«عقارب» الساعة إلى الوراء!

تاخير الساعة

على توقيت الالتقاء الذي يتطلع اليه معظم اللبنانيين، على دولة واحدة ذات مؤسسات، خارج منظومة الطوائف والاحزاب والزعامات والحارات الضيقة والنفوذ، “خرجت الينا “الساعة وعقاربها” لتلدغ بعض ما تبقى من خيوط الوصال، التي شكلت محاور للاراء بين معارضة وقبول، بعد عرض الفيديو الذي أخذ فيه القرار خلال جلسة مسامرة، وصدرت بعدها المذكرة بأسرع من دوران الساعة، من دون أي رجوع لأهل الاختصاص من الخبراء، ومدى البلبلة التي سيحدثها هذا القرار في قطاعات هامة، ملتزمة بالتوقيت العالمي، وفي ظل ما يعايشه اللبنانيون من أزمات، جعلته من المقهورين، خرج اليهم مهندسو الواقع المرير بعدم تعديل الوقت، مع تيقنهم بأن الدولة في شلل وانعدام حلول، وانعدام معالجة للأوضاع من قبلها، حتى أنه وصل إلى عدم الاكتراث لوجودها، والسبب عائد الى فساد مؤسساتها وشخصنة المواقع لأصحابها، وعدم المبالاة بمستقبل الوطن.

الخطأ هو خطأ، ولا اعتبار لمن قام به، وكوني مسلماً لا يتوجب عليّ القبول بالخطأ، لمجرد أن فاعله مسلم، وكوني مسيحياً لا أخالف الكنيسة إذا اعترضت على خطأ قام به مسيحي

وأنا هنا أدلي برأيي في هذا الشأن كوني مواطناً، يعيش ويحمل هوية هذه البقعة من العالم “لبنان”، ولست لكوني مسلماً أو مسيحياً ومتمذهباً، وهنا تبرز الاشكالية في أن قسماً من اللبنانيين، يقاربون كل مسألة ويسوقونها، ويقسطونها على خلفية انتمائهم الطائفي، وليس بحسب هويتهم اللبنانية، التي هي اعم واشمل من كل المسميات التي سبقت. فالخطأ هو خطأ، ولا اعتبار لمن قام به، وكوني مسلماً لا يتوجب عليّ القبول بالخطأ، لمجرد أن فاعله مسلم، وكوني مسيحياً لا أخالف الكنيسة إذا اعترضت على خطأ قام به مسيحي، وهذا أمر تندرج تحته كل الديانات والطوائف والمذاهب.

وبالعودة إلى ساعة الرئيسين، التي خالفت توقيت العالم، بعد أن تخلف لبنان عن اللحاق به، ظناً منهما أنهما قدما هدية الصوم، والتي “ليست من كيسهما” لقسم من اللبنانيين، لم تكلفهما سوى جلسة مسامرة ومسايرة، “بعد أن فسرا الماء بالماء، لأن ما نعرفه عن الصوم هو الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس”، وللصيام أحكامه التي يعود بها الصائم إلى رأي مذهبه، فمن أين جاءت هذه البدعة باسم الصائمين، الذين لا حاجة لهم بها.

ما يحتاجه اللبنانيون منكما، ومن غيركم من المسؤولين في الدولة، هو القيام بواجباتكم كمسؤولين في تأمين حاجيات المواطن للحياة الكريمة

ما يحتاجه اللبنانيون منكما، ومن غيركم من المسؤولين في الدولة، هو القيام بواجباتكم كمسؤولين في تأمين حاجيات المواطن للحياة الكريمة، من استعادة امواله واستقرار اقتصاده وطبابته، وأمنه وتعليمه وضمانه، المطلوب منكم دولة مكتملة لا “حارة كل مين إيدو إلو”، وساعة من الانعتاق من عقارب الفقر والحاجة والخوف من الغد، وليس ساعة لا تقدم النهار ولا تقصر من الليل.

ولو كنا في دولة معافاة من أمراضها الخطيرة وأورامها المنتشرة، لما كانت هكذا مذكرات تؤثر في الجو العام، ولكن عدم ايجاد علاج، بدءاً من جزئيات صغيرة يحتاجها المواطن، هي التي جعلته في حال من الاستغراب.

من مهمات الدولة السليمة حماية نفسها وناسها، من خلال طرح مقررات تحد، من اتهامها بالتقصير والتقاعس، ورفع الفقر عنهم ومحاسبة الفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية،وليس لها طرح أمر، لا تجتمع عليه الآراء إلا لاشغالهم عن مطالبهم المحقة، وملاحقة أمر لا يطعم ولا يغني من جوع.

وما يترتب على أهل الحكم في البلاد، الكثير من الواجبات المُقدمة على التوقيت الاعتباطي، الذي أضاف مشكلة بالغنى عنها، مشكلة على سائر المشاكل، أليس من الأجدى أن نجعل الأمر في أوانه، بدل افتعال تقليعة غير ملائمة، أليس من الأجدى البدء بالاصلاحات بدل تدمير ما تبقى من وميض أمل؟

الذي حصل خروج عن المزاج العام اللبناني، لعل بعضهم لا يعير قيمة للوقت أصلا، بسبب الحال التي وصلنا إليها، وبعضهم يعتبرها ضربة كف وتعليمة اسلامية، وبعضهم يعتبرها ساعة لإعلان حرب أهلية! وآخرون يرون فيها عدم مبالاة وقلة اكتراث، وضعف ووهن واستئثار وخروج عن القواعد العامة، ومزاجية وارتهان لعقلية الشخص “الأنا” “الأوحد” في الحكم، على صيغة “مشّيلنا ياها”ونُفذ الأمر بلا قانون بكل بساطه.

والميل عندي هو إلى الرأي الأخير، ومن هذا المنطلق لن أتمذهب ولن أتحزب، واتعصب ان أكون مسلماً أو مسيحياً، سأكون كما كنت أقارب الأمور كإنسان مواطن، ولا أجد أي داعٍ لزج السماوات والأديان والمذاهب في هذا الجدال، لأنني أعتبر أن الأديان التي تدعو اتباعها للسلام والتقارب والالتقاء، هي اشمل واكبر من استخدامها في أمر عاش اللبنانيون تجربته، وتبين لهم أن الأديان فقط، كانت تستخدم كوسيلة نظيفة لغايات مدمرة.

باختصار صدور القرار واعطاءه طابع رمضاني واكرامية، جعل منه محطة خلافية بين مؤيد ومعارض على أنه قرار اسلامي، واعتباره نقيضاً للتعددية الدينية ولحالة التنوع، ولو كانت الدولة قوية وشاملة باحكامها، وعادلة بانصافها ومالكة لأمرها لما حصل الأمر، وأدى الى الخلاف، فلا يهمني كمسلم أو مسيحي أن تقرر الدولة مطلع الأسبوع الاثنين أو الأحد، وعطلة الأسبوع أي يوم آخر، ولكن ضعف الدولة والتصرف بطريقة غير مؤسساتية، هو الذي شكل المنفذ لاصابة المجتمع بأمراض الانقسامات، وعلل التفسيرات وصولاً الى مذهبة كل شيء، وإلا كيف نحتفل بعيد البشارة معاً ونتفرق على التوقيت.

لا يمكن التعايش مع القلق والخوف، بسبب الاستقواء، ولا يمكن الاستمرار بالحكم بالمزاج

فلا يمكن التعايش مع القلق والخوف، بسبب الاستقواء، ولا يمكن الاستمرار بالحكم بالمزاج، ولا تصح أبدًا الفهلوة، في عدم اشراك اهل الاختصاص كل في مجاله.

اللبنانيون ينتظرون العدالة الاجتماعية، والحريات وادارة البلاد من خلال المؤسسات، وهذا الأمر هو ما يعزز ارتباط المواطن بدولته ووطنه.

اننا لن ننجو في لبنان من ساعة الدمار الكامل على صعيد الترابط المجتمعي، إذا استمر المسؤولون فيه يصبغون مقرراتهم باللون الطائفي والمذهبي والحزبي، والمطلوب منهم التصرف كرجال دولة، عكس ما جرى ويجري، لأن ذلك يؤثر سلباً على المواطنين، ويعزز فكرة التشرذم، هذا، مع أننا نعيش في ظلّ اللادولة بلا رئيس وبلا مؤسسات فاعلة، وقد قيل عن عجز الدول”يا دولة سخرت من عجزها الدولُ”.

السابق
الدولار «الأسود» يُحلّق.. كيف أقفل مساءً؟
التالي
⁧‫العسكريون‬⁩ المتقاعدون يصعدون: مفتاح ⁧‫شر‬⁩ كبير