صيدا..العين تقاوم المخرز!

مدينة صيدا

نحتفل في السادس عشر من شباط كل عام، بذكرى تحرير صيدا ومنطقتها من الاحتلال الاسرائيلي، وهذا العام هو الثامن والثلاثين للتحرير.

في حزيران ١٩٨٢ كنت أعمل في بيروت، عشت فيها ايام الحصار من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، عدت في نهايات آب ١٩٨٢ الى مدينتي صيدا التي كانت يومها تحت الاحتلال.

التقيت بأحد فاعليات المدينة الذي سألني:” لماذا عدت الى صيدا؟” اجبته:” كي اقوم بما يمكن القيام به في وجه الاحتلال”. ضحك طويلا واجابني:” هل تقاوم العين المخرز؟”. يومها لم اجبه، ولعله الان لا يتذكر حديثنا.

لقد خسرنا عيونا كثيرة بعضها من المدينة وبعضها الآخر من أنحاء الوطن، لكن هذه العيون وما لحق بها من ضرر، أجبرت اليد التي تحمل المخرز على الانسحاب، دفعنا ثمنا غاليا خلال فترة الاحتلال، ودفعنا عيونا اخرى عند اضطرار العدو للانسحاب.

لكن يبدو ان المخرز الداخلي اكثر صلابة من المخرز الخارجي. اذ بعد ذلك بنى النظام الطائفي صيغة لسلطة طائفية جديدة تستند الى محاصصة قضت عقودا في نزاعات وتفاهمات حول حصة كل منها.

لم يبق سوى الذكريات التي تعيدنا الى أيام فقدنا فيها عيونا اقتلعت لتفتح لنا أبواب وطن لم نستطع ان نبنيه

في زمن الاحتلال الاسرائيلي رفعنا شعار:”الوطن باق والاحتلال الى زوال”. زال الاحتلال وكسرت اليد التي حملت المخرز، لكن سلطة المحاصصة التي اجهزت على مؤسسات الدولة، وتقاسمت الادارة واوقفت اي نمو اقتصادي واصرت على الاقتصاد الريعي، وفتحت أبواب النهب المالي، اجهزت باعمالها على ما تبقى من وطن، سلطة كل قوة طائفية أقوى من سلطة الدولة، والمناطق تحت سيطرة سلطات قوية تتبع لهذا الطرف او ذاك.

إقرأ ايضاً: بعدسة «جنوبية»: «يوم الغضب ضد المصارف»..إقتحاماتٌ وتكسير واجهات!

وفي هذه المدينة الوطنية مدينة صيدا، شهدت اوسع تراجع في جميع المجالات، بعد التحرير بدأت التيارات المذهبية والطائفية بالبروز على حساب التيار الوطني اللبناني، وتحولت الى مساحة تستخدم لاغراض سياسية خاصة، السلطة المركزية غير مهتمة، بل وبسبب تقاسم الحصص، كانت ترمي الفتات هنا، اما السلطات المحلية فلم تحمي المدينة والمنطقة ولم تعمل على تنميتها. لا خطة استراتيجية للتنمية المستدامة بل طرحت مجموعة مشاريع لا صلة بينها، وخلال ٢٥ عاما، نجحت السلطات المحلية في إشاعة الفوضى في المدينة، وتحولت عاصمة المقاومة الى عاصمة النفايات، وتحول شاطىء البحر فيها الى مصب للمجارير.

لا تنظيم للمدينة ولا مخطط توجيهي عام لها. معظم شبكات مياه الشرب فيها تعاني من اهتراء، ومولدات الكهرباء تتحكم بالمنطقة بحمايات مختلفة.

المخرز الداخلي اكثر صلابة من المخرز الخارجي حيث بنى النظام الطائفي صيغة لسلطة طائفية جديدة تستند الى المحاصصة

لا رعاية صحية والمستشفيات العامة غير عاملة في خدمة المواطنين، والتعليم العام يعاني من مشكلات بنيوية عميقة، ولا رؤية عن أي مدينة نريد؟ فماذا بقي من الوطن ومن التحرير؟

لم يبق سوى الذكريات التي تعيدنا الى أيام فقدنا فيها عيونا اقتلعت لتفتح لنا أبواب وطن لم نستطع ان نبنيه، بسبب النظام الموجود، والذي يضحي اربابه بالكيان كي يبقى النظام.

لكن ذلك لن يغلق الأبواب امام من يريد أن يقف شامخا ولا ينحني لظالم داخلي كان ام خارجي.

السابق
بعدسة «جنوبية»: «يوم الغضب ضد المصارف»..إقتحاماتٌ وتكسير واجهات!
التالي
ملتقى التأثير المدني..لتصويب بوصلة المواجهة لتستقيم دولة المواطنة