المرأة اللبنانية العالقة بين «الذكورية» والشرع والسياسة.. و«بريستيج» الحركة النسوية!

دكان تجارة في لبنان

يتبدّى تحرّر المرأة وكذلك تقدّمها، حاجة ملحّة لكلّ مجتمع يتطلّع إلى الرقيّ والتقدّم، وضرورة وطنية ايضاً، باعتبارهما يشكلان ركيزتَين للنهوض بالوطن.

و إذا ما استعدنا تاريخ المرأة العربية عموماً، وسيّما اللبنانية، لوجدنا أنها لم تبخل، إن جاز التعبير، على نفسها بالتضحيات التي قدّمتها في سبيل تحرّرها من هيمنة ذكورية، لم تتوانَ عن استنزاف طاقتها على المستويات كافة، الأسري و الاجتماعي و المهني و حتى السياسي، مستمدّةً بذلك (أي الهيمنة الذكورية) طاقة للتعويض عن ضعف وليس، كما يبدو انعكاساً لقوّتها.

المرأة أسهمت، بطريقة أو بأخرى، في ترسيخ الثقافة الذكورية عندما أدّت دورَين: مستودع حفِظ قيمها، و وسيط قام بنقلها!

نجحت المرأة اللبنانية في تجسيد نموذج مثاليّ، عن المرأة الرافضة لواقعها المرير والمستلَب، والمجابهة لمحيطها القمعيّ والمضطهِد، فكانت حياتها عامرة بمسيرة نضال، في محاولة منها لاكتساب مكانتها كعنصر فاعل في مجتمعها، من خلال محاولتها لفكّ “حصار” الذكورية. وتجلّى نضالها في انتفاضتها على مجتمع أمعن في اقصائها، منذ نعومة أظافرها إن جاز التعبير، عبر تنشئة استدخلت من خلالها قيم الخنوع والاستسلام والدونية. و كأنه تعمّد بذلك “‘خلق” عنصر خانع، يستخدمه فقط في عملية “تكاثر” تؤمّن له الاستمرارية. ولم تستطِع المرأة مع مرور الوقت التفلّت من هذا النمط. حتى بعد أن حصّل الكثير من النساء على مستوى تعليمي جامعي، فإنهن بقين “متمسّكات” بقيم مجتمعهنّ الذكوري، و أكثر من ذلك حرِصن عل نقلها إلى أطفالهن. وعلى هذا النحو، يمكن القول أن المرأة أسهمت، بطريقة أو بأخرى، في ترسيخ الثقافة الذكورية عندما أدّت دورَين: مستودع حفِظ قيمها، و وسيط قام بنقلها!

المفارقة التي تجلّت، تمثّلت في أنه بالرغم من “ضلوع” المرأة نفسها في تعزيز المجتمع الذكوري، كما أوضحنا، وقد يكون ذلك بدراية منها أم لا، فإنها سعت دائماً و ما تزال إلى التخلّص من وطأة ثقافته تلك. وفي كلّ مرة كانت تسعى إلى رفض قيم مجتمعها محاولة العيش بما يتناسب مع نظرتها إلى الحياة و اقتناعها فيها، كان يلجأ هذا الأخير إلى معاقبتها بكل الوسائل المتاحة له، من لوم واساءة سمعة وتحقير، وصولاً إلى توظيف الدين من خلال اجتهادات يمكن أن يقال عنها “ذكورية” .

كما أتت محاكمه الشرعية الراعية لقوانين الاحوال الشخصية “المهترئة”، إن جاز التعبير، لتكيل على المرأة الأحكام الجائرة، بعد أن جعلت الطائفة وصيّة على حياتها، فتمادت، أكثر فأكثر، ومن خلال ذكوريتها في الحدّ من كرامتها. وما جرى من انتهاك حقوق الكثير من الأمهات في حضانة أطفالهن، بالاضافة إلى حرمان الكثير من النساء من الميراث أو تعرّضهنّ للتهديد والقتل، يمثّل دليلاً قاطعاً على غياب قوانين عادلة، أو قابلة للتنفيذ تحمي النساء أو ضعفها. وليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب، فالقانون في المجتمع الذكوري هو ذكوري!….لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن المحاكم الشرعية مليئة بالفساد، بحيث ترجّح كفّة الحكم لصالح من “يدفع” أكثر، سواء كان امرأة أو رجلاً.

وإذا كانت الاجتهادات الشرعية أمعنت في “تسخيف” المرأة اللبنانية و “تشييئها”، فإن السياسة لم تأتِ لتنصفها بل، على العكس، حاكت أساليب الاجتهادات الدينية. و لا يمكن استغراب هذا الواقع و استهجانه، لأن طائفية النظام السياسي اللبناني أبعدت السياسة عن مهمتها الأساسية، المتمثّلة في إدارة شؤون المجتمع وتأمين الاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي للمواطن. و بدلاً من أن تنقذ المواطنين من أزماتهم ، ومنهم النساء، فإنها التزمت بمصالح مافيا الطوائف واحزابها على حساب كرامة هؤلاء.

وإذا كانت الاجتهادات الشرعية أمعنت في “تسخيف” المرأة اللبنانية و “تشييئها”، فإن السياسة لم تأتِ لتنصفها بل، على العكس، حاكت أساليب الاجتهادات الدينية

أقصت الحياة السياسية “الذكورية” في لبنان المرأة، فلم نسمع برئيسة حزب، حتى في الأحزاب التي تطلق على نفسها صفة العلمانية واليسارية والثورية، ولم نرَ رئيسة مجلس نيابي ولا حكومة.. وحتى من وصل من النساء إلى مراكز قرار ، كنّ واجهات لا أكثر و لا أقل!…وأتى رفض الكوتا النسائية ليعزّز أكثر ذكورية النظام الطائفيّ اللبنانيّ .
وساء الحال أكثر عندما تحوّلت الحركة النسوية إلى “بريستيج”، لذلك فشلت في تغيير واقع المرأة اللبنانية، التي “تواطأت” مع الثقافة الذكورية ضدّ ذاتها، و ارتضت عموماً أن تكون مادة دسمة، وفي نفس الوقت، سهلة للاستلاب و البقاء تحت “عباءة” الهيمنة الذكورية.

ساء الحال أكثر عندما تحوّلت الحركة النسوية إلى “بريستيج”، لذلك فشلت في تغيير واقع المرأة اللبنانية، التي “تواطأت” مع الثقافة الذكورية ضدّ ذاتها

خلاصة القول، وقعت المرأة اللبنانية بين فكّي كمّاشة، تمثّل الأول في اجتهادات شرعية، أطلقها دجّالون أميّون بحيث ارتضت البقاء رهينة لها. أما فيما يتعلّق بالفكّ الثاني، فتجلّى في مواقف سياسية أطلقها رجال سياسة منافقون، نادوا بتحرّر المرأة ظاهرياً و وقفوا في وجهه ضمنياً.
أخيراً ، يبدو أنه ما زال أمام المرأة اللبنانية الكثير من أجل أن تنتفض أولاً على ذاتها “الخانعة”، وتتحرّر من سجن “تماهيها” مع الثقافة الذكورية، لتؤدّي بذلك دورها الفاعل في النهوض بوطنها.

السابق
«خاص جنوبية»: القاضي صقر من «الإطاحة» إلى التقاعد.. من هو رئيس «التمييز العسكرية» الجديد؟!
التالي
١٢ إصابة «كوليرا» في صفوف النازحين في بلدة الماري.. ومنع الاختلاط و الدخول والخروج إلى منطقة المجيدية