تجاه هذا الحدث الذي يستلزم لعظمته ما يتجاوز هذه الطقوس، ويحمّلنا مسؤوليات عظاماً أكبر بكثير من أشكال الاحتفاء التي نمارسها بما فيها منهجية قراءة السيرة الحسينية والتوغل في أعماقها بالدرجة التي تشعرنا بأننا نتغير وبأننا نرتقي ونسمو، وأن هذا التغيير والسمو ينعكس على اجتماعنا الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي إنعكاسا حقيقياً وواضحاً.

ممارسات ضرب الرؤوس والأجساد مستمدّة من ثقافات لا علاقة لها بفلسفة الإسلام ورؤيته للكون والحياة

إنّ ذكرى استشهاد الحسين تتميّز بأنّها أطلقت أنموذجاً ربما يكون فريداً في تاريخ الإنسان لجهة الوقوف ضد الباطل والظلم والاستبداد، وكانت مسرحاً لتضحية قد يوجد ما يشابهها من التضحيات الإنسانيّة، في سبيل تحرير الكائن الإنساني، ومنحه حقّه في الحياة الحرّة الكريمة وفق التكريم الإلهي الذي فرضه الله لهذا الكائن الإنساني.

الغلوّ في تعظيم الشعائر

وأدان السيد الامين رحمه الله المبالغة والغلوّ في الشعائر عند قلة من المتطرفين الذين ينقصهم الوعي الديني، فقال: “الذي أريد أن أقوله باتجاه الممارسات التي كان بعضها قديماً نسبياً كضرب الرؤوس والأجساد بالطريقة التي نعرفها، والتي كدنا أن نعتاد عليها، وما أضيف لها اليوم في هذه المرحلة، من طقوس شديدة الغرابة، كوضع الأقفال والتطيين والمشي على النار، أريد أن أقول وأنا مسؤول عن رأيي هذا:

إنّ المعنى الذي تتضمّنه هذه الطقوس هو أشبه بما عرفه التاريخ من طقوس وثنية أو دينيّة قديمة، وهي إذا كانت تعبّر عن شيء وهو شيء مؤسف أن درجة وعي أولئك الذين يمارسون هذه الطقوس لا تتناسب مع الوعي المطلوب لجوهر الثورة الحسينيّة، بل هي مستمدّة من ثقافات لا علاقة لها بفلسفة الإسلام ورؤيته للكون والحياة والإنسان كما لرؤيته للإحياء الجديد والمبدع لكل الذكريات التي تبعث على الفخر والاعتزاز في تاريخ الإسلام.

أنّني أربأ بأيّ شكلٍ من أشكال (الشعوذة) التي يبتدعها البعض، تعبيراً عن وعيهم القاصر لمعنى الثورة الحسينية، وإني لأربأ ببعض أهل العلم أن يقفوا صامتين، وربما أحياناً مشجّعين، لمثل هذه الطقوس، داعياً إلى تكوين وعي جديد للاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة، خالية من الطقوس التي إذا بحثنا عن جذورها نجد أنها قامت قبل الإسلام، وفي مراحل لم يكن قد تكوّن الوعي الديني السليم لدى الإنسان، ويدلّ على هذا العودة إلى التاريخ، وإلى المتاحف التي تجسّد هذه الطقوس الدينيّة في زمن ما قبل التوحيد ومعرفة الدين بشكل عام، والإسلام بصورة خاصّة”.

السابق
بالفيديو: إشكال كبير وتضارب بين وهّاب وابوفاضل مباشرةً على الهواء!
التالي
نصرالله يدعو إلى تجمعات غدًا!