يوماً بعد يوم، تتأكد المعلومات المُتداولة والتي ترشح عما يحدُث ويدور، في كواليس العلاقات ما بين “الكونسورتيوم” المُكلف اعمال الاستكشاف والتنقيب والحفر والاستخراج الموضوع النفطي، لاسيما في ساحة البلوك رقم ٩ والذي يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والذي كان يُعتبر منطقةً مُتنازع عليها، وقد حُلت هذه العقدة، نتيجة الترسيم البحري الذي تم بواسطة امريكية قادها عراب الاتفاق آموس هوكستين.
وبدل ان تكون المعلومات الصادرة عن المفاوضين الرسميين اللبنانيين، هي التي تنضح بالحقيقة الكاملة، يتبين للبنانيين عموماً وللمتابعين من اهل الاختصاص والصحافة والسياسة، بأن الذي حصل ليس اكثر من مجرد صفقة بائسة كان يلهث خلفها العهد العوني البائد، لتسجيل إنجازٍ يتيم في اواخر ايام عهده، ومن خلفه بالطبع “حزب الله”، الذي هلل للترسيم واعتبره انتصاراً لمحور المقاومة، في “أخذ حقوق لبنان عنوةً وبالقوة من الكيان الاسرائيلي”.
هذا الامر تؤكده المعلومات التي تضج بها يومياً واسبوعياً، وسائل الاعلام ووكالات الصحافة، ومن مصادر إما غربية تصدر عن الشركة المكلفة الاستكشاف والتنقيب
“توتال”، إما من الصحافة الاسرائيلية نفسها.
ففي اواسط الاسبوع الماضي، صدر بيان إعلامي عن شركة توتال العالمية ليقول بأن “الكونسورتيوم المعني بالاستكشاف والتنقيب واستخراج النفط والغاز في البلوك اللبناني رقم ٩، قد وقع إتفاق إطار مع الدولة الاسرائيلية حول البلوك المذكور، وحول الحقوق المالية فيه لإسرائيل”.
هذا الخبر نزل كالصاعقة على اللبنانيين، حيث كان العهد، ومن خلفه “حزب الله”، أبلغ اللبنانيين بأن الاتفاق توصل الى تسوية
هذا الخبر نزل كالصاعقة على اللبنانيين، حيث كان العهد، ومن خلفه “حزب الله”، أبلغ اللبنانيين بأن الاتفاق توصل الى تسوية، تنازل بموجبها الجانب اللبناني عن الخط ٢٩، وبما يتضمنه من حصة لبنانية في حقل كاريش، مقابل الحصول على كامل حقل قانا الموعود.
هذا الامر ، ووفقاً لمعلومات “توتال”، اصبح خبراً كاذباً لا بل خيانة عظمى، بحق لبنان وثرواته في بحره وبره وبحقوق اللبنانيين في ثرواتهم، مما يُشكل جريمةً ترقى الى مستوى الخيانة العُظمى، والتي يجب أن يُحاسب ويُحاكم عليها كُل من خطط وسوق وهلل لها ووقع عليه.
وهنا لابد من التذكير بما قاله رئيس الحكومة الاسرائيلية المستقيلة، بأن هذا هو “تاريخي وحقق لاسرائيل المصالح الامنية والاقتصادية، ويُعتبر بمثابة اعتراف لبناني بدولة إسرائيل” .
الاتفاق ليس مجرد رسالة تفاهم حول الترسيم البحري، بل هو معاهدة واتفاقية بين دولتين
إذاً ، الاتفاق ليس مجرد رسالة تفاهم حول الترسيم البحري، بل هو معاهدة واتفاقية بين دولتين، وتم ايداعه دوائر الامم المتحدة، وتم التوقيع عليه من اعلى سلطتين في كل من الجانبين اللبناني رئيس الجمهورية ميشال عون، والاسرائيلي يائير لابيد رئيس الحكومة الاسرائيلية.
وبالتالي، بالسياسة، هذا اعتراف واضح وصريح بأن حدود لبنان البحرية الجنوبية يحدها دولة إسرائيل، لا بل اكثر من ذلك، حيث عبر الاتفاق على شراكة مالية فيما يُسمى البلوك رقم ٩، وما يتضمنه من مكمن مفترض ان يختزن النفط والغاز ولاسرائيل نسبة ١٧% من عائداته الموعودة.
ما كانت تسعى اليه إسرائيل لاهثة، من معاهدة سلام واعتراف بشرعيتها من لبنان، حصلت عليه تحت بند الترسيم الحدودي البحري
وهذا يعني، ان ما كانت تسعى اليه إسرائيل لاهثة، من معاهدة سلام واعتراف بشرعيتها من لبنان، حصلت عليه تحت بند الترسيم الحدودي البحري، والذي حقق امنية قادة الكيان الصهيوني، بالوصول الى اعترافٍ لبناني وعلني، وسُجِل في دوائر الامم المتحدة رسمياً وبالتالي سقطت حجج “حزب الله” في الاحتفاظ بسلاحه، بعدما اصبح شريكاً لاسرائيل في النفط والغاز، مما ينزع شرعية مقاومته، او انه يكون قد اصبح لسلاحه مهمة جديدة، الا وهي حماية المصالح الاسرائيلية في حقل كاريش والذي اصبح يُنتج الغاز، بينما ينتظر لبنان الاستكشاف والتنقيب والحفر والاستخراج، وهذا يتطلب سنواتٍ وسنوات ، وبالتالي قد يكون النفط والغاز فقد قيمته الفعلية، في حال تدنت الاسعار عالمياً وخف الطلب عليه، خصوصاً بعدما تتقدم الاكتشافات يوماً بعد يوم، وزيادة الطلب على الطاقة البديلة من الشمس والرياح والهيردوجين الاخضر، وغيرها من إكتشافات قد يتوصل لها العلم.