بعد نيِّفٍ وثلاثين عامًا من الكتابة والنشر؛ بِتُّ لا أعرف كيف يصحو الحرف على مشرب الحبر ومرتع القرطاس كي أبدأ الكلام.
وبعد نيِّفٍ وخمسين عامًا من النسب والقُربة العائلية؛ بِتُّ وبات الأقرب رغم المسافات والغربة، الغربة التي أسدلت خمارها على عبد النبي قبل نيِّفٍ وخمسين عامًا في الموطن الكندي، بعد أن ضاق لبنان على شبابه جرّاء الظروف الاجتماعية، وبعدها الحرب الأهلية المقيتة.
عبد النبي بزي، الاسم الشاعر الذي صنع نفسه بنفسه بات عنوانًا للشعر الأصيل في المَهاجِر اللبنانية والعربية، وأصبح وسمًا مُهاجرًا أبدعته القامة الرشيقة للوقت الخلّاق رغم المصاعب المُلهِمة والمعاناة المبدعة، ورغم الآلام الخصبة التي أبزغت الشعر النضير عهدًا كان معهودًا، وميثاقًا كان معقودًا بين عبد النبي وربّه؛ وهو أن يبقى قلمه وفيًّا لإيمانه ولأمته، حتى بات الرجل المشار إليه بالقلوب قبل البنان؛ بأنه لم يضحِ بالمبادئ من أجل المصالح في كلّ عمره الذي أعرف، فكتب إلى محمد وآله الأطهار “أصحاب الكساء”، و”فيض الولاء”، وإلى حاضرة جبل عامل مدينته بنت جبيل “أم القرى”، وأتبعهم بشهاب وجداني وشلال شعري أسماه “وطن وغربة”، وبعد تلك الرباعية المتدفقة جمالًا وبديعًا لم يكتمل صرحه الشعري، فكان لزامًا على الشعر أن يتفجّر بالشفق المستعر المستمر منذ عام 61 للهجرة حيث لم تغب شمس الحسين طرفة عين في كيانه؛ فأصدر ديوانه الخامس “حسينيات”، ولأن الوقت لا ينتظر في عُرْف العقلاء؛ أصرّ شاعرنا الكبير أن يصدر السادس من دواوينه “خواطر ومشاعر” الذي يبدأ بـ “الإخوانيات” وينتهي بـ بالمُخمّسات” على قصائد الشريف الرضي والفرزدق ومصطفى جمال الدين ويحي شامي وعبد الله الخاقاني وعبد الرزاق عبد الواحد وصاحب ذهب وأحمد شوقي وغيرهم، ولعَمري فقد فاق شاعرنا من خمّس لهم في أكثر من علامة وقفٍ متأهبة وومضة وقوف متمكنة.
عبد النبي بزي، اعقدْ أوقاتنا على ساعة شِعرك، فقد آن للوقت أن يبدأ ميقاته الشعري متوهجًا بالسِّتّة من دواوينك، فجدرانه أربعة، وتحتهم أرض وفوقهم سماء، تلك ستّة تنتظر تاليها.