لم يُغفل دلول في حديثه “بصمة” الحريري في النهوض بلبنان، واختار بسرد “دقيق” أن ينقل صورة رجل استلهم منه “الطيبة”، في علاقة صداقة مكًنته من اكتشاف “خفايا” نجاح سياسي، ارتكز فيها الحريري على طموح سخّر له الطاقة والإمكانات للنهوض بلبنان المعدوم، كما كشفت “طينة” الإنسان الذي كان مندفعاً “خدماتياً الى حدّ دفع المتضررون الى اغتيال مشروعه المرتكز على صدق وشفافية.
أمعن دلول في الغوص بتفاصيل رحلة الشهيد خلال الندوة التي أقيمت في مكتب “جنوبية” في ذكرى “14 شباط”، وأدارها الزميل احمد عياش في حضور: رئيس تحرير الموقع علي الأمين، باسم سعد، نسيم أسعد، محمود أبوشقرا، محمد علي مقلّد، علي حرب، مجيد مطر، نضال أبو شاهين، قاسم قصير، اسماعيل فقيه، أحمد عليق، علي قشمر، نوال الحوار،إياد البنا، ميشال فلاح، علي خليفة، يوسف مرتضى، بشارة صليبا، سهيل ناص، علي حرب، عبد اللطيف مروة، علي مروة، تيدي أبو رجيلي، عصام مروة، محمد الحسين، منير الربيع، مجد الحسين، وشخصيات.
عياش: شهادة كاملة وموثقة في كتاب
لم يغب عن عياش أن يُقدم نبذة عن دلول الصحافي العريق وصاحب المؤلفات، ولفت الى أن كتابه عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو الوثيقة الأولى التي تحدثت عن الراحل.
وأوضح أنه ” خلال عقدين رافق دلول الحريري في الحياة السياسية مباشرة، إنما كان الفضول الصحافي يرافقه، والدليل ان هذا الكتاب يروي الكثير من التفاصيل التي ليست لها علاقة بالسياسة، ففضول محسن دلول عرضه في الكتاب الذي لا يقدم فقط مقتطفات من حياة رفيق الحريري، بل شهادة كاملة وموثقة”.
وأشار الى “أن الكتاب الذي اطلقه دلول مع الزميل يوسف مرتضى، قدم بالتفصيل وفي حوار مع الرئيس رفيق الحريري، ما الذي أعاق قيام الدولة في لبنان، وأطل على شخصيته، ومحاولته خلق صلات على أساس المال بينه وبين الناس”.
دلول: حزين لأني حملت رسالتين مشؤومتين في حياتي
من وجهة نظر دلول، فإن كل شخص كبير تكون حوله اشكالية، ويتم البحث من أين أتت والى ابن ستذهب والى أين ستؤدي بنا؟، ولفت الى أن بداية الرحلة مع رفيق الحريري منذ يوم اللقاء الأول، فلمست بأنه يريد أن يكون سياسياً، بقوله:”املك ثروة وأريد أن أضعها في يد شعبي”.
رد على التهديد بقوله: سأبقى ولن أكون لاجئ سياسي في بلد آخر حتى لو قتلوني
وقال عندما سألته :”ما الذي بجبرك؟”، كان جواب الحريري:”قناعتي المطلقة، فأنا وضعت مبلغ لعائلتي وما تبقى أريد الإهتمام بوطني، أنا لم أهاجر لأترك وطني، بل لأخدمه وطني، لذلك اريد منكم نقل مشروع لسماحة السيد محمد حسين فضل الله ببناء وحدات سكنية في الضاحية للتخفيف من الاكتظاظ، وأن طموحي اراحة بيروت وفتح واجهات ومداخل بيروت شرقاً وغرباً”.
لفت دلول الى أنه “تحمس للمشروع”، وقال:” عقدت جلسة مع السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، وضحك وقال لي انا واثق من صدقه واخلاصه، ولكن قم بنصحه بأن عامة الشعب لن يفهموا عليه ويدركوا مدى صدقه واخلاصه، لأنهم سيقولون أنه يريد تفتيت الشيعة ولبناء الجسور والمستشفيات من أجل بيروت السنّة، والأمور سوف تأخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً، فقم بنصحه وقل له يسحب المشروع”.
أضاف دلول:”فعلاً أردت الاتصال برفيق الحريري، وبعد أيام قال لي وليد جنبلاط اريد السفر معك إلى السعودية للقائه، وقلت له أنا أيضاً أريد لقائه، فذهبنا وقلت له بأن سماحته ينصحك بسحب المشروع ، فقال لي طيب، ولم يكن له أمل وهدف بالوصول إلى السلطة في ذلك الوقت وكنا في في حالة حرب وأصوات مدافع وقذائف، فقال لي رفيق اسأله ماذا يريدون في الضاحية،وكيف استطيع أن أخدم”.
وتابع:” خلال الحديث وليد يتحدث عن بيع مزرعة لرفيق، فيما الأخير يتكلم في السياسة، ثم قام بزيارتنا في الفندق، فسأله وليد ماذا فعلت بالمزرعة، فقال له سوف اشتريها منك، فأنا لم أقم بشراء عقار في لبنان بمحض ارادتي، فكلما يأتون ويعرضون عليي واشتري كنوع من التيسير”.
وأوضح دلول أنه حين سألني جنبلاط:”ما رأيك برفيق؟، أجبت:” إنه صادق مه نفسه ويمكن الوثوق به، الله يستره من ان يتورط بالسياسة في لبنان”، فقال له جنبلاط :”لا أعتقد”.
تطرق دلول الى رسالتين كان لهما تأثير في حياته كما على الوطن، فقال: “أنا حزين لأني حملت رسالتين مشؤومتين في حياتي، الأولى من وزير خارجية تونس حبيب الشطي إلى معلمي واستاذي وملهمي كمال حنبلاط، ويقول فيها يا كمال هناك خطوط في المنطقة تمشي وستأخذ المنطقة، فإنتبه إلى نفسك وارجوك غادر البلد، وهذا كان قبل اغتيال بفترة وجيزة”.
أضاف:” الرسالة الثانية الى رفيق الحريري وأبلغته بها قبل 24 ساعة من عبد الحليم خدام بأن يخرج من البلد لأنه مهدداً باغتياله، فكان رده أنني لا أؤذي أحد وأنا إنسان مؤمن سوف أبقى ولن أكون لاجئ سياسي في بلد آخر حتى لو قتلوني”، مشيراً الى أن “رد كمال جنبلاط حينها أنا اعلم، ولكني غير مستعد لأن أكون لاجئاً سياسياً في أي بلد، سأعود وأنا أعلم أنني سأقتل في بلدي وفي منطقتي وبين شعبي وهكذا حدث، وكنت دائماً أذكر رفيق الحريري بذلك”.
واعتبر دلول أنه “في الحياة لا أحد يكبر الا وتكبر معه خصوماته وأعدائه وتكثر المؤامرات حوله”، لافتاً الى “أن رفيق الحريري يعتقد أنه لم يؤذي أحداً حتى يتعرض للأذية، وكذلك كمال جنبلاط”.
وقال:” لم اتحدث عن رفيق الحريري وكمال جنبلاط كمؤرخ، أنا تكلمت عن الإثنين عبر عرض تجربتي، وهذا تسبب لي بالكثير من المشاكل”.
واعتبر أن “كمال جنبلاط هو صاحب نظرية أننا لا نريد ادخال لبنان في السجن الكبير، تماماً كرفيق الحريري”، وقال:” كنت أتمنى أن يأتي الاثنين في عصر واحد، فرفيق الحريري كان يحب الناس، فمن هنا الحديث عنه خصوصاً بهذه المناسبة، ويزيد الإنسان حزناً عليه وعلى شعبنا الذي لا يقبل الكبار”.
أضاف:” رفيق كان يقول أن لا أحد اكبر من بلده، ولكن لدينا أناس كبروا عن الوطن وتم حذفهم عن قصد حتى لا يخدموا الوطن ولا الشعب منهم كمال جنبلاط ورفيق الحريري”.
ورأى دلول أن “رفيق الحريري كان طموحاً وكان يملك الطاقة والإمكانات، وخاف أن يأتي السلام والتطبيع إلى المنطقة ولبنان خارج المعادلة السياسية والاقتصادية، وهو جاء وكان البلد مشتت وممزق وخارج من الحرب ودون بنية تحتية فبدأ عملية البناء”.
جاء رفيق الحريري وكان البلد خارج من الحرب ودون بنية تحتية فبدأ عملية البناء
وعن الحل في لبنان، اعتبر أن” القوة العسكرية العظيمة التي هي ضرورية من أجل التوازن مع العدو الاسرائيلي بجب أن لا تكون محصورة بحزب واحد، لتصبح هذه القوة حرس حدود بقيادة لا يشعر أحد أنه خارجها”، وقال :”نحن لسنا أمام أزمة نظام، بل أزمة مجتمع وأزمة شعب، وسط حديث عن مركزية وفديرالية وتقسيم، وهذا الجو الذي أتى فيه رفيق الحريري، إذ كان البلد مشتتاً ورئيس الجمهورية كان مختزلاً في شقة بالرملة البيضاء حيث كان لا يوجد بلد ولا أي شيئ آخر”.
وأشار الى أنه “أتى رفيق الحريري وبنى هذا البلد قطعة قطعة، واستطاع العمل بعدالة وانصاف وبدون تمييز”، مشدداً الى أنه “عندما يتمتع الشخص بالطموح وليس لديه قدرة، لا يستطيع أن يتقذ، أما إذا كان لديه الطموح والقدرة يستطيع تحقيق طموحه”.
نقاش “زاخر” بالمداخلات
قدم دلول لمحة تاريخية عن رحلة الشهيد وبداياته، في سرد زاخر أمتع الحضور الذي كان له سلسلة مداخلات للحصول على أجوبة حول تساؤلاتهم من المتحدث المخضرم، فتحدث الدكتور محمد مقلّد عن عظمة الحريري على المستوى الشخصي، لافتاً الى أن ” الخلاف هو حول موقفه من الدولة واهتمامه الأكبر باعادة الإعمار للبشر والحجر، مع ضرورة النضال لاستكمال ما لم يستطع انجازه”.
أما مجيد مطر، فتطرق الى أن منطق “حزب الله” يتجاوز منطق بناء الدولة، فيما رفيق الحريري كان صاحب رؤية لبناء الدولة.
وتساءل ميشال فلاح عن سبب اساءة سوريا لرفيق الحريري وعن الشخص الذي اتخذ قرار اغتياله.
كان طموحاً يملك الطاقة والإمكانات وخاف أن يأتي السلام والتطبيع ولبنان خارج المعادلة
من جهته، لفت محمود أبو شقرا الى أن الحريري حاول بناء الوطن، كما أن الأزمة الحالية تتطلب عمليات من أجل الوصول الى الخلاص من الأزمات.
من جهته، اعتبر رئيس تحرير الموقع علي الأمين أن رفيق الحريري تسلم البلد في مرحلة انهيار شبيهة بالحالية، إلا أن الوضعية الحالية للبلد تغيرت، وسأل هل يمكن النهوض به كما حصل في اتفاق الطائف؟.
وتناول نضال أبو شاهين دور الليكود الإسلامي واليهودي كما المسيحي في عملية السلام.
وفي ردّه على التساؤلات، لفت دلول الى “أن سوريا كما كل الدول العربية لا يريدون أن ينتقل لبنان بتجربته الديمقراطية الى بلدانهم، والمشكلة أن الديمقراطية في عالمنا العربي يتم تفصيلها بحسب مصالح كل نظام، فالدول العربية لم تنشئ دولة بل أنشأت سلطات لتحمي النظام”.
وأوضح أن “الطائف لم يُستهلك ولا يزال نظاماً صالحاً، ولكن يجب تنزيهه وتعديله بما يتناسب مع التطور”.
علي الأمين: رفيق الحريري تسلم البلد في مرحلة انهيار شبيهة بالحالية إلا أن الوضعية الحالية للبلد تغيرت
وأكد أن “رفيق الحريري كان طموحاً وسخّر قدرته ووظفها لتحقيقه”، مشيراً الى “أنه لم يُسئ لأي أحد وكان يحمل هموم سوريا الى الخارج، حتى ان حافظ الأسد كان يسميه وزير خارجية سوريا”.
وشدد على “أن الحريري كبُر في البلد والكبر له ثمن في بلداننا المتخلفة”، لافتاً الى أنه” تعلّم من الراحل الصدق والطيبة”.
واعتبر أن “خرق الوضع الحالي في البلاد صعب وخرق التغييريين لم يكن على مستوى الآمال، ولكن يجب عدم اليأس، ولبنان بحاجة الى دور جديد، وهو ما قام به الحريري عند وصوله للسلطة”.