«وقفة» ل«جنوبية» مع الشاعر طلال حيدر ب«قصيدته العابرة كالطيور»

طلال حيدر

القصيدة هي الوعي الجميل الذي يرسم جمال الإنسان والحياة. ومهما تنوع الشعر، ومهما تبلورت القصيدة واتجهت، شكلا ومضموناً، تبقى منارة يهتدي بها كل انسان، الى نفسه والى العالم . فكيف اذا كانت القصيدة نابعة من أعماق العيش والروح، فكيف اذا كان الشعر هو اللغة ــــ المرآة للإنسان؟

أغلب ما كتبه من قصائد بالمحكية ذاع صيته وانتشر في مساحة الحياة ولم يستقر في خصوصية أخيرة إنما استمرت قصائده وتواصلت ووصلت الى أوسع مدى


والشاعر اللبناني طلال حيدر الذي كتب الشعر بالمحكية اللبنانية ووصل بها الى أوسع مدى، هو واحد من الشعراء الذين أغنوا القصيدة باللغة والصورة والمعنى والدلالة.فأغلب ما كتبه من قصائد بالمحكية ذاع صيته وانتشر في مساحة الحياة ولم يستقر في خصوصية أخيرة،إنما استمرت قصائده وتواصلت ووصلت الى أوسع مدى.
كأن قصيدة الشاعر لم تكن للقراءة ، لم تكن قصائده للقراءة فقط ، وإن كانت قراءتها محفوفة بالمخاطر الجميلة،إنما أيضاً تحركت وتمركزت هذه القصائد في الجوهر، في العمق الإنساني، في الذوق العالي ، في أصوات ساحرة مثل صوت السيدة فيروز التي غنتّ أجمل القصائد التي كتبها طلال حيدر، وقصيدة”وحدن”التي لحنها زياد الرحباني، أو قصيدة”يا راعي القصب”وسواها، أو ما حمله صوت الفنان مارسيل خليفة من قصائد كثيرة للشاعر وقصيدة “قومي طلعي عالبال”ما زالت تتردد على مسامع الجمهور الكبير. كذلك الفنان الكبير وديع الصافي والفنانة ماجدة الرومي والفنانة جاهدة وهبي والفنانة أميمة الخليل وسواهم ،أنشدوا من قصائد حيدر، وكانت هذه القصائد بمثابة اللحظة التي تنشد الإستقرار النفسي والجمالي للإنسان..

كانت هذه القصائد بمثابة اللحظة التي تنشد الإستقرار النفسي والجمالي للإنسان


كما كتب الشاعر مسرحيات غنائية مثل مسرحية “فرسان القمر”لفرقة كركلا.. ويطول الكلام عن إنجازات القصيدة التي كتبها طلال حيدر بالمحكية اللبنانية، وهي بحق، جديرة بالذوق الرفيع الذي يخاطب الزمن بكل تنوعاته، يكفي أن نذكر ما كتبه في إحدى قصائده حتى نهدأ ونبدأ بالخيال ، ونمارس الدهشة :”هيّ/متل شي خط بريشة قصب/وهو/متل حرف العرب/مرفوع بالضّمه/منصوب بالفتحة/وبالفتحة هرب/بس يكترو بباله/بيصير واو ونون/وبس يسكن بحاله/بيصير همزه/أو بيصير سكون..”

الشعر هو الحياة وهو النغمة التي تطرب الروح وتعطي للعمر مذاق السعادة


شاعرنا الذي أصدر العديد من الكتب الشعرية ومنها” آن الأوان، و”سرّ الزمان” وسواها من كنوز الشعر يتحدث عن الشعر، خلال “وقفة” معه في المركز الثقافي الروسي، ويقول”: ” الشعر هو الحياة وهو النغمة التي تطرب الروح وتعطي للعمر مذاق السعادة. الشعر مجد الإنسان والحياة، ويبقى هو اللحظة التي تعطي صاحبها خصوصية لا يمكن الوصول إليها بسهولة.الشعر اليوم وغداً كما كان سابقاً،هو الفرحة الكبرى والسعادة التي تعطي الكثير للحياة نفسها وتجعلها أكثر حضوراً في البهجة.الشعر هو الإنسان”.

الشاعر طلال حيدر


وعن القصيدة بالمحكية اللبنانية، يقول”: المحكية هي الكلام الذي نرسم به الحياة كما نراها ونحسّها، وتبقى المحكية هي اللغة الناطقة لأنفسنا، لنصل ونرتاح. باسم الأشياء ، وهي الشكل الأسرع الهاديء الذي يوصلنا الى حيث نريد، والمحكية اللبنانية هي وعاء الكلام والشعور الذي يمكننا من خلاله احتواء الحياة أكثر..المحكية اللبنانية هي اللغة المستمرة والتي نطلّ منها الى العالم ونرى معها وبها أكثر.المحكية اللبنانية بخير والحمدلله” .
ــ لماذا اختار الشاعر الكتابة بالمحكية؟
لم أختر المحكية هي التي اختارتني.أنا أكتب القصيدة، وليس من الضرورة أن نتوقف عند شكل القصيدة،المهم أن نعرف كيف ندخل الى القصيدة ، وحين ندخل لا يهم التوصيف أو حصر الصورة بسؤال اللغة والشكل.القصيدة قصيدة،كيفما كُتبت وبأي شكل ظهرت،المهم أن تولد القصيدة والباقي تفاصيل. كتابة القصيدة أهم من كل شيء،فالقصيدة هي التي تخلق اللغة والشكل.كل قصيدة تخلق لغتها معها .
ــ ألا ترى أن المحكية هي الأقدر على القصيدة وإخرجها الى حيّز الشعر؟
قلت دائما ان القصيدة هي التي تخلق اللغة. يوجد شعر وقصيدة ومن ثم يمكن الكلام عن اللغة التي نكتب بها، كل الأهمية تعود للقصيدة،لأنها تخرج من أعماق الذات،من الروح من الأعماق والأحاسيس التي تتحرك في جوانية الحياة والإنسان،وحين تكون هذه الأحاسيس فوارة أو مشتعلة أو هادئة أو متألقة،فهي تؤسس للشكل والمجرى الذي تسير فيه ومن خلاله.القصيدة لا تحتاج الى لغة بقدر ما هي تبتكر اللغة، وكلما تأججت القصيدة وشرقطت، كانت أكثر قدرة على بلورة اللغة وسحبها الى القامة أو الهيكل أو الإطار.
ــ ولكن رغم ما تفضلت به تبقى المحكية أكثر انتشاراً ووصولاً الى الشرائح البشرية،أليس هذا ما يدل عل قدرة المحكية على الشعر والشاعرية أكثر من سواها وأقصد اللغة الفصحى؟
لا شك أن المحكية حاضرة أكثر في المتداول، وهي تحمل الكثير من بذور القصيدة والشعر،ولكن لكل محكية أو عامية خصوصية داخل الشعر والشاعرية،ولكن رغم ذلك لا يمكن مقارنتها بالفصحى أو باللغة الأخرى، لكل قصيدة خصوصيتها وهمومها وجماليتها ومقاربتها مع الحياة وتالياً، تنتج القصيدة إطارها وفق معاييرها الخاصة.من هنا لا تجوز المقارنة بين لغة وأخرى ضمن إطار الشعر والقصيدة .
ــ هل كتبت شعراً بالفصحى؟
نعم كتبت بالفصحى، ولي قصائد باللغة الفصحى ولكن الغالب في كتاباتي هو بالمحكية اللبنانية، وهذا الأمر عائد الى علاقتي بالقصيدة ـ التي قادتني الى المحكية ـ
ــ كتبت الحياة البسيطة في أشعارك كما كتبت الأفكار التي تخاطب الزمن والإنسان والمرأة…ماذا تقول قصيدتك اليوم؟
كتبت الكثير عن الحياة والإنسان والمكان والزمان وما زلت أكتب عن الحياة بكل ما تحوي من أزمنة وأمكنة وناس.الكتابة عندي هي نشاط يُساهم في رسم الصورة على أصولها.وهذه الركائز في الكتابة والقصيدة قائمة ومستمرة،وتأخذ أشكالاً وألواناً في مسيرتها المتنامية،وفي كل مرحلة تتحرك الكلمات وفق أصول معناها وتسعى للإستقرار في مساحة المعنى الجديد والمتجدد..قصيدتي هي حالي وأحوالي ومكاني وزماني وناسي وعادات أهلي ومساحة إقامة لكل أسئلتي وأفراحي وأحزاني،قصيدتي هي بحر حياتي التي أسبح بها وأغوص في أعماقها وأنتشل منها كل جديد وكل ما يُساهم في بناء الوعي الذي لا يمكن حصر حدوده أبداً.القصيدة بالنسبة لي هي الصدق في الحياة للوصول الى ما هو أبعد وأعمق وأجمل أرقّ وأرقى.

الشاعر طلال حيدر والكاتب اسماعيل فقيه


ــ كتبت المرأة وتغزّلت بها، ماذا تعني لك المرأة؟
المرأة هي الحياة وهي القصيدة وهي الزمان الذي يمكننا التعرّف من خلاله على الحياة أكثر وأكثر.المرأة في قصيدتي هي عنوان الفرح والوجود،وهي بالأصل الملاذ الذي يعطينا السعادة حين ننشدها أو حين نستحضرها في أوقاتنا،علماً أنها هي التي تستحضرنا كلما أوغلنا في استحضارها أو الوصول إليها .
ــ هل تتميز القصيدة إذا خاطبت المرأة؟

المرأة والقصيدة يتناوبان على التميّز،فكيف نميّز بينهما؟المرأة قصيدة والقصيدة امرأة .
ــ كيف تفسّر حضور قصيدتك في الأغنية خصوصاً أن أجمل الأغاني من السيدة فيروز ومارسيل خليفة وسواهما كانت من كلماتك؟
القصيدة لا يمكن أن تقف عند حدود كتابتها فقط،إنها مستمرة في الصوت واللحن،وحين يُعانق اللحن قصيدتي فهذا يؤكد أنها قصيدة مقطوفة من أرض الحياة ـ
ــ من هو أهم شاعر بالمحكية اليوم؟
عندما يولد شاعر في الحياة تتغيّر الدنيا وتتحول الحياة باتجاه خاص وخصب .
ــ يعني؟
الشعراء قلّة ، وحتماً هناك أهم شاعر.
ـــ وماذا عن الحب في حياة وقصائد الشاعر؟
الحب هو الأساس في كل فعل ونشاط نقوم به في هذه الحياة، واذا تغير المشهد وذهب الحب الى غير زمان، فتصير الحياة غير زمان وغير مكان “.

السابق
موارنة في جبل عامل من زمن فخر الدين حتى لبنان الكبير .. في كتاب للعقيد فرحات
التالي
منصات الصواريخ تابع..الجيش يعثر على المزيد منها في سهل القليلة!