حتى لا تتحوّل الهوية الوطنيّة اللبنانية إلى حُلُم مستحيل !

نبه ” منتدى جنوبيّة ” إلى خطورة استحواذ الهويّة الحزب – طائفية في لبنان على الهويّة الوطنيّة اللبنانية ، في ندوةٍ أقامها في مقرّه في بيروت ، حيث ناقش هذا الموضوع بإسهاب تحت عنوان : ” إلى أيّ مدى تستحوذ الهوية الحزب – طائفية في لبنان على الوطنيّة اللبنانية ” . ولقد قدّم وأدار هذه الندوة الدكتور علي خليفة ، وشارك فيها أستاذة علم النفس الدكتورة سيلفا بلوط والصحافي مجيد مطر . وهذه الندوة التي ضمّت حشداً كبيراً من الحضور ، قدّم فيها مطر قراءة سياسية ، وقدّمت فيها بلوط قراءة سياسية – نفسيّة بحيث قارَبَا الموضوع المطروح للنقاش ، كلّ بدوره ،من خلال البحث في” أسباب ونتائج اندثار الهويّة الوطنيّة وتنامي الهويات الطائفية التي شرذمت الوطن وشوّهت عقليّة المواطنين”.

ولقد أجمعت المناقشات التي دارت في هذه الندوة ( في ما بين مُقدِّمِها ومُشارِكَيها ومَن تكلّم فيها من الحضور ) على ضرورة السَّعي السياسيّ والثقافي الدائمَين والدائبَين – وبالتّلازم الحتمي مِن قِبل اللبنانيين اللاّطائفيين ، من أجل تحقيق غَلَبة الهويّة الوطنيّة اللبنانية على الهوّيات الحزبية الطائفية في لبنان . وذلك انطلاقاً من أنّ الضَّرر الأكيد والحتميّ ، بطبيعة الحال ، في نهاية هذا المَطاف المصيري ، يقع في محصِّلتة النهائية على كل اللبنانيين دون تفرقة وسواء بسواء بمن فيهم ، طبعاً ، أصحاب النّزعة الطائفيّة أنفسهم .

هذه المشكِلة الهويّاتية هي أمُّ مشاكلنا الجَماعيّة الوطنية برمَّتها


ذلك لأنّ ” الهويّات الأحادية هي هويات إقصائية قاتلة ” ، كما قال خليفة ، ولأنّ ” الوطنيّة اللبنانية تتصدّع نتيجة للإنقسامات السياسية والطائفية الداخلية ” ، كما قال مطر ، ولأنّ ” النظام في لبنان سهّل بروز هوية الحزب – طائفية لكي يضمن أيديولوجيته أكثر ” ، كما قالت بلوط ، ولأنّ كل من تحدّث من الحضور ، قد جاء حديثه من نُسُوغِ هذه الأقوال نفسها ، لذا كان وصفُنا لهذه الندوة بأنّها ندوة تَنبِيهِيّة إلى خطورةٍ مصيريّة يجب تداركها ، بكل الوسائل السِّلميّة الممكنة ، عبرالتّوعية وبثّ الرّوح الوطنيّة المجتمعيّة لدى اللبنانيين بأجمعهم .

وذلك على قاعِدةِ اعتبارٍ قَيِّمٍ يفرضُ نفسه هنا ، وفي هذا المجال، وهو أنّ هذه المشكِلة الهويّاتية هي أمُّ مشاكلنا الجَماعيّة الوطنية برمَّتها ، هذه المشكلة التي دائماً ، أبداً ، ما تضعُ لبنان واللبنانيين ، بأجمعهم ، على مفترقات طُرُقٍ مَتاهِيّة ( من مَتاهة ) . ونستشهد، في هذا المَقام بقولٍ حسّاسٍ جدّاً يصبّ في مجرى ما قلناه ونقوله، وما نصبو إليه، وهو القول التالي :” لا تختفي المشاكل الجماعية لأننا تكلمنا عنها كثيراً بل لأنها لم نحلّها بعد . عدم الاستسلام للتعب وإعادتها إلى الساحة العامة بعنادٍ . تبدو هي الواجبات الأساسية لِلّذي لا يودّ أن يتخلّى عن التفكير . ”

وهذا القول هو قولٌ للباحث الكندي فرناند دومون يستشهد به آلان ج. غانيون ( الذي يشغل كرسي بحث كندا للدراسات الكيبيكية والكندية وهو البروفسور في قسم العلوم السياسية في جامعة كيبيك في مونتريال ) يستشهد به غانيون في خاتمة كتابه المتمحور حول حالتَي ” تعدُّد الهويات المجتمعيّة في مقاطعتَي كيبيك وقتلونيا “. وهو كتابه الصادر بالعربية ( بتعريب ريتا عيد لافورج ) عن الجامعة الأنطونية في لبنان في العام 2010 بعنوانه التالي : ” دفاعاً عن الإتحادية التوافقية ( فكُّ النّزاع بين الهويات والمواطنة ) “. ولقد صُدِّر هذا الكتاب بتوطئةٍ بقلم الأب فادي فاضل ( البرفسور في القانون الدولي وأمين عام الجامعة الأنطونية) .

وانطلاقا من القول المذكور ، علينا أن نضطلع بأعباء تحمُّل الواجبات التغييرية على صعيد العمل على تكرار المحاولات التي تهدف إلى إلغاء الطائفية في لبنان ، بسببٍ من أنّ أصحاب النّزعة الطائفية السلطوية في لبنان ( وهم أهل الحكم في لبنان ) استطاعوا ، وعلى مدى حقباتٍ طويلة متتالية ومتعاقبة في تاريخ لبنان ، وما زالوا يستطيعون ! ، إلى اليوم ، ليس عرقلة تحقيق غَلَبَة الهوية الوطنية اللبنانية ، فحسب ، بل عدم تحقيق هذا المَنال بالمطلق . من هنا جاءت خطورة استحواذ الهوية الحزب – طائفية على الهويّة الوطنيّة.


وعليه فإنّ الكوارث التي يتخبّط في آتونها لبنان واللبنانيون من خلال القضاء عليهم ( ب ” اعتمادهم” مشروع ضحيّةٍ جَماعيّة دائمة بل أبديّة ! للولاءات الطائفية ) من خلال حروبٍ أهليّة وما يدور في مَدارات أفلاكها الشاسعة وما ينبع منها ، منذ ” استقلال ” لبنان إلى اليوم ، إنّ هذه الكوارث منشؤها الوحيد والأوحد – كما هو معلومٌ بالطبع – وجود الطائفية التي كانت رحِم ولادة الطائفية السياسية اللبنانيّة التي تتحكّم وبقبضةٍ فولاذية وعلى أيدي متسلِّطيها ، بحياة ومصائر لبنان واللبنانيين الذين لا يُنقذُهم من جميع كوارث جحيم مآسيهم الوطنية مجتمعةً ، سوى زوال الطائفية السياسية . ونذكّر هنا بما قال النائب السابق حبيب صادق ( الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ) في مقاربةٍ له نُشرت ، بمعظمها ، في جريدة “النهار” اللبنانية بتاريخ ( 11 / 4 1995 ) ، وهي المقاربة التي تتمحور حول كيفية إزالة الطائفية السياسية ، في لبنان ، وهي المقاربة التي يضمها كتابه الصادر تحت عنوان ” في وادي الوطن ( مقاربات في شؤون لبنان ووشجونه ) ” عن ” دار الفارابي ” في بيروت (الطبعة الأولى 2010 ) .والتي يؤكّد فيها ( وقوله التأكيديّ جاء عنواناً لها ) ، على أنّ : ” إزالة الطائفية السياسية في لبنان (هي) رَهنٌ بقيام تيّارٍ وطنيّ متحرِّرٍ من مَصَالِحِها”.

فتحقيق الهويّة الوطنيّة الجامعة هو حُلُمٌ تاريخيّ بحقّ ونقول إنّه حُلُمٌ تاريخيّ لأنّ عمرهُ هو – تماماً – من عُمر ولادة الكيان اللبناني


وفي الختام، فأنّ قول صادق ، هنا ، هو الشّرط الأساسيّ والوحيد لتحقيق الهويّة الوطنيّة اللبنانية الجامعة للإنتماء الجذريّ ( الفعليّ والأكيد والثابت والمكين ، لأنه هو الإنتماء الوطنيّ العضويّ الحقيقيّ والمنشود ) . فتحقيق الهويّة الوطنيّة الجامعة هو حُلُمٌ تاريخيّ ، بحقّ ، ونقول إنّه حُلُمٌ تاريخيّ لأنّ عمرهُ هو – تماماً – من عُمر ولادة الكيان اللبناني . لذا يتعيّن على الوَطَنيين اللبنانيين ألاّ يتهاونوا في سبيل تحقيقه ، حتّى لا يتحوّل إلى ذلك الحُلُم المستحيل!

السابق
الأديبة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي .. عمرها النَّضِر نضب!
التالي
عيد الاب برفقة ابنتك وابنك وفي غياب الاب