لبنان «المصلوب» على «عقارب» الساعة والساسة!

تاخير الساعة

مع الجمود والإنسداد السياسي الذي يسيطر على الوضع الداخلي اللبناني، الذي يُعطي دليلاً إضافياً على عقم وفشل هذ الطبقة السياسية الحاكمة، التي أُصر على تسميتها ب “العصابة”، في ظل هذا الجمود تتزايد المشاكل وتنبت المشاحنات كالفطر، على سطح الحياة السياسية الفارغة من أي مضمون، والتي تبحث عن أي حدث يملؤها بحكم الطبيعة التي تكره الفراغ، بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي غالباً ما يكون سيئاً وغير عادي، خاصة في ظل الظروف التي يعيشها لبنان واللبنانيون هذه الأيام.

لا شك بأن هذا الجمود والفشل الذي يضرب الجميع هنا بلا إستثناء، يدفع إلى التوتر الناجم عن عقدة النقص والفشل والعجز أمام الظروف، وكذلك عن الخوف من الخسارة أمام الآخر، فيتحوَّل الشخص إلى كائن عدواني إستفزازي عنيف، كما يصبح هو نفسه قابلاً للإستفزاز السريع من قِبَل خصومه لإخراج أسوأ ما عنده.

إذا كانت عقارب الساعة الثلاثة، تتعاون وتتكامل في سبيل ضبط الوقت وتأمين حسن إنتظام الأمور، فإن “عقارب” السياسة في لبنان يتنافسون في سبيل خربطة كل ما هو جيد وطبيعي

هذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية، بدءاً ب “حديث الساعة والتوقيت”، الذي أعطى دليلاً ملموساً جديداً على كيفية إدارة الأمور في هذه الدولة، المحكومة من “عقارب” سياسية لا تستثني حتى عقارب الساعة، من مخططاتها الخبيثة في الفعل ورد الفعل، وإذا كانت عقارب الساعة الثلاثة، تتعاون وتتكامل في سبيل ضبط الوقت وتأمين حسن إنتظام الأمور، فإن “عقارب” السياسة في لبنان – وما أكثرهم – يتنافسون في سبيل خربطة كل ما هو جيد وطبيعي، لإحداث الفوضى في البلاد وضرب إستقرار العباد، تلبية لنداء المصلحة السياسية والطائفية والحزبية لديهم، ولو أدى الأمر لإشعال فتنة، لا تحتاج سوى إلى عود ثقاب حتى تشتعل، وتنفلت الأمور من عقالها.

وما التسريب – المقصود – لحديث كبار “العقارب” وطريقة “طهي طبخة التوقيت”، التي أدت لقرار تأجيل تنفيذ التوقيت الصيفي، ورد الفعل الهستيري عليه من “العقارب” المقابلة، إلا عيِّنة من تصرفات وتكتيكات هذه العصابة التي تبتدعها، لإستثارة بعضها البعض، ولإعادة شد عصبها الطائفي، وإعادة تلميع نفسها، كلما شعرت بخفوت في بريقها لدى “دراويشها ومريديها”، عبر ملء الوقت الضائع بألعاب بهلوانية، تخفي وراءها عجزها وفشلها في إستنباط الحلول.

لست من أنصار “نظرية المؤامرة” التي طرحها البعض بأن موضوع التوقيت، كان غباراً لتمرير الصفقات المشبوهة سواء في المطار أو في المرفأ، ليس بسبب عفة هذه العصابة، ولكن لسبب واحد بسيط وهو لأن هذه “العصابة” لم تعد ومنذ وقت طويل، تستحي بشيء تفعله لأنها فقدت الإحساس بالخجل أو الخوف، خاصة في ظل السكون الشعبي الذي يصل حد اللامبالاة، أو ربما القرف واليأس، وباتت كالحة الوجه والنظرات والممارسات والتصريحات، وحتى المناكفات، وآخرها ما جرى بالأمس تحت قبة البرلمان، الذي بات كالبلد بلا حرمة ولا هيبة، بحيث بات يرتع فيه بعض المتهمين بكل أنواع الموبقات والسوقيين، بدل المشرعين الذين يضعون التشريعات لحماية الوطن والمواطن، فإذا به يبدو وكأنه زقاق في حارة، يتقاتل صبيانها ويتبادلون الشتائم فيما بينهم، ثم يلجأون ل “كبير” الحي الذي يبدو أنه بدأ يشعر بفقدان شيء من قدراته مؤخراً، فيحاول إستعادة اللعبة وبعضاً من هيبته، بمهارته المعهودة، بعد أن وصلت – أو أوصلها هو و “عقاربه” الصغار – إلى حافة الهاوية.

هذه التصرفات التي يأتي بها تارة رئيس المجلس نبيه بري، ويجاريه بها على غير هدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتارة رجاله في مجلس النواب، وذلك بهدف الضغط على النواب المناوئين لرؤيته السياسية في المجلس الذي لطالما تغنَّى بأنه “سيد نفسه”، ودفعهم لإنتخاب مرشحه للرئاسة، لا تنم إلا عن توتر سياسي سبق وتحدّثنا عنه في مقالة سابقة، خاصة مع الإعلان عن الإتفاق السعودي – الإيراني، ليبدو وكأنه في سباق مع الوقت بسبب رفض السعودية – حتى الآن على الأقل – السير بالمرشح المطروح من قِبَله وجناحه الآخر في الثنائي، الذي يأمل وإياه بتغيير في السياسة السعودية، خاصة مع الإستعداد لإستئناف العلاقات السعودية – السورية، بالمقابل فإن هذه التصرفات تشكِّل إعادة تعويم لحليف حليفه “السابق” جبران باسيل – هل هو تعويم مقصود ؟ – الذي ظهر في الأزمة الأخيرة، وكأنه بالفعل الزعيم المسيحي الأقوى، بحيث مثَّل رأس الحربة في رفض قرار التوقيت والدعوة للتمرد عليه، ونجح مرة أخرى في جر الباقين إلى موقعه، ليظهروا وكأنهم مجرَّد ملحقين به من دون أي تمايز عنه، حتى في الخطاب الذي نحا المنحى الطائفي والعنصري في بعض الأحيان، من دون أي رد فعل رافض لهذا الخطاب، من الأطراف السياسية الأخرى في بيئته، ولو من منطلق الإتفاق على المبدأ.

هكذا بدا لبنان وشعبه في الأيام الماضية، مصلوباً وعالقاً ما بين عقارب الساعة وعقارب السياسة، الذين يسعون لتسجيل نقاط سياسية ضد بعضهم

هكذا بدا لبنان وشعبه في الأيام الماضية، مصلوباً وعالقاً ما بين عقارب الساعة وعقارب السياسة، الذين يسعون لتسجيل نقاط سياسية ضد بعضهم، وذلك على حساب الناس ومصالحها وكلفة معيشتها التي تزداد وترتفع بصورة صاروخية، مع إستمرار تهاوي العملة الوطنية التي تواصل إنهيارها، دون أي كوابح مالية أو حتى سياسية، بحيث بدت متروكة لمصيرها المحتوم، فيما البلد يغرق في الإضرابات التي باتت تشل كل مناحي الحياة العامة، وسط تجاهل العصابة بشكل يدعو للإستغراب وغير مفهوم لكل التحذيرات الدولية وآخرها تقرير صندوق النقد الدولي، الذي أكَّد بأن الوضع إقترب من نقطة اللا عودة، ما يدعو للتساؤل على ماذا يراهن هؤلاء الناس في تجاهلهم لهذه التحذيرات، على التطورات في المنطقة التي يبدو أنها ذاهبة بإتجاه التهدئة، بعد المؤشرات الإيجابية التي أعقبت الإعلان عن الإتفاق السعودي – الإيراني من إتصالات، بين وزيري خارجية البلدين إلى توجيه العاهل السعودي دعوة للرئيس الإيراني لزيارة السعودية، إلى الحديث عن وقف تسليح الحوثيين في اليمن وإستئناف العلاقات بين السعودية وسوريا.

وإذا كان الأمر كذلك فما مدى صحة هذه الرهانات وواقعيتها ودقتها، أم أنهم يعيشون الوهم والإنفصال عن الواقع، الذي تغيَّر كثيراً عمّا كانه منذ سنوات في عالم يتغير بسرعة؟ أسئلة كثيرة لا يبدو أن لدى اللبنانيين ترف الوقت، لإنتظار الإجابة عليها التي قد تطول، إلى ما بعد بعد ترتيب كل الأوراق في المنطقة، وقتها قد يكون إللي “ضرب ضرب وإللي هرب هرب” كما يقال، بحيث يصبح الوقت متأخراً جداً على الإنقاذ ، لأن ” عقارب الساعة ” الإقليمية والدولية لا يمكن أن تعود الى الوراء، لأنها لا تسير دوماً على توقيت “عقارب السياسة” في لبنان.

السابق
ترقُّبٌ في منطقة التَّماس: كيف سينعكس الاتفاق السعودي-الإيراني على المشهد السياسي اللبناني؟
التالي
شجاعة الوزير حمية الاصلية