ترتفع – وعلى ما يبدو بوضوحٍ كلّيّ – أسهُمُ التّسلّط الرّسمي ، العلنيّ والمُتعَمّد ، ومن أجل إعلاء شأن ذاته فحسب ، في التّضييق على الحُرّيّات العامة في لبنان، في الزمن الحاضر ؛ وترتفع معها وبالمقابل /أي حيالها ، أسهُمُ المطالَبة الحثيثة ، بالحُرّيّات اللبنانية العامة التي هي – وقبل أن تكون مرتكَزاً قويماً من مرتكزات الديموقراطية الحقيقية – جوهر الكرامة الإنسانية ، أي الجوهر الذي لا شيء سواه ، على الإطلاق ، تَتحقَّق به إنسانيّة الإنسان .
فعلى خلفيّة ما يشهده اللبنانيون ، هذه الأيام ، من أنّ الحُرّيّات العامة في لبنان ، أصبحت مستهدفَة ب” الإعدام ” من قِبل أصحاب الشّأن السلطويّ ، الذين وضعوها تحت مقصلة القضاء والأمن ، مجتمِعَين ، رفع منتدى “جنوبية” الصوت عالياً ، ضدّ إعدام الحُرّياّت في لبنان ، وذلك من خلال ندوة نظّمها في مقرّه في بيروت، قُبَيل أيّامٍ قلائل ، تحت عنوان ” الحريات العامة تحت مقصلة القضاء والأمن ” .
رفع منتدى “جنوبية” الصوت عالياً ضدّ إعدام الحُرّياّت في لبنان وذلك من خلال ندوة نظّمها في مقرّه في بيروت
ولقد أقيمت هذه الندوة ” استناداً” إلى القاعدة الآتية التي تُمثِّل واقع الحال اللبناني هذا القائم ، حاليّاً ، على صعيد قمع الحُرّيات . هذا الواقع القائل – وعلى ما جاء في مستهلّ التغطية الإعلامية التي سطّرها موقع ” جنوبية ” بأنّه : ” لم تتوقف محاولات السلطة المتعاقبة في لبنان عن ممارساتها القمعية والدموية لِكمّ أفواه المحامين كما الإعلامييّن وكل المعارضين لسياسة قوى الأمر الواقع ، فرحلة الإنتفاضة لصالح صون حقوق المجتمع في المعرفة والعدالة متواصلة على الرغم من التهديدات ، وهو ما أضاءت عليه ندوة ” الحريات العامة تحت مقصلة القضاء والأمن ” التي نظّمها ” منتدى جنوبية ” ، وتمّ خلالها عرض تجربة المدير التنفيذي للمفكرة القانونية ألمحامي نزار صاغية الذي استُدعي للاستجواب من قبل مجلس نقابة المحامين في بيروت في قضية التعديلات النقابية ، وتحدثت خلالها الصحافية والباحثة في ” مؤسَّسة سمير قصير ” وداد جربوع عن التضييق الذي يطال الإعلاميين والممارسات القمعية بحقهم ، وأدار الندوة الدكتور علي خليفة الذي قدّم نبذة عن مسار الحريات في لبنان وأكد على النضال في وجه تطويقها وضربها . إذ حفلت – وعلى ما يقول مستهَلُّ التغطية أيضاً – السنوات الأخيرة بانتهاكات جسيمة طالت حرّية الرأي والتعبير عبر أساليب عدّة انتهجتها المنظومة الحاكمة من خلال أدواتها ، وتحديداً النقابية ، من أجل تطويق المنادين بها، الذين اختاروا المواجهة انتصاراً لثقافةٍ ومشروعٍ ورؤيةٍ تتماهى مع طموحاتهم الداعية إلى قيام الدولة الحرة المستفلة وصون الحريات وتعدّد الآراء ، وهو ما تمّ عرضه في الندوة التي أقيمت في مكتب ” جنوبية ” في حضور حشدٍ من الشخصيات .
ولعل آخر مظاهر تقييد الحريات حط في نقابة المحامين في لبنان، التي أصدرت قراراً ” يفرض رقابةً مسبقة على أيّ محامٍ يريد الحديث بأي شأنٍ قانونيّ أو قضائي .” . وعندما حاول صاغية ، كمحامٍ عريق ، أن يكسر هذا القرارالذي رآه ” مبادرة خطيرة هدفها كتم أصوات المحامين ” تمّ استدعاؤه للتحقيق من قِبل النقابة ، ما دفعه إلى الإحتكام إلى الرأي العام ، كما قال في هذه الندوة التي عرض فيها قضيته المحِقّة – وبالبرهان وبالحجّة القويين – وهذه الندوة التي فيها طالبت جربوع ، وبدورها ، وبقوة الحجّة أيضاً ، بحرّيّة الإعلاميين في لبنان .
لبنان المعنويّ على الصعيد القانوني ذي القِيمة العُليا قد تحوّل بأفعال فاعلِين وهُم كُثُرٌ إلى ما يُعتَبَرُ بحقٍّ ” مقبرةً جَماعِيّة ” للقِيَمِ الخلاَّقة في المدى المنظور على الأقلّ
و ما يدعو إلى الأسف الشديد ، أنّ لبنان المعنويّ على الصعيد القانوني ذي القِيمة العُليا ، قد تحوّل بأفعال فاعلِين وهُم كُثُرٌ إلى ما يُعتَبَرُ بحقٍّ ” مقبرةً جَماعِيّة ” للقِيَمِ الخلاَّقة ، في المدى المنظور على الأقلّ . وأنّ لا وجود معنويّاً حقيقيّاَ للبنان من دون حُرّيّات إنسانية . وأكبر شاهدٍ على ذلك متمثّلٌ بما مَرً به لبنان من قَبل على صعيد الحريات . فلبنان هذا البلد المعدوم العافية المعنويّة اليوم ، لقد ، مرَّ عليه ، مدىً زمنيٌّ طويلٌ جدّاً ، إتّصف فيه ، ومن بين البلدان العربية مجتمعةً ، بأنّه ” بلد الحُرّيّات ” ، حتّى أنّه لقد وصل أمر هذا الإتصاف ، الذي كان حقيقيّاً ، بالطبع ، إلى تَغَنِّي اللبنانيين بذلك على الملأ وكان ذا أصداءٍ عالميّة ، ما جعل لبنان محسوداً ، وأيضاً وعلى رؤوس الأشهاد ، من محيطه العربي بصورةٍ عامّة .
وعلى ذلك فلا بدّ من إبداء التّساؤل المشروع الآتي : تُرى متى يعود لبنان إلى سابق عهده بلداً للحرّيات ، عبر تحويله إلى بلدٍ ديموقراطيّ بما يعنيه الجوهر الحقيقي لهذا المصطلح ؟ ذلك أنّ هذا التساؤل الملحاح بالضرورة يدفعنا إلى الإشارة إلى ما جاء في خاتمة الكتاب الذي يتناول ” مفهوم الُحرّيّة في التاريخ ” وتحت هذا العنوان نفسه . وهذا الكتاب الصادر في طبعة أولى في العام 2011 ( عن دار الفارابي في بيروت) هو كتاب من تأليف الكاتب والباحث اللبناني الدكتور راتب الحوراني .فلقد جاء في خاتمة هذا الكتاب قول الكاتب : ” إنّ الحديث عن الديموقراطية يستوجب أوّلاً ، الحديث عن الحرّيّة . كما أنّ الحديث عن الحرّيّة لا يكتمل إذا ما لم يشمل الحديث عن الحُرِّيّات العامّة والخاصّة .” . ويوضح الكاتب أيضاً قائلاً : ” إنّ مفهوم الديموقراطية صار اليوم أقرب إلى التعبير عن تطلّعٍ إنسانيّ نحو تحقيق المزيد من العدالة الإجتماعيّة وفي مجالات الحياة الإجتماعية ، من السياسيّ إلى الإقتصاديّ إلى الأدبيذ والفنّيّ وغير ذلك … ” . ويضيف الكاتب مشيراً إلى أنّ تجربة الإتحاد السوفياتي ، وما آلت إيه خلال ما يقرب القرن من الزمن ، خير دليل على ما يمكن أن تصل إليه دولة عظمى في حال غياب الديموقراطية … ” . ويضيف أيضاً ” ولكن هل للدول الصغيرة ، أو للشعوب الصغيرة ، من مستقبلٍ من دون ديموقراطية ؟ ” ثمّ يقول ” أليست الديموقراطية بالنسبة للشعوب المغلوبة على أمرها هي الأمل الوحيد في أن تجد أسباب القوّة المعنوية والمادية الضرورية من أجل تحقيق ذاتها …؟ ” .
مَن يريد إسقاط أيّ أُمّة وإنزالها إلى الحضيض ما عليه إلاّ أن يكبح الحُرِّيَّات ويلجم الأفواه
وفي ختام هذا المقال نجد أنّنا لا بدّ لنا من أن نستشهد ، أخيراً ، بالقول البليغ التالي في مجال موضوعنا هذا ، وهذا القول هو ل” توماس جيفرسون ” ( أحد الآباء المؤسِّسين للولايات المتحدة وثالث رئيسٍ لها والكاتب الرئيس أيضاً لإعلان استقلالها ) : ف ” مَن يريد إسقاط أيّ أُمّة وإنزالها إلى الحضيض ، ما عليه إلاّ أن يكبح الحُرِّيَّات ويلجم الأفواه ” .