شكّلت تطورات المشهد السياسي على الساحتين الدولية والمحلية محور اللقاء الذي استضافه موقع “جنوبية”، مع الكاتب السياسي الصحافي في جريدة “الشرق الأوسط” إيلي يوسف، الذي قدم قراءة مفصّلة عن السياسة الأميركية في العالم والمنطقة وتداعياتها على الساحة اللبنانية، وتخلله نقاش حيوي تناول خلفيات التحوّلات الأخيرة في التعاطي مع مختلف الملفات.
دخول الاتفاق النووي في مرحلة غامضة سيكون له تداعيات وخيمة على المنطقة
أقيم اللقاء في مكتب “جنوبية” في رأس النبع، في حضور الدكتور وجيه قانصو، الدكتورة رنا برّو، الدكتورة نوال الحوّار، والصحافيين، أحمد عياش، قاسم قصير، مجيد مطر، أحمد اسماعيل، ساندرا نجيم وشخصيات.
استهلّت الندوة بترحيب من رئيس تحرير “جنوبية” الزميل علي الأمين الذي قدّم نبذة عن مسيرة يوسف الإعلامية ورحلته بين المؤسسات، لافتاً الى “أن اللقاء هو اطلالة على المشهد السياسي في الشرق الأوسط للإضاءة على المؤشرات الجديدة للسياسة الأميركية في تلك المرحلة”.
يوسف: تبدّل في الموقفين الأميركي كما الأوروبي بخصوص الاتفاق النووي
قدّم يوسف قراءة تحليلية شاملة عن السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً وتداعياتها، فلفت الى أنه “بمعزل عن الخلافات داخل الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، يوجد دولة عميقة في الولايات المتحدة، لايمكن القفز فوقها أيّاً كان الرئيس إذ هناك مؤسسة تدير عملياً السياسة الأميركية”.
التكهنات التي تُنسب الى الإدارة الأميركية مبالغ فيها إذ أن لبنان ليس من الأولويات
ولفت الى انه “خلافاً لما يشاع بأن اللوبي الاسرائيلي أو اليهودي هو من يصنع السياسة الأميركية، فإن الأميركيين هم من يديرونها، وأكبر دليل أنه منذ ما يقارب الـ 15 سنة هناك تهديدات إسرائيلية بعمل عسكري ضد إيران ولكنه لم يحصل، لأن القرار الأميركي يرفض”، متطرقاً الى “مصير الاتفاق النووي الذي يبدو أن هناك إعادة نظر في الموقف تجاهه ولو جزئياً”.
وتناول “الموقف الأوروبي الجديد بخصوص الاتفاق النووي القائل بأنه انتهى، ولم يعد قائماً بسبب التعنت وعدم الرغبة الإيرانية، والمواقف الأميركية المتبدّلة جراء ما تعتبره الخطأ الكبير بسبب انحياز الإيرانيين في الحرب الاوكرانية لمصلحة روسيا عبر تزويدها بالمسيرات، فمجلس الشيوخ الأميركي لديه موقف من الإيرانيين، واحتجاج من جهود إدارة بايدن التي تسعى منذ سنتين إلى الوصل الى نتائج في الاتفاق النووي الذي لم يحصل، عبر تلويحه ببدائل عديدة عن تلك الديبلوماسية، وكذلك من خلال موقف دعم حركة الاحتجاحات داخل إيران وتجريم ممارسات النظام الإيرانيين”.
وأوضح “أن إيران ذاهبة إلى مكان خطير، على المستوى الداخلي كما على مستوى العلاقات الدولية”، لافتاً الى أن “دخول الاتفاق النووي في مرحلة غامضة سيكون له تداعيات وخيمة على المنطقة، وعلى الرغم من حصول الإتفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل وموافقة إيران وأميركا، إلا أن المقايضة التي حصلت لم تحل دون الكلام عن عودة التصعيد، فالجيش الأميركي حذّر من تجديد للعمليات الإرهابية في المنطقة من قبل إيران لتحصيل مبتغاها”.
وعن انعكاسات ما يحصل على الساحة اللبنانية، اعتبر يوسف أنه ” في ظل عدم وجود رئيس وحكومة، تأتي زيارة ديفيد هيل لتحمل رسالة معينة تتماشى مع الرؤية الأميركية ستتضح معالمها في المستقبل”، وتحدث عن “تعويل على اتفاق الترسيم بإتجاه الدفع بتحويل العلاقة الى أكثر من طبيعية ما بين اسرائيل ولبنان في التبادل والمصالح مشتركة، وسط تحذير بأن التراجع عن الإلتزام باتفاق الترسيم في حال ساءت العلاقة الأميركية مع إيران يشكل خسارة لللبنانيين”، وأوضح أن “إسرائيل ستكون ركيزة سياسية عسكرية أمنية في المنطقة بوجود أميركي”.
وتطرق الى”وجود تباين في وجهات النظر حول العلاقة مع الجيش اللبناني، “بين الديمقراطيين الاخف حدة في تعاطيهم مع الجيش اللبناني من الجمهوريين الذين يعتبرون الجيش اداة بيد حزب الله”.
تعويل على اتفاق الترسيم والتراجع عن الإلتزام به يشكل خسارةلللبنانيين
وقال:”الشائعات كثيرة بخصوص موقف الإدارة الاميركية من الجيش اللبناني ودعم قائد الجيش للرئاسة”، مشيراً الى أن “معركة التوازنات ستحدد هوية الرئيس”.
وبخصوص الصراع الصيني الأميركي، لفت يوسف الى أنه “هناك شبه قناعة لدى البنتاغون أن الصين لن تقدم على مغامرة اجتياح تايوان، والخطر يكمن في امكانية أن تتحوّل الصين ليس فقط إلى دولة معرقلة للتجارة الحرة، بل الى منافس جدي الولايات المتحدة الأمريكية في العلاقة مع الدول التي كانت تاريخياً ترتبط بالولايات المتحدة الأميركية”، مشيراً الى أن “الصين غير مستقلة من ناحية الطاقة، ولكن في حال دخلت الحرب ليس من الأكيد انها ستربح لمواجهة السياسية أوالعسكرية أو الإقتصادية، فأوراق القوة ليست بيد الصين، واقفال السوق الأميركي أو الأوروبي بوجهها سيكون كارثي عليها، كما أن هناك قناعة اميركية لدى البنتاغون بأن الصين لن تقدم على اجتياح تايوان”.
وحول الحرب الاوكرانية، لفت الى” أنه استطاع الحزب الديمقراطي أن يحافظ بشكل حقيقي على مواقع قوته، كما أن روسيا خسرت الحرب استراتيجياً، وما يحصل من أجل تحسين شروط الهزيمة”، معتبراً أن “نتائج هذه الحرب وانعكاساتها على مستوى السياسات الدولية هائلة”.
نقاش يغوص في تفاصيل القراءة “المعمّقة”
شكّل التحليل الذي عرضه يوسف محور نقاش، غاص في التفاصيل للحصول على أجوبة على تساؤلات الحضور الذين كان لهم تعليقات على القراءة المعمّقة للمشهد، فجزم قانصو “بأن النظام الإيراني في حالة ارباك، وحزب الله لا يزال كياناً أمنياً وليس سياساً، ووضع ايران المحرج يدفع حزب الله الى التفكير واعادة حساباته ليكون عقلانياً والتكيّف مع التأقلم مع القوى النافذة وبالتحديد أميركا التي اعترفت من خلال التطورات الأخيرة في الترسيم وغيره بالحزب في تغيير صريح في سياستها التي تبدّلت الأولويات فيها”.
ولفت الى “أن حزب الله يريحه اعتراف أميركا الذي يرسم اطار اللعبة لتدجين الحزب، من دون اغفال أن ايران تترقب ما ستؤول اليه مستجداتها الداخلية ومفاوضاتها الخارجية قد تضحي بالحزب، يتطلب أن يقوم بإعادة هيكلة من أجل تذليل المعوقات البنيوية والعقائدية ليُصبح جزءاً من التكوين اللبناني”.
من جهته، اعتبر عياش “أن التحوّل في السياسة الأميركية له دلالاته، وحزب الله كان ولا يزال حرس حدود في الحسابات الإيرانية، وممارساته تُظهر بأنه هو من يحكم البلد ولن يُسلّم بسهولة على كل المستويات مهما كانت نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية”.
بدوره، اوضح قصير”أن ثمة ورشة ونقاش داخلي ضمن حزب الله من أجل ايجاد حلّ للوضع اللبناني، مع التأكيد على الإلتزام بالطائف”، مشيراً الى” الحزب اعترف بعد الترسيم أنه خلف الدولة، وأن المشكلة في لبنان ليست في الأحزاب وانما في الدولة والجميع معنيون بذلك وليس فقط حزب الله”.
ورداً على تساؤلات لكل من الأمين ومطر واسماعيل والحوّار عن تداعيات ما يحصل في ايران على الداخل اللبناني ودور “حزب الله” في المرحلة المقبلة والحديث عن أن لبنان متروك تحت رعايته وزيارة هيل الأخيرة الى لبنان ومصير الاستحقاق الرئاسي، أكد يوسف أن “معركة التوازنات لم تنته بعد، فهناك قضايا كثيرة معلقة ومنها هوية الرئيس، كما هناك تغييرات قد تحصل في تركيبة ادارة بايدن سينعكس عن كل الملفات والقضايا ومنها لبنان”.
ولفت الى “أن اذا كانت مصلحة أميركا من الاستقرار مع اسرائيل في المنطقة ولبنان عبر الترسيم في اطار المشكلة التي يعانيها العالم بخصوص الغاز، ولا شيئ يمنع بتسليم اميركا للحزب اذا اقتضت مصلحتها ولكن لا مؤشرات حول ذلك حتى الآن، من دون اغفال أن الحزب يُعلّق مسألة الاعتراف بالكيان اللبناني ولكن هذا لا يعني أنه ليس جزءاً من الدولة اللبنانية وعليه أن يُثبت بأنه سيسير بخيار تقليص سلطة الطوائف لمصلحة الدولة “.
وفي ردّه على مسألة خلاف الحزب مع جبران باسيل ومسألة رفع العقوبلات الأميركية عنه، أوضح يوسف أن ” الكلام بأن الادارة الأميركية قد تقبل بباسيل للرئاسة ورفع العقوبات عنه مقابل اعطائه الأميركيين الكثير بالسياسة غير صحيح”.