في حوارٍ أجرته معه محطة «تيلي لوميير».. العلاّمة الأمين: حَلُّ الأزمة اللبنانية لا يأتي من السَّماء والفراغُ الرئاسيّ مهزلة

العلامة-السيد-علي-الامين

حل عضو مجلس حكماء المسلمين سماحة العلاّمة السيّد علي الأمين ضيق قناة “تيلي لوميير”، وقد حاوره الأب شربل الخوري، في حلقة من برنامج “لا تخف” تحت عنوان: “الأخوة حافز للسلام”. وقد تناول هذا الحوار محاور عدة منها “وثيقة الإنسانية” كدستور للمحبة والتسامح، ودور رجال وعلماء الأديان في معالجة تحديات العصر، واهمية ثقافة الحوار بين الشعوب كخدمة للسلام العالمي، مصير حقوق الإنسان وسبل تحقيق العدالة الاجتماعية.

وهنا، وقائع نص الحوار: “وثيقة الأخوة الإنسانية دستور عالمي للتعايش الأخوي”.

سماحة العلّامة السيّد علي الأمين، بخَلْقنا أخوة وضع الله في كل منا، قيمتين أخلاقيتين ساميتين، تجمعان الإنسانية وتوحدها حول دستور المحبّة.

أولاً: الضمير.. والضمير يُحرّك الإرادة الصالحة، ويوجهها نحو الخير الشخصي والعامّ، فتنبذ العنف والتطرّف والعداء والقتل. الضمير الحي باب نحو السلام: مع الذات ومع الله الخالق ومع، الآخرين. وسلام الله الثابت هذا، يُقرّب التباعد والاختلاف. وهو الرادع الذي يمنع الإنسان من خسارة إنسانيته، بل يعطيه القدرة على التمييز بين ما هو صالح وما هو فاسد.

ثانياً: العاطفة: هي نعمة إلهية كبرى، تجعل من جميع الخلائق أخوة، يملك من خلالها كل فرد القدرة على أن يُحب الآخر، الذي يُشبهه في خَلقه مع ميزة الاختلاف والتّنوّع. والعاطفة تولّد الرّحمةَ التي تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات فيشبه بها الله لأنه خُلِق ليتحد به. وبالرّحمة يُحقّقُ الفَردُ ملءَ إنسانيّته التي تتشح بثوب الألوهية، فيُفتش عن المحروم ويحمي الضعيف، ويجلّ المُسِنّ ويحتضن الطفلَ ويحرّر المرأةَ، ويُقدِّر ذوي الاحتياجات الخاصة، وينصر المظلومَ ويُطعم الفقير ويُنشِّئ الشابَ حتى يشعّ بالمحبة وينشر أنوارها.
لا شك بأنكم أدركتم سماحة السيّد قيمة هاتين النّعمتين وعمِلتُم بجهدٍ، على نشر ثمارهما، لأن خطاباتكم تدعو إلى السلام، وهو ثمرة ثواب الضمير، والمحبة التي هي ثمرة سموّ العاطفة.

شكراً، أولاً على استضافتكم، ويصادف إبصارُكم للنور على هذه الحياة، تاريخ مهم جداً، وهو 10/4/52، أي (10452). هل هذا هو إرادة إلهّية أن يكون شخصكم على مساحة الوطن؟

ابتداءً طبعاً، لك الشكر الجزيل على هذه المقدمة الجميلة، وأشكر حضوركم واستضافتكم بقناة تيلي لوميير. وأما ما ذكرتموه، فهذه مسألة من باب المصادفات؛ لكن لا شك بأنها توحي إليّ هذه المناسبة بالارتباط بهذا الوطن، والحفاظ عليه وعلى قِيمِه، وعلى ما يعنيه لنا من كونه وطناً نهائياً نحافظ من خلال ما ورثناه عن الآباء والأجداد، على السِّمة التي ورثناها عنهم وهي العيش المشترك بسِلمٍ وبمحبة وبتعاون وبتعارف. وقلت، أنا في ما مضى ، عن هذا العيش الذي يمثّله هذا الوطن: ” معاً عِشنا بهذا الشرقِ دهراً نَصارى إخوةً للمُسلِمِينا / ونحن على خطى الآباء نَمضِي بإيمانٍ وعَزمٍ لن يلينا / ونبقى أوفياء لِما ورِثناه بسِلمٍ واعتدالٍ مؤمِنِينا/ بهذا نَصُونُ عهدَ العيش أهلاً / ولن نَرضَى بغير الحُبِّ دِينا “. هذا الذي أشرتَ إليه في مقدمتك الغنية عن الحُبّ. فهذا ما يوحي إليَّ هذا الوطن من خلال ما ورثناه عن الآباء والأجداد، ومن خلال التجربة أيضاً، التي عشناها في سنوات العمر الأولى.

مجلس حكماء المسلمين

س: حدِّثنا عن خبرتك في ” مجلس حكماء المسلمين “، بماذا يُعنى هذا المجلس وما هي أهدافه؟ا

-هذا المجلس يرأسه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب . وهو تَجمُّعٌ من حُكَماء المسلمين، يضمّ مجموعة من العلماء، ومن أصحاب التجارب التي نجحت في بلادهم من خلال طرحهم للسلوك المعتدل ،الذي يَجمَع ولا يُفرّق فكانت هذه خطوة، قام بها شيخ الأزهر حفظه الله ،لنشر القِيم في المجتمعات في مختلف الدول والأماكن التي يتعايش فيها المسلمون على اختلاف مذاهبهم، ومع المكوّنات الأخرى في أوطانهم، كما هو الحال في مصر وفي غيرها حيث يكون هناك عيش مشترك بين مختلف الديانات.

الأحزاب الدينية يجب أن تكون على أُسس البرامج السياسية والثقافية والوطنية الجامعة وليس على أُسس دينية

ويتم الاجتماع في هذا التجمّع في كل مناسبات مؤثرة ومهمة من أجل التأسيس والسَّير بهذه الخُطى، من أجل إزالة الصراعات الطائفية والدينية من المناطق ومن العالم.
ولا يزال هذا المجلس مفتوحاً، لأنه هو في طور التأسيس، لم ينته تأسيسه ـبعد، لكن هناك، طبعاً، لا يزال مفتوحاً لاستقبال أعضاء آخرين. إذاً، فإن أهداف ” مجلس حكماء المسلمين ” متمثلة بإزالة الصراعات الطائفية والدينية ،وهي الصراعات الناتجة عن نظرة الأحزاب الدينية ،النظرة المتمثلة بتعزيز الانقسام بين فريق طائفي وآخر إذ هي نظرة تقول: بأن هذا هو الفريق الذي ينبغي أن يكون له الحق والفريق الآخر ليس له حق لأنه ليس من هذه الطائفة، وليس من هذا الدين، هذا أدى إلى الصراعات بإسم الدين وبإسم الطوائف. وهذا ما أدى إلى التطرّف وانتشاره، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضاً، رأينا في سوريا وفي العراق وفي غير هذه الأماكن، فالأحزاب الدينية، أنا أعتقد أنه كان لها دور في تعزيز هذا الانقسام الذي لم يكن موجوداً قبل تكوينها، ولذلك طالبنا بإعادة النظر بتكوين الأحزاب. الأحزاب يجب أن تكوّن على أسس البرامج السياسية والثقافية والوطنية التي تَجمع، وليس على أُسس دينية. المسائل الدينية ترتبط، كما قلنا، بالمؤسسات الدينية، وليس بالأحزاب وبالتجمعات.

إقرأ أيضاً: بالفيديو..العلامة الامين لـ«قناة مريم»: الفراغ الرئاسي يسيء الى ما تبقى من صورة لبنان في الخارج!

س: حدِّثنا عن مؤسساتكم، وما هي المبادرات التي قمتم بها خاصة في هذه الأزمات والظروف الصعبة؟

-نحن أسسنا مؤسسة اسمها مؤسسة ” لتعارفوا ” وهذه دورها هو، دور ثقافي، نشارك في المؤتمرات الثقافية في داخل لبنان، وفي خارجه، ونشارك ببعض المطبوعات التي تُساهم بنشر فكر التسامح والاعتدال، من خلال الرؤية التي أشار إليها مجلس حكماء المسلمين، و ” وثيقة الأخوة الإنسانية ” التي وقّع عليها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب. بهذا الإطار المحدود، نحن قدرتنا. حاولنا أن ننشئ مؤسسة تعليمية (أي جامعة)، لكن؛ إلى الآن لم نوفّق في ذلك.

وثيقة الأخوّة الإنسانية

س: نحتفل هذا العام بمناسبة مرور أربعة أعوام على توقيع وثيقة “الأخوة الإنسانية” وسماحتكم وصفتم هذه الوثيقة بأنها وثيقة للدستور العالمي وللتعايش الأخويّ، كيف نُطبّق هذا الدستور؟

-ابتداء، أنا أعتبر أننا في هذا العصر نحن محظوظون بوجود شخصتين عالميتين هما: رمز التسامح والاعتدال والحوار: قداسة البابا فرنسيس، والإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. هما شخصيتان عالميتان، نتجت عنهما هذه الوثيقة الإنسانية التي ينبغي أن تتحول، طبعاً، إلى كتاب مدرسي . أنا اقترحتُ أن تكون دستوراً عالميّاً، لكن حتى تتحوّل إلى ثقافة، نحتاج إلى إدخالها في المدارس. فَطالَبتُ بأن تقوم الأمم المتحدة بتحويل هذه الوثيقة الإنسانية، إلى كتاب مدرسي، يدرّس في مراحل متعددة، في مناهج التعليم أي إدخالها في مناهج التعليم، وبذلك طبعاً، تتحول إلى ثقافة عالمية، وليس مجرد وثيقة، نقرؤها في مناسبات معيّنة، أو نرجع إلى بعض بنودها، في أوقات معيّنة.

س: حدِّثنا، أيضاً، أنت كنت موجوداً أثناء توقيع هذه الاتفاقية؟

-نعم، هي وُقّعت في مدينة أبو ظبي، وأنا كنت من الموجودين، كان صاحب الغبطة البطرك الراعي موجوداً، وشخصيات دينية أخرى كثيرة كانت موجودة ، وكنت أنا فرداً من الحاضرين الذين طبعاً انبهروا بهذا الحضور وبهذا اللقاء الجامع الذي يعطينا أملاً بتعزيز السِّلم والتسامح وانتشارهما في العالم.

إقترحتُ أن تكون ” وثيقة ألأخوّة الإنسانية ” دستوراً عالميّاً لكن ينبغي أن تتحوّل إلى كتاب مدرسيّحتّى تتحوّل إلى ثقافة

س: نرى أن هناك مساحة واسعة في الشرق وفي كل العالم من خلال ما شهدناه من التعدي على المقدسات: من حرق القرآن وحرق الكنائس؟ كيف ترى ذلك؟

– لا شك بأنه، كما قلنا، بأن هذه الوثيقة عندما تتحول إلى كتاب مدرسي، وهذا الكتاب يُدرس في المدارس وفي مختلف المجتمعات تتبدل الثقافة، لا شك بأن العالم الآن يتغير عندما يرى ، مثلاً ،اجتماع قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر وسائر القيادات الروحية. المجتمعات تنظر إلى هذه القيادات، وهذا يؤثر فيها ويعمل على التلاقي بين الشعوب، وعلى التقارب، يعني لا نقول بأن هذه الوثيقة، ومثل هذه اللقاءات، ستلغي التطرف نهائياً، سيبقى هناك تطرّف وسيكون هناك، طبعاً، رفض واستنكار من مختلف المكونات. لا تَرضَى الديانات كلها بالإساءة إلى هذه الرموز.

رسالة الأديان

س: بينما الاستنكار لا يكفي، نحن تعودنا على الاستنكار وإنما هناك أمور عملية مثلاً، خريطة طريق، تبدأ من التّنشئة ؛ فمَن يضع العراقيل، اليوم، أمام إدخال هذه الوثيقة في المناهج التربوية أو في الجامعات؟

-لا أعتقد بأن هناك من يضع عراقيل، وإنه قد يكون هناك، مثلاً، مساعٍ حتى تكتمل الإمكانات والقُدرات إلى الوصول إلى هذه الناحية، لأنه الكل طبعاً، يريد أن يكون هناك انتشار للاعتدال، وأن يكون هناك انتشار للتسامح وللإنفتاح وللتواصل بين مختلف الديانات والثقافات، لكن كما قلنا، الحل ليس سحرياً، سيبقى هناك بعض المتطرفين الذين لا ينبغي أن تُصغي إليهم الشعوب والمجتمعات وأن يكون هناك طبعاً تحديد لأولئك المسيئين، من دون أن ننسب تلك الجرائم إلى مذاهبهم وأديانهم وشعوبهم، المسؤولية فردية وليست جماعية.

س: إن رسالة الأديان هي الدعوة إلى إقامة العدل، وقد أشرتم في وثيقتكم إلى ما يلي: “إن البعض قد حاول تفسير الحروب والصراعات على أنها نتيجة لتصادم الحضارات واختلاف الأديان والثقافات، وأنت ترى هذه النظرية خاطئة لأن معظم الصراعات المدمرة التي حدثت في التاريخ القديم والحديث قد وقعت بين أنظمة ودول من الحضارة الواحدة ومن الدين الواحد، في أحيان، كثيرة، وكان حصولها لأسباب غير دينية، كحبّ السيطرة وسياسة التوسع والهيمنة والاستئثار بالسلطات وامتلاكها ألا نحتاج اليوم لوضع صيغة لنفهم أبعاد الدين ومعانيه السامية؟

-نحن نعتقد أن الفهم لمعاني الدين ولأهدافه هي موجودة ويقوم بها طبعاً العلماء المنتمون إلى مختلف الديانات والثقافات، يقومون بهذا الدور. لكن الذين يحاولون أن ينسبوا تلك الصراعات إلى الدين، وكأنهم يريدون من أتباع هذه الديانات أن يبتعد بعضهم عن البعض الآخر، مع أن الدين لم يكن له علاقة بما حصل، ولذلك أنا قلت بأن الإنجيل الذي يقول “لا تقتل”، كيف يكون مسؤولاً عن القتل؟ أو القرآن الذي يقول “ولا تعتدوا” كيف يكون هو مسؤولاً عن الاعتداء؟ إذن هي جنايات الإنسان وليست جنايات الأديان، الأديان والرسالات السماوية جوهرها واحد. هو عدم العدوان على الآخر، هو محبة الآخر. كما جاء في الإنجيل: “الله محبة فمن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه”، أو عندنا في الحديث الديني أيضاً، ” أحبِب لغيرك ما تُحبّ لنفسك، وأكره لغيرك ما تكره لنفسك”. فالدين بجوهره يدعو إلى المحبة وإلى التواصل وإلى التعايش بين الأمم والشعوب. “كل ما تريدون أن يعاملكم الناس به فعاملوهم أنتم به أيضاً”. هذا أيضاً في الإنجيل كما هي خلاصة الشريعة والأنبياء (كما في الإنجيل) فإذن الدين هو المعاملة مع الآخر، كيف تتعامل مع الآخر، الذي يتحوّل إلى سلوك، بُعده الأول هو العلاقة بالخالق والبُعد الآخر هو العلاقة مع المخلوق،علاقةالإنسان مع أخيه الإنسان.” الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ” .

إذن من الواضح أن أهداف الدين هي ليست عدوانية ولا توسعية، وإنما هي تهدف إلى تواصل البشر وإلى تَحابِّهم، لكن بعضهم يحاول أن ينسب تلك الصراعات إلى الدين . طبعاً قلنا بأن هذا ليس صحيحاً، والجهود متواصلة من المؤسسات الدينية ومن القيادات الدينية لنشر القيم الدينية المشتركة التي تدعو إلى التواصل وإلى التّحابّ.

ألصراع الديني يشوّه الدين

س: هل ترون أنه قد تم استغلال الأديان في الصراعات والحروب الأخيرة؟

-الدين طبعاً يوظَّف بالسياسة، كما قلنا فإن السلطات الدينية والأحزاب الدينية، في نهاية المطاف عندما تتصارع مع الآخر يصبح الصراع دينياً، كما رأينا، مثلاً، الصراعات في سورية، في العراق، في غيرها، أُصبِغت بالصّبغة الدينية نتيجة أنّ المتصارعين ينتسبون إلى الدين. مثلاً، عندما قالوا عن “داعش” وعن ” القاعدة” وعن غيرها، هذه أحزاب دينية ومنظمات استخدمت الدين في صراعها مع الآخر، فلذلك هي أساءت للدين وشوّهت الدين.

الرسالات السماوية لا تدعو إلى القتل ولا إلى الإعتداء فأهداف الدين ليست عدوانية ولا توسّعية

س: هل ترى أن هناك دوراً للشبان والشابات في لبنان والمنطقة في إطفاء نار الفتنة لأن هناك الحرية محدودة في التفكير وفي اللقاءات كيف ترى هذا؟

-طبعاً،هذا يتم من خلال، الندوات الفكرية ومن التواصل مع القيادات أيضاً الدينية التي تحاول أن تدعو إلى هذه القيم المشتركة. ويتم ّعندما يبتعد هؤلاء الشباب والشابات عن الانتماء إلى الأحزاب الدينية. وأنا لست مع الانتماء إلى الأحزاب الدينية، فعندما يبتعدون عن هذه الأحزاب الدينية، ويأخذون القيم الدينية من مصادرها، يكون لهم دور ،لأن مصادر القيم الدينية، هي من المرجعيات الدينية، وليست من المرجعيات الحزبية . المرجعيات الحزبية تحاول أن توظف القيم الدينية والمبادئ الدينية من أجل أن تحصل هي على مجموعات بشرية لمشروعها السلطوي والسياسي.

فيمكن، طبعاً أن يقوم الشباب والشابات بهذا الدور من خلال الابتعاد عن الانتماءات للأحزاب الدينية ومن خلال الانخراط في تلك الندوات والمدارس التي يقوم بها رجال الدين المستنيرون.

مشكلة لبنان

س: برأي سماحتكم، ما هي الوقاية من أجل التخفيف من هذه الصراعات الطائفية، خاصة في لبنان والمنطقة، عندما نرى أي مشكل نستحضر الأدوات والأسلحة الطائفية والمذهبية، فكيف نخفف من هذه الصراعات؟

-إن المشكلة في لبنان هي ها هنا، هي، كما قلنا بأن هناك من يحمل فكراً طائفياً وفكراً دينياً يوظفه لمشروعه السياسي فعندئذ يصبح الخلاف على مسألة سياسية، خلافاً طائفياً وخلافاً دينياً، مع أنه لا علاقة له بالدين، لذلك حتى نُبعد الدين عن السياسة ينبغي أن تكون هذه المكوّنات السياسية في لبنان، مكوّنات تبتعد عن توظيف الدين في مشاريعها السياسية والسلطوية.

س: ما هو موقفكم من خطباء المنابر الدينية، وهل خطاباتهم تؤثر على المجتمع بطريقة أو بأخرى؟

-مع الأسف أن خطباء المنابر الدينية هم خطباء للأحزاب، لم يعودوا خطباء لنشر الثقافة والمعرفة الدينية التي تعزز التواصل والترابط بين أبناء المجتمع. بل خطباء المنابر معظمهم، طبعاً، حتى لا نُعمّم على الجميع، معظمهم يحتاج – كما أنا اقترحت في ثمانينات القرن الماضي – إلى ما يسمى بـ”تنظيم السلك الديني” قلت إن السلك الديني يحتاج إلى تنظيم، لأنه قد يأتي خطيب منبر من العراق، من سورية من أي بلد، أو من لبنان، مثلاً، ويعتلي المنبر، ولكن ما ينشره من أفكار، هي أفكار غير صحيحة، وأفكار تدمر المجتمع، فلذلك نحتاج إلى تنظيم للسلك الديني آنذاك، اقترحته على المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين كان رئيساً للمجلس الشيعي، بعضهم وافق على الفكرة في تلك المرحلة، بعضهم رفض، لأنّ السلك الديني عندنا غير منضبط، وخصوصاً أنه، عندما ينتمي رجل الدين إلى حزب، يصبح هو خطيباً لهذا الحزب، وليس خطيباً للدين، أو للرؤية الدينية.

مشكلة كبيرة هذه، تحتاج إلى حل، حتى من المؤسسات الدينية التي عليها أن تقوم بهذا الدور، وهذا انعكس، كما قلنا، على خطباء المنابر، وتأثيراتهم على المجتمع، حتى في داخل الطائفة الواحدة، لهذا الحزب خطباء، ولهذا الحزب خطباء، وكل منهم يحاول تنشئة المجتمع على رؤية هذا الحزب، أو على رؤية الحزب الآخر، مع أنّ رجل الدين لا ينبغي أن يكون منتمياً إلى حزب.

في لبنان ينبغي أن تكون المكوّنات السياسية مكوّناتٍ تبتعد عن توظيف الدين في مشاريعها السياسية والسلطوية

س: هل تأثيرهم كبير في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تدخل على كل فرد وكل بيت؟

-لا شك في أن هناك بعض التأثيرات لوسائل التواصل الاجتماعي ولكن، طبعاً كثير من الذين يحضرون في المناسبات الدينية، مثلاً، في المساجد، في الحسينيات، في غيرها، يتأثرون بخطيب المنبر أكثر من وسائل التواصل، وإن أحدثت وسائل التواصل شيئاً من التأثير ومن التساؤل، ولكن يبقى الأمر العام، أن خطيب المنبر يؤثّر، حتى في الحملات الانتخابية يتدخل خطيب المنبر الديني، وإمام المسجد يتحدث عن أمور ترتبط بالحزب الذي ينتمي إليه، ولا ترتبط بالرؤية الدينية الصحيحة.

الدستور اللبناني هو مرجعيّة الحوار

س: الطريق إلى الحوار، اليوم، نرى أنه مقطوع، ما هي السُّبُل التي تؤدي إلى حوار حقيقي منتج ومثمر؟

– ألحوار، تارة نتكلم عن الحوار بين السياسيين وأخرى، الحوار بين المؤسسات الدينية والمواقع الدينية، طبعاً، الحوار مطلوب من كل الفئات، لكن، دائماً المؤثِّر عندنا في لبنان، ليس هو تلك اللقاءات التي تظللها أيضاً، القيادات السياسية والمنظومة السياسية، وإنما المؤثّر، فعلاً، في ذلك هو نفس هذه القيادات السياسية. القيادات السياسية هي المطلوب منها، طبعاً، أن تتحاور وأن تعمل من أجل إخراج البلد مما وصل إليه، ولكن طبعاً هناك مرجعية لهذا الحوار وهو الدستور اللبناني. الدستور اللبناني، هم لا يتحاورون من فراغ وإنما هناك دستور لبناني له أهله في تفسيره، في مواده عليهم أن ينطلقوا من هذه المرجعية الدستورية.

س: هل أنت تؤمن بالديموقراطية التوافقية أم نحن أمام ديموقراطية تحاصصية؟

-الديموقراطية هي ليست ديموقراطية توافقية أو ما يسمى بــ… الموجود في العالم، أنا قلت في بعض المناسبات، قديماً، أن ما حصل في الطائف هو الاتفاق على الديموقراطية، وليس على الديموقراطية التوافقية، الديموقراطية التوافقية وكأنها تتطلّب، دائماً، أن يكون هناك إجماع. مع أنه لا يمكن في القضايا السياسية، أن يكون هناك إجماع من الكلّ، إذن ما حصل هو الاتفاق على الديموقراطية التي تعني حكم الأكثرية، أما ما يسمى بالتوافق أو الديموقراطية التوافقية التي حوّلوها في ما بعد، هي نفسها الديموقراطية التوافقية، هي التي تحولت إلى ديموقراطية محاصصات: محاصصات طائفية، مع أن الذي جرى في الطائف هو الاتفاق على الديموقراطية وليس على الديموقراطية التوافقية.

س: هل سماحتكم أنت خائف على الحريات في لبنان؟

-لا شك، عندما تضعف الدولة ولا يكون لها سلطة كاملة على كامل أراضيها ومناطق انتشار مواطنيها، بلا شك سيكون هناك خوف على الحريات، لأنه نحن رأينا هناك كثيراً من الأحرار ومن أصحاب الرأي الآخر، على الأقل المعارض للآخرين المعارض لفريق سياسي، لا يمكنه أن يتكلم خلافاً لرأيهم وأن يذهب إلى مناطقهم أو أن يعيش في مناطقهم. وإذا كان موجوداً في مناطقهم التي يضعف فيها وجود الدولة فعندئذ نرى بأنه لا يمكن أن يُعبّر عن رأيه، هذا ما رأيناه في انتخابات نيابية سياسية عديدة، وفي كثير من الاغتيالات التي حصلت في الجنوب أو غير الجنوب. ومن الاعتداءات التي حصلت أثناء الانتخابات النيابية ضد الرأي الآخر، ولو كان هناك دولة، لما حصلت، مثل هذه الاعتداءات، وبالتالي، هذا مظهر من المظاهر التي نخاف فيها على الحريات.

س: هل تخشى الموت؟

– ألموت : ” كل نفس ذائقة الموت” لا نخاف من الموت. الموت هو حكم الله سبحانه وتعالى، لذلك يبقى الإنسان متذكراً الموت، لكن قد يخشى الإنسان الاعتداء من الآخرين عليه، يحاول أن يحذر من أن يُعتدى عليه ويرفض أن يُعتدَى عليه، لكن، طبعاً، لا تخف يعني معناه أن لا يكون منقاداً لمن يريده أن يخاف فنحن لا نخاف، أنا لا أخاف.

منظمات حقوق الإنسان مقصّرة في واجبانها

س: يصادف هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أين نحن من هذه الحقوق، والشعوب ترزح تحت وطأة الحقد والكراهية: والمجازر، الهجرة… إلخ.

-لا شك في أن هناك تقصيراً في المنظومة العالمية وفي المنظمات العالمية التي أسست وقامت على حقوق الإنسان، ليس هناك متابعة دقيقة ومراقبة حثيثة لما يجري، طبعاً، مما ذكرت من ظلم يقع على الإنسان، في بلاده أو في غير بلاده، نرى هناك حقوقاً مهدورة، ولكن المنظمات التي أنشئت للمحافظة على حقوق الإنسان هي في تقصير شديد إزاء ما نراه من ممارسات ضد هذا الإنسان في كل مكان.

س: أين هو التقصير؟

-عندما نرى أن الإنسان يُضطهَدُ لمجرد رأيٍ، أو مضطهَد في عيشته، أو مضطهَد في وطنه، أو في بلده، يموت في البحر أو يموت من الفقر… هذه منظمات هي أُنشئت من أجل المحافظة على حقوق الإنسان، وحقُّ الإنسان أن يحيا حرّاً، وأن لا يموت من الفقر.

حَلُّ الأزمة اللبنانية لا يأتي من السَّماء

س: كيف ترى الأزمة اللبنانية اليوم، وخاصة في الشق الاقتصادي، وما يعانيه الناس من ظلم، ما هو السبيل للخروج من هذه الأزمات؟

-كما قلنا: الأزمة في لبنان هي ليست بنت اليوم، هي نتيجة سنوات عديدة، ولكن، لا شك في أنّ السبب الأساس، يعود إلى أن الدولة تضعف. عندما تضعف الدولة، عندئذ ستدبّ فيها كل الأمراض. أنا أرى بأن الذي ينقذ الوضع في البلد هو أن تكون هناك دولة مؤسسات وقانون، تبسط سلطانها الوحيد على أراضيها، وفي كل مناطق مواطنيها. هذا هو الحل .ولا يأتي الحل، كما قلنا، من السماء إنما يأتي من أهل الأرض، يجب أن يكون هناك دولة قوية دولة مؤسسات وقانون تبسط سلطتها الوحيدة على كامل أراضيها عندئذ تعود الأمور إلى أفضل مما كانت عليه بكثير.

س: هل تلتقي سماحتكم مع مواقف غبطة أبينا السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من خلال الحياد، ومن خلال المؤتمر الدولي؟

-صاحب الغبطة هو صوت الاعتدال الوطني هو صوت يعبّر عن مختلف الوطنيين والمعتدلين في مختلف الطوائف اللبنانية ،ليس صوتاً معبراً عن طائفة معينة وإنما عن كل اللبنانيين الطامحين إلى دولة المؤسسات والعدالة. وهذا هو في الحقيقة، ما قاله صاحب الغبطة حول الحياد وحول انتخابات رئاسة الجمهورية في الداخل وغير ذلك. هو تعبير عن تطلعات اللبنانيين إلى قيام هذه الدولة. الدولة عندما تكون دولة مؤسسات وقانون عندئذ تحقق الحياد المطلوب ،لأنه في ظل ضعف الدولة رأينا كيف وصل الوضع في لبنان لذلك نحن عبرنا عن تأييدنا ودعمنا لصاحب الغبطة ونعتبره مرجعية وطنية روحية يُرجع إليه في قضايا الوطن.

رجُل الدين لا ينبغي أن يكون منتمياً إلى حزبٍ ونحن بحاجة إلى تنظيم السّلك الديني عندنا

س: بينما هناك شريحة ترى أن المؤتمر الدولي هو تدخُّل في الشأن اللبناني الداخلي؟

-المؤتمر الوطني الدولي هو بحضور اللبنانيين، يعني ليس هناك غياب لبنانيّ عنه، فالمؤتمر الدولي هو مؤتمر يحضره المواطنون اللبنانيون المفكرون والمثقفون من مختلف الطوائف يكونون في هذا المؤتمر من أجل إيصال صوت لبنان إلى الخارج، طلباً لمساعدته في تغيير الوضع القائم، فإذاً، ليس هو دعوة لتدخُّل الخارج، وإنما هو مؤتمر لإسماع صوت اللبنانيين إلى الخارج.

ألفراغ الرئاسي مهزلة

س: ما هي رؤيتكم لملء الفراغ الرئاسي وما يسببه هذا الفراغ من مشاكل ومن أحداث ومن عدم توازن في سعر الصرف (صرف الدولار) وغيره؟

-الفراغ الرئاسي واضح أنه يعطي صورة سلبية عن لبنان في الخارج تنعكس على سوء الأوضاع في الداخل، يعني موقع رئاسة الجمهورية كان يشكّل حفاظاً على شيء من صورة لبنان، لكن الفراغ الرئاسي يضرب ما تبقى من صورة لبنان، في الخارج وفي الداخل، ولذلك، نحن عبّرنا تأييداً لصاحب الغبطة البطرك الراعي بأنه يجب طبعاً على المكلّفين بالانتخاب أن يقوموا بعملية الانتخابات وإنهاء الفراغ الرئاسي وإخراجنا من هذه المهزلة التي تقول يجب الانتخاب ولكن الحضور غير واجب، كيف يجب الانتخاب ولا يكون الحضور واجباً؟.

كما نقول، قلنا بأنه هذا موجود عند كل العالم، أنه إذا وجَبَ الحضور في الكنيسة، وجَب الذهاب، وإذا وجَب الحضور في المسجد وجب الذهاب إلى المسجد . لا يمكن أن يكون الذهاب ( عندئد) أمراً اختياراً، فلذلك إذا وجب الانتخاب على النواب فيجب عليهم الحضور، ليس أنه يجوز لهم الحضور ويجوز لهم الغياب فلذلك إذا وجب الانتخاب امتنع الغياب، ووجب عليهم الحضور، أن ينهوا هذه المشكلة وأن يتم الاتفاق على جلسة انتخاب لإنهاء الشغور الرئاسي.

العدالة في لبنان تُكافح في سبيل تحقيقها

س: هل العدالة مفقودة في لبنان، وخاصة في ملف تفجير مرفأ بيروت؟

-إلى الآن لا تزال العدالة تُكافح من أجل أن تصل إلى المسبِّبين، وهذا يدل على أنه طبعاً هناك ضعف في لبنان، ولذلك تحاول هذه العدالة، أحياناً أن تستعين بالعدالة الخارجية، طبعاً، هناك كثير من القضايا التي لم تصل إليها العدالة في لبنان. كثير من الذين قُتلوا، قبل تفجير المرفأ، وبعد تفجير المرفأ، لم تصل العدالة إلى المسبِّبين لتلك الجرائم، لكن لا تزال العدالة تكافح، وإن شاء الله تصل في نهاية المطاف إلى المسببين.

س: ماذا تُولّد اللاّعدالة؟

-اللاّعدالة تُولّد شريعة الغاب التي تؤدي إلى الانهيار التام. عندما لا يكون هناك عدل ولا عدالة، يعني لا يوجد هناك قضاء، كما قلت في مرة من المرات أنه “إذا فسد القضاء فانتظروا البلاء”، إذا القضاء فسد وضعف فعندئذ سيقع البلاء على الجميع.

س: كيف ترى معالجة الإساءة إلى المقامات الدينية؟ نحن نعلم أن هناك من يستعمل الحرية الشخصية في أذية الآخرين، وخاصة هناك مقامات لها تاريخها في العمل وفي الوطن؟

– أنا أعتقد أن الإساءة إلى المقامات الدينية وإلى الرموز الدينية، نتعاطى معها بأن تُهمل ويُسكت عنها، “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”. أنا قلت في السيدة مريم سلام الله عليها: ما نال من مريم العذراء مجترئ على القداسة قد بانت لذي بصر/ فالله نزّهها عن كل شائنة / واختارها وابنها نورَين للبشر/ فهي الطهارة من رجسٍ ومن دنسٍ / وهي العفاف بدا في أجمل الصور/ والشمس ينكرها الأعمى إذا طلعت/ والشمس معروفة بالعين والأثر.
فأنا باعتقادي أن السكوت عن هؤلاء المسيئين هو أكبر عقاب لهم وإهمالهم.

البابا يوحنا بولس الثاني

س: ذكرت لي، قبل بدء هذا الحوار، أنك التقيت الطيب الذكر البابا يوحنا بولس الثاني،أثناء زيارة قام بها إلى لبنان . ونحن احتفلنا مع الكنيسة ومع اللبنانيين جميعاً بذكرى مرور السنة الخامسة والعشرين على هذه الزيارة التاريخية وأعطاناهذه الكلمات الثلاث: ” لبنان وطن الرسالة “، كيف تصف هذا الشعار؟

-طبعاً أنا أتذكر الشيء المؤثر فيَّ من ذكرى قداسة البابا يوحنا الثاني أنه هذا الرجل عفا عمن أساء إليه، أنا أذكر المشهد هذا ، فإنّ ذاك الذي حاول اغتياله ،خرج قداسة البابا وعفا عنه. هذا موقف مهمّ وتاريخي، ليغرس فينا العفو والتسامح.

س: طبَّقَ كلام الإنجيل؟

-طبعاً “ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ ” بدّك تغفر للآخرين “وأما قوله (قول البابا بولس الثاني) بأن لبنان هو أكبر من وطن، هو رسالة، لأنه أدرك، في الحقيقة الدور الذي يقوم به لبنان من خلال هذا التواصل، الذي، كما قلت “معاً عشنا بهذا الشرق دهراً
نصارى إخوة للمسلمينا.
أدرك البابا الثاني بأن هذا التعايش يشكل أكبر رسالة تسامح وانفتاح وتعايش للعالم، وليس في لبنان، لم يكن دور لبنان دوراً محدوداً على هذه الأرض، وإنما قال لهم: بأن لبنان دوره دور عالمي أن ينشر هذه الرسالة من التواصل والتلاقي والتعايش في العالم بأسره، لذلك كانت هذه كلمة تاريخية وهي كلمة معبّرة وصادقة.

س: هل نحن تقدمنا في وطن “لبنان الرسالة” أو تراجعنا؟

-مع الأسف نحن نرى أن الحوارات بين الديانات والثقافات نراها في دول أخرى ولا نراها في لبنان، لأن الصراعات في لبنان شوّهت كثيراً دوره الرسالي، ولذلك كيف يكون ملتقى للحوار بين الثقافات والأديان؟

إدانة التطرّف

س: حدثنا عن زيارتك إلى البحرين وعن ملتقى البحرين للحوار؟

– هذا الملتقى كان ملتقى عالمياً وشكل محطة هامة من محطات التلاقي بين الديانات والثقافات بدعوة من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البحرين. وأنا كنت من الحاضرين هناك مع جملة من رجالات الفكر والدين والقيادات الدينية اللبنانية وغير اللبنانية وكان منتدى عالمياً: الكلمات التي أُلقيت، اللقاءات التي حصلت، كان، فعلاً، يشكّل رسالة إلى التلاقي بين مختلف المكونات العالمية. كان محطة تاريخية وعالمية، بعد محطة “توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبو ظبي”، وكلنا كنا مسرورين بهذا التلاقي الذي عبّرت عنه البحرين، وهذا اللقاء، وعن التلاقي الموجود بين مختلف المكونات في البحرين، ودعوة إلى التلاقي بين كل المكونات في العالم وفي المنطقة. كل محطة هامة للقاءات أخرى، أيضاً، تعزِّز مثل هذا التواصل لنشر ثقافة التسامح والانفتاح بين مختلف الأمم والشعوب.

المطلوب من القيادات السياسية اللبنانية أن تتحاور وأن تعمل إستناداً إلى الدستور من أجل إخراج البلد مما وصل إليه

س: ألا تحزن، من جهة أخرى، أن هذا الملتقى كان يجب أن يكون في لبنان “وطن الرسالة”؟

-نحن نغبط تلك الدول وتلك المجتمعات على قيامها بمثل هذه اللقاءات ؛ ونأسف لما جرى، يعني لما وصل إليه الوضع في لبنان الذي ينبغي أن يكون سبّاقاً إلى مثل هذه اللقاءات، لكن، كما قلنا: بأن دوره الرسالي أثّرت عليه الصراعات الداخلية.

س:هل أدان “مجلس حكماء المسلمين” التطرّف؟

-طبعاً، هو، إدانة التطرف هي جزء من رسالته، لأنه هو في مبادئه السعي المتواصل لنشر ثقافة التسامح والاعتدال ونبذ ثقافة التطرف والإرهاب. وعقَد الكثير من الندوات ونشرَ الكثير من المنشورات في نبذ ثقافة التطرّف والإرهاب.

س:ما رأيك بمعضلة الهجرة، نحن نعلم أن شبابنا جميعهم في الخارج، هل هي نقمة أم نعمة؟

-لا شك بأن الهجرة من الوطن في ظل هذه الظروف هي تجعلنا نخسر الكثير من الطاقات التي نحتاجها في بناء وطننا، ولكن المسؤولية تقع على من يدير شؤون البلاد، الذين أوصلوا العباد إلى هذه الخيارات الخطيرة والمضرّة بالوطن، أيضاً.

س: كيف ترى، اليوم، دور الإعلام؟

-لا شك بأن دور الإعلام يبقى هاماً ومؤثراً ومطلوباً، لأنه، في كثير من الأحيان، يُسلّط الضوء على الأسباب التي تُوجب التنبه واليقظة عند الناس إلى ما يجري، وتساهم في كثير من الأحيان بعملية إظهار الحقائق التي تعمل على حلّ المشاكل، وعلى تنوير الشعب بما يجري، من أجل أن يصل إلى القرارات الصائبة.

س: سأطرح عليك سؤالاً: هل الإنسان هو مخيّر أم مسيّر؟

-الإنسان مُخيّر وليس مسيّراً.

س: أليس مُسيّراً من خلال انتقاله من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى؟

-نحن نقول: في حياته الدنيا هو باختياره: يعني المؤمن يُطيع الله باختياره، والعاصي يعصي الله باختياره. أما إذا كان مجبراً على العصيان، ومجبراً على الطاعة فإذن أي فضل له، الفضل إنما يكون لمن أطاع الله باختياره، ولمن ابتعد عن معصية الله بإرادته. فهذا طبعاً، كان نزاعاً طويلاً، قديماً في العصور الماضية، وفي العصر العباسي وقع نزاع كثير، حول أن الإنسان – في علم الكلام هذا – علم اللاهوت كما يُقال، وقع نزاع أنه: الإنسان هل هو مسيّر في ما يختاره أو مسيّر أو مجبر، ووقع نزاع علمي طويل فيما بينهم، لكن طبعاً ما يدركه العقلاء، هو أن المسؤولية تتبع الاختيار والإرادة .لا يكون مسؤولاً إلا إذا كان مريداً ومختاراً. أما إذا لم يكن مريداً ومختاراً كيف تحمله المسؤولية؟

صَلاحُ الزمان بِصلاح السلطان

س: أود أن تتوجه بنداء حقيقي وجدي للشبان والشابات، لأننا أمام معضلة التنمُّر، نرى أن هناك تنمُّراً خاصة في المدارس بين الشبان والشابات، وهذا يؤدي إلى حالات انتحار، أو من يسعون إلى محاولة الانتحار. كيف ترى السبيل للتخفيف من هذه الوطأة التي نراها اليوم بكثرة في جميع مؤسساتنا؟

-في المدارس، طبعاً، نحن بحاجة في البرامج التعليمية إلى ما ينبغي أن يكون ما يسمى هناك، بكتب التربية: التربية الوطنية، التربية الأخلاقية يجب أن يكون هناك كتب تدرّس هذه الأمور، من أجل أن تتحول إلى ثقافة وسلوك عند الدارسين أما مجرد أن نسمع تنديداً، من دون أن يكون هناك تعليم لهؤلاء، منذ النشأة التعليمية، لا يمكننا أن نصل إلى تغيير مثل هذه الحالة.

س: هل ترى، أن اليوم، البطالة، في لبنان هي كثيرة جداً، كيف ترى أن نُخفف من هذه البطالة، خاصة في تعاون شعبنا مع بعضه البعض، لأن هناك من يسمونهم، اليوم “أغنياء حرب”، “الأغنياء الحرب الاقتصادية”، كيف نفتح الجال للناس المحتاجين، فهؤلاء المحتاجون كيف السبيل لنيل لقمة عيشهم؟

-اذا صلح السلطان، صلح الزمان، المشكلة في السلطات، من يدير البلاد، ومشكلة هؤلاء مرتبطة بالذين يديرون البلاد. إذاً، البلاد حتى نُصلحها، يجب على هذه السلطة أن تقوم بدورها.

س: هل غابت الطبقة الوسطى في لبنان؟

-يبدو هكذا. يبدو من خلال ما نشاهد أنه لا توجد طبقة وسطى، وإنما أصبح هناك أثرياء، وهناك فقراء.

س: هل سماحتكم متفائل في الغد؟ متفائل في إشراق نور جديد لهذا الوطن؟

-لا نفقد الأمل، “أعلّل النفس بالآمال أرقبها / ما أضيف العيش لولا فسحة الأمل. نحن لدينا أمل بهؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع من الشبان والشابات، طلباً للتغيير والإصلاح أن يتجدد تضامنهم، ويزداد وعيُهم، والخروج، مجدداً، من أجل السعي إلى التغيير.

س: ما هي تطلعاتكم من محطة “تي. لي. لوميير” وبرامجها؟

-أنا أتطلع إلى إشراقة جديدة في الحقيقة، من خلال هذه البرامج التي تُديرها هذه المحطة، إلى إشراقة جديدة روحية وثقافية في حياة اللبنانيين، خصوصاً، هذا البرنامج الذي يُديره الأب شربل الخوري، برامج، فعلاً، هي مشرقة ونعقد عليها آمالاً من أجل مزيد من التواصل بين مختلف المكونات اللبنانية ومزيد من الثقافة الدينية الواعية الشاملة التي تعزز التواصل والتّرابط بين اللبنانيين جميعاً.

لمشاهدة الحلقة عبر الرابط التالي:

https://fb.watch/iEJVNO12WA/?mibextid=v7YzmG
السابق
كتاب «الزمن والنخب في انطولوجيا الثقافة العربية» لعبد الحسين شعبان..48 شخصية عربية تحت المجهر!
التالي
اضراب المصارف.. رابطة المودعين للنواب: لا تكونوا أحجار داما