
كتب الكاتب والباحث والصحافي غسان صليبي على صفحته على الفايسبوك عما بعد “معركة جونية الرياضية”، فقال : ” في اليوم التالي على “معركة” جونيه بين نادي الأنصار ونادي العهد، قصدت أرض “المعركة” في مجمع فؤاد شهاب الرياضي، حيث امشي يوميا في الصباح الباكر.
لم يكن هناك ما يدل ان “معركة مصيرية” حصلت هناك، سوى ما تبقى من الكراسي المكسّرة المقتلعة من الباطون
على مدرجات الملعب، فيما جرى رفع النفايات وادوات أخرى استخدمت في “المعركة”.
لم أضيّع وقتي في طرح الاسئلة التاريخية التي أصبحت اجوبتها بديهية، من مثل: لماذا نادي العهد شيعي ونادي الأنصار سني، لماذا يصطدم مناصرو النادي الشيعي مع مناصري النادي السني، لماذا لا يوجد روح رياضية بين مواطنين لبنانيين،
ينتمون الى مذاهب إسلامية مختلفة تتصارع وتتحارب منذ ١٤٠٠ سنة وحتى اليوم؟
كما أنني لم اسأل الأسئلة الظرفية من مثل: ما الذي أشعل نيران “المعركة” المشتعلة قبل بدء المباراة بعقود،
أهو قرار الحَكَم الذي احتج عليه نادي الانصار، ام منع القوى الأمنية احد المشجعين من نادي الانصار من الدخول الى الملعب، ام الشعارات المذهبية التي تبادلها الطرفان، مواكبةً “للمعركة المصيرية”؟
ما شغل بالي اكثر هو علاقة كراسي الملعب المثبتة في الباطون، بالمعركة التي دارت بين الفريقين.
وشغلة البال هذه، ليست هاجس باحث اجتماعي مثلي يريد أن يعرف ويحلل ماذا يجري في بلاده التي حلّت عليها اللعنة،
بقدر ما هي نتيجة قلق مواطن يحب أن يمشي كل صباح في هذه الفسحة الصغيرة من الارض، بعيدا من عجقة الحياة
والتفاهات السياسية والمذهبية، وطمعا بساعة هدوء في وطن الضجيج المستمر، لعل ذلك ينعش الروح والجسد
في آن واحد، اللذين باتا يحتاجان الى عناية فائقة يومية.
كنت في العادة وانا ادور حول الملعب، واقرأ اسم فؤاد شهاب في أعلى المجمّع، اتذكر عهده بفخر المترافق مع حسرة المواطن الذي لم يتبقَ له من الدولة سوى هياكل وركائز مؤسسات بناها هذا الرجل العظيم، وبت أخشى اليوم
بعد “المعركة المصيرية”، أن يقفز الى وعيي في كل صباح، مشهد المواطنين الذين يقتلعون الكراسي من مدرجات الملعب.
وربما سأبقى اتساءل لفترة وانا ادور حول الملعب كما يدور اللبنانيون حول مآسيهم، لماذا اقتلع المناصرون الكراسي
رغم أنها مثبتة بالباطون؟
الجواب البسيط الذي له ما يدعمه من امثلة تاريخية، هو انها غزوة اتباع المذاهب على ممتلكات الدولة التي تعوّدوا على نهبها، فالمجمّع تابع لبلدية جونيه، والبلدية هي من مؤسسات الدولة.
الجواب الابسط الذي له ما يدعمه من امثلة تاريخية أيضا، هو انها غزوة مسلمة على ممتلكات مسيحية، في جونيه هذه المرة، “عاصمة” كسروان، مع العلم ان في التاريخ أمثلة أخرى، عن غزوات مسيحية لممتلكات مسلمة.
اين يختفي هذا الغضب الشديد طيلة أيام الأسبوع، بدل أن يصب في مواجهة كل من يتسبب بتحطيم حاضر ومستقبل
المناصرين الغاضبين واولادهم؟
الجواب الأكثر تعقيدا لكن الأقرب الى فهمي للامور، هو أن المناصرين الغاضبين “فشّوا خلقن” بالكراسي، وكأن مشجعي الطرفين لم يستطيعوا أن “يفشّوا خلقن” بعضهم ببعض كما كانوا يتمنون.
لكن من أين جاؤوا بهذه القوة الجسدية لإقتلاع الكراسي من الباطون، وهو ما لا يتوفر الا في حالة الغضب الشديد؟
هل هذا الغضب الشديد هو فعلا نتيجة احتمال خسارة مباريات رياضية مع خصم من مذهب آخر؟
اين يختفي هذا الغضب الشديد طيلة أيام الأسبوع، بدل أن يصب في مواجهة كل من يتسبب بتحطيم حاضر ومستقبل
المناصرين الغاضبين واولادهم؟
هذا الغضب الشديد، المعبّر عنه في تحطيم الكراسي التي كان يجلس عليها المناصرون الغاضبون ليستمتعوا بالمباراة،
لماذ ا تراه لا يصب في تحطيم كراسي الزعامات، الذين صرّح احدهم قبيل بدء المباريات، وهو الداعم لنادي الأنصار
النائب نبيل بدر-انه “سيأخذ البطولة بالدم”، ربما ردا على خصومه السياسيين من المذهب الآخر، الذين بحسب اعتقاده
انتصروا عليه سياسيا بالدم، وقد هتف اتباعهم في المباراة نفسها، “الله، سوريا، بشّار وبس” بمشاركة مدرّب نادي العهد،
السوري الجنسية؟
إقرأ أيضاً: ترك نائب سابق وعميد متقاعد «تعهدا» بعدم التعرض للامن العام!
انها تمطر اليوم، ويا ليت مياه المطر تجرف معها ما اريق من دماء، معنوية وأخلاقية ووطنية على أرض الملعب، وانا ذاهب إلى هناك لاتفقد أين أصبحت عملية استبدال الكراسي، لعلني استطيع ان اوهم نفسي أن هذه الفسحة الصباحية
لا زالت “سالكة وآمنة”، كما كنا نقول عن الطرقات في أيام الحرب.
لا اخفي شعوري الخبيث، الذي قد لا يعجب الكثيرين من أتباع “المسيحيين الاقوياء”، بأنني سعيد بالعيش في بيئة
اصبحت تعاني من فائض الضعف بعد ان كان زعماؤها يحكمون البلاد، وباتت نواديها لا تستطيع كما نوادي البيئات الأخرى،
أن تشارك في مباراة في احد ملاعب هذه البيئات، وتتجرأ على اقتلاع الكراسي من مكانها.