
لم تتمكّن المنظومة السياسية الحاكمة بقيادة “حزب الله” وحلفائه, من نقل الصراع السياسي في لبنان إلى القضاء فحسب، إنّما تمكّنت أيضاً من نقله إلى الجسم القضائي عينه، تحت عنوان “حرب الصلاحيّات”، تحديداً بما يتعلّق بملف تفجير مرفأ بيروت والقرارت المُتخّذة من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات، والمحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
ملف المرفأ، أظهر بشكل لا لُبس فيه، أن الإنقسام لم يعد يقتصر حول سياسة البلاد، إنّما أصبح في صميم المؤسّسة القضائية، ما يعني أن إنهيار مؤسّسات الدولة، وذلك بحسب ما هو مُخطّط له، أصبح قاب قوسين أو أدنى من حصوله، ورًبمّا الأيّام المُقبلة ستتسع عمليّات “الإنشقاق” داخل المؤسّسة القضائية، بين فريق يُطالب بتدخّل دولي، وفريق يرى في القرارات المُتخذّة، تطويقاً له ليُسلّم بـ”الأجندة” الدولية.
ما زال عامل الإتهام بانفجار المرفأ يتمحور حول مسؤولية “حزب الله” ومسوؤلية الأجهزة الأمنية اللبنانية
ثمّة إجماع محلّي، على أن إنفجار الرابع من آب 2020، قد شكّل مُنعطفاً خطيراً في الواقع اللبناني ليس على الصعيد الأمني فحسب، إنّما على الصعيدين السياسي والقضائي، ورُبّما الإقتصادي في جانب ما، فبين حقيقة ضائعة ما زال فيها عامل الإتهام يتمحور حول مسؤولية “حزب الله” ومسوؤلية الأجهزة الأمنية اللبنانية، وبين عملية هروب قضائيّ مُنظّمة إلى الأمام، إنسحب فيها الخلاف السياسي حول ملف رئاسة الجمهورية، على قرارات الإدّعاءات والإخلاءات على قاعدة “الكيل بمكيالين” أو ‘ستّة وستّة مُكرّر”، لكن هذه المرّة ضمن اللعبة السياسية وليس الطائفيّة، ثمّة حقيقة تُلامس وضوح الشمس، بأن لبنان أصبح حتماً أمام احتمالين: إمّا إنفجار أمني يقود إلى تسوية على غرار إتفاق “الدوحة”، أو صفقة سياسية عاجلة تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية بأقلّ الأضرار السياسية على فريق سياسي مُحدّد.
في ظلّ مؤشّرات التفكيك السياسي و القضائي، الذي ظهر بأبشع صوره، وهي المرّة الأولى التي يتعرّض فيها القضاء اللبناني لهذا الإهتزاز، منذ قيام الدولة اللبنانية، بدأت عملية التدهور ترسم ملامحها المُقبلة على الصعيد الأمني، وهو ما تجلّى بالقرارت الحاسمة التي اتخذتها قيادة الجيش نهاية الأسبوع الماضي لجهة إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة “عين الرمّانة” وتشديد عملية ضبط الأمن على طول طريق صيدا القديمة وصولاً إلى “الطيّونة” وذلك اثر معلومات تحدثت عن الدعوة إلى تظاهرتين، واحدة داعمة لقرارت القاضي البيطار والثانية مؤيدة لإخلاءات السبيل التي قام بها مُدعي عام التمييز القاضي عويدات، وهو الأمر الذي كشف عن هشاشة الوضع الأمني في لبنان، والإنعكاس السلبي الذي أرخت به الخلافات السياسية على خلفيّة الإستحقاق الرئاسي.
حزب الله هو أبرز المُستفدين من الفوضى الحاصلة
في السياق، رأت مصادر سياسيّة بارزة لـ”جنوبيّة”، أن “حزب الله”، يستغل ما يجري اليوم على الصعيد القضائي، كونه يوجد ارتباط وثيق بالشقّ السياسي المعطوف على الملف الرئاسي، ويضخم حجم التدخل الدولي في هذين الملفين وتحديداً الأميركي والسعودي، كي يقلب الوضع رأساً على عقب، بعد دخول الوفد القضائي الأوروبي إلى لبنان”.
“حزب الله”، يضغط على القضاء، لحرف التحقيقات الحاصلة في ملف المرفأ
وأكدت ان “حزب الله”، يضغط على القضاء، لحرف التحقيقات الحاصلة في ملف المرفأ، عن مسارها القانوني من أجل الضغط، ويتلطى وراء التدخلات الخارجية”.
من جهة أخرى، أكدت مصادر دبلوماسية لـ”جنوبيّة”، أن “حزب الله هو أبرز المُستفدين من الفوضى الحاصلة، سواء سياسياً أو قضائياً، أو حتّى إقتصاديّاً، والجميع في لبنان أو الخارج يعلم بأن تدمير الدولة اللبنانية ومؤسّساتها وتحديداً القضائية، هي احدى أبرز الركائز التي يقوم عليها مشروع الحزب”.
يبدو أن “حزب الله” يكمل طريقه، نحو فرض رئيس من فريقه السياسي ضمن شروطه
وأضافت: “بعد التدمير السياسي المُمنهج طيلة السنوات الماضية، بفعل الهيمنة على القرار السياسي بتسهيلات من النائب جبران باسيل قبل أن ينقلب الحلفاء على بعضهم البعض، ثمّ يتم ضرب الإقتصاد من خلال عمليات التهريب والسيطرة على المعابر والتهرّب من الضرائب، ثم جاء دور مؤسّسة القضاء”.
وخلصت المصادر عينها، الى انه “يبدو أن “حزب الله” يكمل طريقه، نحو فرض رئيس من فريقه السياسي ضمن شروطه، وهذا الرئيس الجديد إمّا أن يُكمل مشروع إنهيار الدولة على النحو الذي يرسمه الحزب، وإمّا أن يبقى الفراغ سيّد المرحلة المُقبلة، ولا يلوح في الأفق اي حلول، تضع حداً للإنهيارات التي اوصلت هذه المنظومة الحاكمة البلد بإدارة “حزب الله.”