حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لبنانٌ منهكٌ عَلى شَفيرِ حربٍ وشيكةٍ

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

 يتبدى واقعُ أوروبا، في الأشهرِ الستة القادمة، على إنزلاقٍ خطيرٍ الى تصعيد عسكري كبير في الساحة الاوكرانية، ويتوقع خبراء من اتجاهات متعددة، ان يكون الربيع القادم، هوَ زمنُ مُنازلةٍ كبرى، بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية، منازلةٌ يَتِمُ الحشدُ لها، بقوة وسرعة، من كلا المعسكرين المتقاتلين، فمن الواضح ان روسيا تٌعيدُ تنظيمَ وتحشيدَ قواتها العسكرية، واضافة مائة وخمسين الف جندي جديد اليها، لتصل الى مليون ونصف مليون جندي روسي، وتؤهل ترسانتها العسكرية؛ مدافع وصواريخ وراجمات، ومسيرات وقوات برية تتم اعادة تدريبها، اضافة لاعادة تنظيم خطوط الإمداد والخدمات اللوجستية، على مستوى الذخائر والتموين والنقل…

تهدف استراتيجية بوتين الى تحرير الحدود الجديدة لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وتأمين ممر جغرافي الى شبه جزيرة القرم واقليم دونباس في الشرق كمقدمة لعزل اوكرانيا عن البحر الاسود

 وتهدف استراتيجية بوتين، الى تحرير الحدود الجديدة لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتأمين ممر جغرافي الى شبه جزيرة القرم واقليم دونباس في الشرق، كمقدمة لعزل اوكرانيا عن البحر الاسود، واصرار بوتين على تحقيق هذه الاهداف، ينطلق من مشروعه الجيوسياسي، الذي يهدف لاعادة بناء المجال الحيوي الروسي، واعادة رسم الامن الاوروبي، في مواجهة تمدد حلف شمالي الاطلسي نحو الشرق، كما يهدف إلى الدفاع عن دور روسيا في نظام دولي متعدد الأقطاب، وغير خاضع للقيم الغربية الليبرالية.

لا ينفك الغرب ودول حلف شمالي الأطلسي عن تقديم الدعم المالي والعسكري وتزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة ومتطورة


في الجانب الآخر، لا ينفك الغرب ودول حلف شمالي الأطلسي، عن تقديم الدعم المالي والعسكري، وتزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة ومتطورة، تتضمن فيما تتضمنُ، أحدثَ الدباباتِ التي انتجتها، بريطانيا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة الاميركية، وصولا لطائرات وصواريخ شديدة الدقة والفعالية، وآخر اخبار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، هو قرار اميركي بإرسال صواريخ بعيدة المدى GLSDB، يصل مداها الى اكثر من ١٥٠ كلم، يضاف الى انظمة دفاع جوي، كشبكات كروتال الفرنسية والباتريوت  الاميركية، بقيمة ٢،٢ مليار $ ، قد تُمكِّنُ كييف، من كسر التفوق الجوي الروسي، ومن تهديد المواقع الروسية في شبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من خروج بعض الأصوات الألمانية والفرنسية المحذرة والمنبهة، الى ضرورة وضع سقف لا يتوجب اختراقه، لمدى التورط الأوروبي، في حرب اوكرانيا، الا ان الدعم الغربي لأوكرانيا، مازال قويا ومستمرا ومتصاعدا حتى تاريخه. 

والمنازلة المرتقبة في الربيع القادم ليست محسومة النتائج، او معروف النصر فيها، لاي طرف من المعسكرين، فقد خاب ظن بوتين من إمكانية حسم معركته العسكرية، مع أوكرانيا واخضاعها خلال مهلة اسابيع او اشهر قليلة، وتُكمل الحربُ سنتها الاولى، دون ان يلوحَ في الافقِ مساراً لانهائها، كما خاب ظن أوروبا والغرب عموما، من تحقيقِ انهيارٍ في الاقتصاد الروسي، بعد فرض عقوبات مالية و اقتصادية على روسيا والمنظومة الاوليغارشية، التي تحيط بالرئيس الروسي، بعد نجاح روسيا في زيادة عائداتها المالية من النفط والغاز، سنة ٢٠٢٢ بنسبة ٢٨% عن سنوات ما قبل الحرب، وبعد ثبات قيمة الروبل الروسي وعدم انهياره.

المنازلة المرتقبة في الربيع القادم ليست محسومة النتائج او معروف النصر فيها لاي طرف من المعسكرين فقد خاب ظن بوتين من إمكانية حسم معركته العسكرية مع أوكرانيا واخضاعها خلال مهلة اسابيع او اشهر قليلة

 
ولا تقل الأزمة المتفجرة في الشرق الأوسط، حول نفوذ إيران ودورها، خطورة عن ازمة اوكرانيا وحربها، بل ان الانباء المعلنة خلال الأيام القليلة الماضية، تشير الى تداخل حتى الاندماج، بين ازمة العلاقة الإيرانية مع الغرب، حول ملفات عديدة وبين تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية.واول اشارات هذا التشابك، ظهرت في قضية قصف سبعة منشآت عسكرية ايرانية، في مواقع قرب اصفهان وطهران، وترددت اتهامات متفرقة حول دور اوكراني مفترض، شارك اسرائيل في هذه العمليات. فيما ادت عودة بنيامين نتنياهو الى السلطة في اسرائيل، الى اعلان دولة العدو انحيازها الى اوكرانيا، وتزويدها باجهزة عسكرية لمواجهة روسيا.
وعلى الرغم من اعلان ايران عداءها العقائدي للغرب بكل تصنيفاته، منذ وصول الامام الخميني للسلطة، الا ان علاقة ايران بمحيطها، لم تبلغ هذه الدرجة من التوتر والخطورة، في اية مرحلة ماضية، كما لم تصبح قبل اليوم، شاملة جامعة كل هذه الملفات والأزمات!!. 
فعلى صعيد الداخل الإيراني، يعاني نظام ولاية الفقيه لتحدٍ فكري وعقائدي غير مسبوق، يطال شرعية سلطته الدينية، وتفويضه الالهي المزعوم، في ادارة ايران،  وتطبيق قراءته المحافظة لحكم الشريعة الإسلامية، كما يواجه رفضا متعاظما لتولي رجال الدين، مقاليد الحكم ومواقع القرار والإدارة والأمن، وقد شكلت ثورة النساء ورفض الحجاب، وما تلاها من مظاهرات ومواجهات، امتدت وتدوم زمنيا على مدى ثلاثة اشهر مضت، وجغرافيا لتطال غالبية المدن الرئيسة في ايران، اول خروج شعبي وسياسي، عن مبادئ الجمهورية الاسلامية ومسلماتها العقائدية منذ تأسيسها سنة ١٩٧٩.
كما يعاني النظام الايراني، من تمرد الاقليات العرقية المختلفة، ومن تفاقم غضب الاكراد، الذي رافق المواجهات بعد مقتل مهسا اميني، ومن خلال حراك عرب الاهواز، واضرابات عمال الصناعات النفطية، في المناطق الغربية في عبادان وخورم شهر، كما من تضامن قبائل البلوش في الشرق، مع حركة الاحتجاج العامة، وصولا الى ترد خطير في العلاقة مع الاثنية الاذرية، و جمهورية أذربيجان المجاورة، بعد تبادل اتهامات بين ايران وأذربيجان، بزعزعة استقرار كل طرف للآخر، وبعد الاعتداء الذي قام به مسلح ايراني، على السفارة الاذرية في طهران، وسحب اذربيجان بعثتها الديبلوماسية من ايران.

من ناحية اخرى تعاني طهران ازمة اقتصادية ومالية متفاقمة، فقد نشرت صحيفة ” شرق” الايرانية في تشرين الثاني ٢٠٢٢، تقريراً أعلنت فيه أنّ التضخم والفقر، أدّيا إلى انتشار ظاهرة مقايضة المواد الغذائية  بالاثاث المنزلي والمقتنيات الشخصية. كما نشر البنك الدولي في كانون الاول ٢٠٢٢ إحصائية رسمية، بيّن خلالها أنّ إيران، تتمتّع بأحد أدنى مستويات الأمن الغذائي لمواطنيها في العالم، مع بلوغ معدل التضخم في المواد الغذائية نسبة ٨١٪؜.يضاف الى كل ما تقدم، الانهيار المتواصل لقيمة العملة الايرانية حيث بلغ سعر الدولار $ الاميركي ٤٥ الف تومان.ومما يفاقم أزمة ايران ويضعف سطوة مرشدها، هو عدم حسم هوية وريث السيد علي خامنئي على رأس النظام، ويواجه ابنه مجتبى، في محاولة تولي السلطة من بعده، عقبات عقائدية ودينية ومعارضات من داخل النظام ومعسكر المحافظين ذاته. 
اما على صعيد دول الجوار، والتي شكل العراق منها مصدرا ماليا ايرانيا، يتم من خلال نهبه واستغلال اسواقه وبنوكه وثرواته، الالتفاف على العقوبات الاميركية، وتمويل اجهزة نظام طهران، وعمليات فيلق القدس والميليشيات الرديفة له، في اليمن وسورية ولبنان، وقد اتت العقوبات الاميركية تجاه البنوك العراقية، والإجراءات التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية، على البنك المركزي العراقي، لتحرم طهران بشكل يومي، من ٦٠ مليون دولار $، اي مايقارب ٢١ مليار دولار سنويا، كانت تحول من البنك المركزي العراقي الى نظام الملالي، دون اي مسوغ تجاري او تبادل اقتصادي. وترافق ذلك  مع قيام مسيرات قد تكون اميركية او اسرائيلية  بضرب ارتال شاحنات ايرانية في مدينة البوكمال السورية، لحظة اجتيازها الحدود العراقية، وهو امر اذا تمت متابعته واستدامته، سيفطع خط الامداد الاستراتيجي، التي اقامه فيلق القدس، من إيران الى البحر المتوسط، عابرا حدود العراق وسورية.

الاتفاق الذي وقع بين ايران ودول الغرب سنة ٢٠١٥ لم يعد صالحا وكافيا حتى لو جرى تعويمه

أما على صعيد الملف النووي الايراني، فإن الاتفاق الذي وقع بين ايران ودول الغرب سنة ٢٠١٥، لم يعد صالحا وكافيا، حتى لو جرى تعويمه، فقد بلغت إيران مرحلة متقدمة جدا  في طريقها الى امتلاك سلاح نووي، وتقدر مصادر دولية جادة، ان ايران استطاعت حيازة كمية يورانيوم مخصب بنسبة ٩٠%، بما يكفيها لصناعة ثلاثة قنابل نووية، وان ما يفصلها عن تركيب هذه القنابل على صواريخ تنقلها وتفجرها، هي مهلة لا تتعدى عشرة أشهر او أكثر بقليل، ومما عزز هذه الفرضية انوكالة الطاقة الذرية، اكتشفت آلات طرد مركزية غير مصرح عنها خلال الايام الماضية، واذا ما تأكدت هذه المعلومات فإنمهلة قصيرة جدا، تتبقى لكي تحسم كل من اميركا واوروبا ومعها اسرائيل، خياراتها، ولتقرر اما ضرب المشروع النووي الايراني، وتدميره بنى وهياكل ومنشآت وخبرات وقدرات علمية ومعرفية، او الذهاب الى خيار الاعتراف بايران كدولة مسلحة نووية، مقابل الحصول منها على ضمانات، تحدد سلوكها بالالتزام بالقانون الدولي، وانضوائها داخل قواعد الشرعية والأعراف الدبلوماسية، والكف عن سياسات تصدير الثورة، وزعزعة استقرار مجتمعات الدول المجاورة.

الربيع المقبل يحمل اخطارا جدية وملحة لتصعيد خطير في الحرب الروسية_ الاوكرانية والانزلاق لحرب اسرائيلية_ ايرانية تتدحرج متصاعدة على مسرح عمليات يبتدأ من سورية ويتصاعد ليشمل لبنان وفلسطين وإيران


الربيع المقبل يحمل اخطارا جدية وملحة، لتصعيد خطير في الحرب الروسية_ الاوكرانية، و الانزلاق لحرب اسرائيلية_ ايرانية تتدحرج متصاعدة على مسرح عمليات، يبتدأ من سورية ويتصاعد ليشمل لبنان وفلسطين وإيران، وقد يمتد لدول اخرى… 

فما هي خيارات لبنان؟ وماهي التحديات التي على الشعب اللبناني مواجهتها!؟  ومن هي القوى السياسية اللبنانية المؤهلة لمواجهة تداعيات الربيع المتفجر؟! وهل هناك من يخرج من المياومة السياسية ونهج خلافات اهل القرى والمخاتير، ليسمع وليستبق؟. هل هناك من يهتم لمصير وطن منهك، يرمى على صفيح إقليم ساخن ومتفجر؟!

السابق
الرئاسة في «خبر كان».. حزب الله «يتوسل» والسعودية «تترقب»!
التالي
بيرنز وبلينكن… صحوة أميركية شرق أوسطية