
تتردَّدُ في اوساطٍ لبنانيةٍ متعددة، مقولةٌ تَصِفُ حزبَ الله بأنَّه حزبٌ إيراني، وتستندُ هذه المقولةُ الى جملةٍ من المواقفِ والحقائقِ تُبيِّنُ علاقةَ حزب الله بإيران، وهي علاقةٌ لا يُنكِرُها حزبُ الله ولايَنفيها، بل كانت على الدوام معلنة، وموضوعَ تباهٍ واعتزازٍ اعلنَهُ السيد حسن نصرالله، في مناسبات عديدة، بل حرص على تجديد اعلان ولاء الحزب لطهران في كل مناسبة؛ سواء كان ذلك ضروريا ومطلوبا ام لم يكن.
وفي تصريحٍ لم يمضِ على زمانه كثيرا، قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الامين العام لحزب الله، نحن لسنا حلفاء لايران في لبنان، بل نحن ايران ذاتها في لبنان.
فبأي ايران يرتبط الحزب وعبر اية مؤسسات وضمن اية هيكليات يتعامل ويتفاعل؟!
وعلى الرغم من كل هذا السيل من الكلام الذي اصبح شائعا وشبهَ مسلم به، لم يحدث ان قام أحدٌ، بدراسة طبيعة هذه العلاقة ومرتكزاتها والحقائق الواقعية لعلاقة حزب الله بايران، وتاليا لعلاقة ايران بشيعة لبنان، فبأي ايران يرتبط الحزب، وعبر اية مؤسسات، وضمن اية هيكليات يتعامل ويتفاعل؟!
علاقة حزب الله في إيران هي علاقة مزدوجة المسارات، في المسار الأول، تندرج إمرة الحزب وعملياته، وتشكيلاته وأسلحته ومعداته وماليته ودعمه اللوجستي وخدماته، هو جزء من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، اما في المسار الثاني فهي علاقة من طبيعة عقائدية، تتلخص بتبني الحزب لنظرية ولاية الفقيه الشاملة ومبايعته للإمام الخميني، ومن بعده لخليفته السيد علي الخامنئي.. وولاية الفقيه هذه، ليست عقيدة شيعية شاملة ومكرسة، لدى عموم الشيعة ومرجعياتهم الاساسية، لا في الماضي القديم ولا في حاضر حوزات النجف الاشرف في العراق، او حتى لدى اغلبية معممي مدينة قم.
علاقة حزب الله في إيران هي علاقة مزدوجة المسارات في المسار الأول تندرج إمرة الحزب وعملياته وتشكيلاته وأسلحته ومعداته وماليته ودعمه اللوجستي وخدماته
واذا كانت هذه العقيدة قد قام الامام الخميني بتجديد اطلاقها وتبنيها، معتمدا على اعلميته الدينية كمجتهد فقيه برتبة “آية الله” وعلى مهابته السياسية، وشرعيته الثورية، كقائد لحركة تغيير جماهيرية عارمة، فإن ولاية الفقيه كنظرية وتطبيق، تعاني اليوم في إيران وفي مؤسسات نظامها الديني ذاته، من جملة اعتراضات، وتتصاعد من كل صوب دعوات للتخلي عنها أو تعديل تطبيقاتها، مع ميل لدى علية القوم في النظام، لتقليص صلاحيات المرشد والحد من سلطته، وتتقاطع هذه الاعتراضات والدعوات مع الصراع القائم حول وراثة موقع المرشد، والمحاولات الحثيثة التي يبذلها بيت المرشد، لضمان انتقال السلطة للسيد مجتبى وريثا لوالده.
ولاية الفقيه كنظرية وتطبيق، تعاني اليوم في إيران وفي مؤسسات نظامها الديني ذاته من جملة اعتراضات وتتصاعد من كل صوب دعوات للتخلي عنها أو تعديل تطبيقاتها،
والحقيقة البسيطة، ان فيلق القدس والمرشد الخامنئي لا يختصران كل إيران، ولا يعبران عن كل ما فيها؟! تماما كما لا تستوعب ولاية الفقيه الشاملة ولا ترضي، كل اتجاهات التشيع وفقه المذهب الجعفري الاثني عشري؟! وهي حقيقة تبقى قائمة، على الرغم من أن الحرس الثوري، حتى اليوم، يعتبر عامودا اساسيا من اعمدة نظام الملالي في طهران، قوة عسكرية، ونفوذا سياسيا، وفعالية اقتصادية، وفي وقت يمسك المرشد بكل مفاتيح القرارات الاساسية في ايران…
على الرغم من كل ذلك، يتبدى الواقع الإيراني مختلفا، ويبرز توازنات، على النظام مراعاتها، تتضمن مواقع الجماعات العرقية والمذهبية، ويظهر حراك الاتجاهات السياسية وتفاعل المرجعيات الدينية المتعددة، فيما تعبر الفعاليات الاقتصادية، والقطاعات الإنتاجية ونقابات المعلمين والجامعات والعاملين في الدولة وقطاعات النفط والطاقة والصناعات التحويلية، عن خيارات بديلة عن خيارات نظام رجال الدين والولي الفقيه، وفي الوقت الذي يتبنى فيه الشباب وطلاب الجامعات، ونساء ايران والنخب الثقافية والعلمية والمهنية، نمط عيش وقيم ثقافية، تتناقض مع النظام الديني وحكم الملالي وتواجه املاءاته وتعليماته ومقدساته، بشكل جذري وشامل.
كلن حزب الله الاداة الاساسية الفاعلة في مسار هذا الخراب العميم الذي أصاب دول المنطقة قتلا وتهجيرا ودمارا وطال ايران فقرا وبطالة وشظف عيش و انهيارا اقتصاديا وماليا!!
والاستراتيجية والزعم هذا، مكنا ايران من زعزعة استقرار دول الجوار ومن مد نفوذها وسطوتها الى دول المشرق العربي كافة، ومن إضرام اوار النزاع المذهبي بين الشيعة والسنة، وكان حزب الله الاداة الاساسية الفاعلة في مسار هذا الخراب العميم، الذي أصاب دول المنطقة قتلا وتهجيرا ودمارا، وطال ايران فقرا وبطالة وشظف عيش و انهيارا اقتصاديا وماليا!!
بعد تحرير الجنوب وتنفيذ القرار الدولي رقم ١٧٠١ وارساء اسسه، وبعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع كيان العدو، وقبول لبنان بالشراكة مع اسرائيل في عائدات حقل، قد يكون وهميا، اسموه قانا، فإن الوظيفة الاقليمية لحزب الله، تستمر باستمرار خيار تصدير الثورة، وتنتهي بانتهائها.
لو صدقنا جدلا، ان ايران ستكف عن السعي لتصدير ثورتها، وأنها ستنزل عن شجرة المبالغة العقائدية، التي جعلتها في مواجهة حامية مع ثلاثة ارباع الكرة الارضية، ومع اكثرية الشعب الايراني الغاضب، لو حدث كل ذلك، وهو أمر ممكن ومنطقي، ماذا سيفعل حزب الله في لبنان!! وماذا ينتظره؟! هل يعود حزبا دينيا، تتفاعل مع عقيدته الشريحة الشيعية المتدينة؟! وهي لا تتعدى في أحسن حال ثلث الطائفة لا أكثر! وماذا ينتظر شيعة لبنان في السياسة والاقتصاد، والعلاقات مع محيطهم ودولهم والجماعات الاخرى في اوطانهم؟!
والأسئلة مطروحة ليس على حزب الله، بل على نخب واصحاب رؤى في الواقع اللبناني عامة، وفي الواقع الشيعي خاصة، حيث تعرضت الاخيرة للتخوين والاتهام والمحاصرة والاغتيال، لكنها صمدت وواجهت، وقد أزِفَ اليوم موعدُ الاعتراف لها بصوابية خياراتها، كما آن أوان التعامل معها كطرف يستحق الدعم والاحترام.