لا احد ينكر وجود الاحزاب القومية الانفصالية الناشطة في ايران، والدور الذي لعبته في المشهد الايراني منذ الاعلان عن تأسيس الدولة الحديثة عام 1923، على انقاض السلطنة القاجارية بقيادة الشاه الاب رضا شاه، الذي عمل تكريس الحدود الجيوسياسية للدولة الايرانية بعد السيطرة على محافظة خوزستان وانهاء سلطة الشيخ خزعل العربية فيها.
لا احد ينكر وجود الاحزاب القومية الانفصالية الناشطة في ايران والدور الذي لعبته في المشهد الايراني منذ الاعلان عن تأسيس الدولة الحديثة عام 1923
ومنذ تأسيس الدولة الايرانية، والجهود التي بذلها رضا شاه لانشاء عصبية قومية تقوم على “الايرانية”، بما هي حدود جغرافية تهضم وتقمع كل القوميات الاخرى ولا تعترف بخصوصياتها، فإن هذه السياسة اسهمت واسست لظهور الحركات المطالبة بالانفصال والاستقلال وحقوقها الطبيعية، وقد ذهب العديد من ابناء هذه القوميات، وتحديدا الاذريين (اتراك ايران) الذين اعلنوا عن اقامة جمهورية اذربايجان الشعبية في مناطق الشمال الغربي لايران، والاكراد بقيادة قاضي محمد الذي اعلن عن تأسيس جمهورية مهاباد او كردستان الحرة، التي اعتمدت على مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بقيادة الملا مصطفى بارزاني، كترجمة لخيارهم في اعتماد العمل المسلح في مواجهة السلطة المركزية كوسيلة واسلوب للمطالبة بحقوقهم، مستغلين الظروف التي انتجتها الحرب العالمية الثانية وتقاسم ايران بين الاتحاد السوفياتي والبريطانيين، وضعف الحكومة المركزية في عهد الشاه الجديد محمد رضا بهلوي، الذي تولى السلطة خلفا لوالده الذي خلع من السلطة، عقابا له من قبل البريطانيين بسبب ميوله الالمانية وعلاقته مع المستشار اودولف هتلر.
هذه السياسة اسهمت واسست لظهور الحركات المطالبة بالانفصال والاستقلال وحقوقها الطبيعية
واذا ما كان النظام الملكي قد استطاع توظيف الحاجة الغربية والاميركية لايران، كحاجز امام الطموحات السوفياتية التوسعية نحو المياه الدافئة في تثبيت اركانه وسلطته، الا انه استطاع ان ينتقل الى استخدام ورقة الاقليات في صراعاته الاقليمية، خاصة الكردية، من خلال دعم الملا مصطفى بارزاني في مواجهة السلطة العراقية، والتي انتهت مع التوقيع على اتفاقية الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود بين البلدين.
اذا ما كان النظام الملكي قد استطاع توظيف الحاجة الغربية والاميركية لايران كحاجز امام الطموحات السوفياتية التوسعية نحو المياه الدافئة في تثبيت اركانه وسلطته الا انه استطاع ان ينتقل الى استخدام ورقة الاقليات في صراعاته الاقليمية خاصة الكردية
مع انتصار الثورة عام 1979، استطاع المؤسس الخميني من احراج وجهاء وقيادة العربية في الاهواز الذين تحركوا سلميا، بالتخلي عن مطلب الحكم الذاتي وحقوق ابناء هذا الاقليم، والتعويض عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له في العهد الملكي، من خلال اللجوء الى الخطاب والعدالة الدينية، والتأكيد على حق الايرانيين على العرب بتعليمهم لغة العربية.
مع انتصار الثورة عام 1979 استطاع المؤسس الخميني من احراج وجهاء وقيادة العربية في الاهواز الذين تحركوا سلميا بالتخلي عن مطلب الحكم الذاتي وحقوق ابناء هذا الاقليم
في المقابل كانت المناطق الكردية قد بدأ حراكا مسلحا للمطالبة بحقوقهم التاريخية، الا ان نظام الثورة تعامل معهم بالعنف والقمع المسلح، وحصلت معارك قاسية خاصة في مدينة سنندج عاصمة اقليم كردستان. وفي محاولة لاستيعاب هذا الحراك سياسيا، تشكلت لجنة متابعة من مجلس قيادة الثورة، لوضع تصور حول آليات الحل مع الاكراد، ورفعت توصياتها الى الخميني وكان من بينها تخصيص نسبة واحد في المئة من عائدات النفط، الذي ينتج من اقليم الاهواز لمشاريع تنوية اقتصادية في كردستان.
تشكلت لجنة متابعة من مجلس قيادة الثورة، لوضع تصور حول آليات الحل مع الاكراد ورفعت توصياتها الى الخميني وكان من بينها تخصيص نسبة واحد في المئة من عائدات النفط الذي ينتج من اقليم الاهواز لمشاريع تنوية اقتصادية في كردستان
الا ان النتيجة كانت اسكات العرب عن مطالبهم، وتوظيف لم ينفذ لثروات اقليمهم لتنمية اقليم اخر. ليدخل الصراع بين السلطة المركزية في طهران والمنظومة الحاكمة مع القوى الكردية واحزابها في دائرة الملاحقة والاغتيال، اذ شكل اغتيال زعيم حزب العمال الكردستاني الايراني عبدالرحمن قاسملو، في 13 تموز عام 1989 في مدينة فيينا بالنمسا، ثم جرى اغتيال القيادي الكردي صادق شرفكندي في برلين في 17أيلول 1992.
الاغتيالات والملاحقات التي تعرضت لها قيادات عربية وكردية واذرية، لم يكن السبب المباشر فيها، المطالب الانفصالية، فاغتيال قاسملو جاء في اللحظة التي اعلن استعداده للحوار مع النظام، اي استبعاد مبدأ الانفصال عن طاولة التفاوض، من اجل البحث عن مخارج لازمة العلاقة مع الاكراد والحكومة المركزية. وهو السبب نفسه الذي يكمن خلف الموقف العدائي للنظام، من القوى والاحزاب العربية التي تدعو الى التفاوض حول الحقوق الطبيعية والدستورية. اي ان العمل المسلح لاي حزب او جماعة قومية لم تكن تشكل مصدر تهديد حقيقي للنظام، لان آلية التعامل الامني والعسكري المسلح واضحة، وقد استخدمها اكثر من مرة واستطاع قمعها والسيطرة عليها. الا انها – اي الجماعات المسلحة- تحولت الى ذريعة وغطاء ليمارس النظام اشد انواع القمع والملاحقة والعداء، مع القوى التي تتبنى آلية الحوار والتفاوض من اجل تحصيل حقوقها الاساسية، باعتبارها الاخطر عليه (النظام)، نتيجة عدم امتلاكه اجابات، تسوغ عمليات الاقصاء والاهمال والتهميش والحرمان التي تمارس بحق ابناء هذه القوميات.
اغتيال قاسملو جاء في اللحظة التي اعلن استعداده للحوار مع النظام اي استبعاد مبدأ الانفصال عن طاولة التفاوض
مع بداية الاحتجاجات الشعبية بعد مقتل الفتاة مهسا اميني على يد شرطة الاخلاق، استنفر النظام قواته العسكرية مباشرة، فحول اقليم خوزستان العربي الى منطقة عسكرية، مرسلا تعزيزات من الجيش وحرس الثورة، في خطوة استباقية لمواجهة اي تحركات اعتراضية قد تحصل، خاصة وان الاقليم مر بفترة عدم استقرار اواخر رئاسة حسن روحاني وبداية عهد ابراهيم رئيسي، على خلفية شح المياه والمطالب المعيشية.
مع بداية الاحتجاجات الشعبية بعد مقتل الفتاة مهسا اميني على يد شرطة الاخلاق استنفر النظام قواته العسكرية مباشرة فحول اقليم خوزستان العربي الى منطقة عسكرية
في حين ساعد التوتر مع اذربايجان في تحويل المناطق الاذرية الى ثكنة عسكرية، ومنطقة اكبر واضحم مناورات واسعة حشدت فيها القوات البرية والجوية والمدفعية، بالتزامن مع بداية حركة الاحتجاجات، وذلك تحسبا لاي تطور ميداني نتيجة الحرب الاذربايجانية الارمينية. اما المناطق الكردية التي تنتمي لها الفتاة اميني ( مدينة سقز في محافظة سنندج)، وفي محاولة لمنع اتساع رقعة الاحتجاجات، لجأ النظام الى التصعيد مع الاحزاب الكردية، خاصة حزبي العمال الكردستاني وكومله، ولعسكرة اي احتجاج وتهيئة الارضية لاي عملية قمع، بذريعة التصدي لمخططات مدعومة من الخارج تريد وتسعى لتقسيم ايران من خلال نشاط هذه الحركات الانفصالية.
والامر نفسه مارسه النظام في محافظة سيستان وبلوشستان، اذ عمد الى ممارسة اعلى درجات القمع بفتح النار على المتظاهرين ما ادى الى سقوط العشرات منهم، من دون اي يكون على استعداد لتقديم اي مسوغ، سوى اتهام هذه الاحتجاجات بالعمل ضمن اجندات مدعومة من الخارج لتقسيم ايران والقضاء على النظام. ولم يبادر المرشد الاعلى الى خطوة الحوار مع قيادات هذه المحافظة، من دون اي اعتذار عن اعمال القتل او تنازل الا بعد ان رفع امام جمعة زاهدان مولوي عبدالحميد مستوى التحدي، بدعوته لاجراء استفتاء عام حول مطالب المعترضين.
الامر نفسه مارسه النظام في محافظة سيستان وبلوشستان اذ عمد الى ممارسة اعلى درجات القمع بفتح النار على المتظاهرين ما ادى الى سقوط العشرات
وفي الوقت الذي يحاول النظام والمنظومة الحاكمة التقليل من مخاطر وتداعيات الحراك الاحتجاجي، الذي تشهده المدن الايرانية الذي يرفع شعارات ومطالب مركبة، ما بين الحريات الشخصية والزامية الحجاب والحياتية والتعددية الحزبية والاقتصادية، على الرغم من ان هذا الحراك بدأ يتحول الى هاجس لدى العديد من القوى الداخلية الموالية والمعارضة للنظام، فان هذه المنظومة تسعى لتضخيم التهديد الخارجي الذي يتآمر عبر الحركات الانفصالية، وتحديدا الكردية، للانقلاب على النظام وتقسيم ايران، تنفيذا لمخططات وضعتها اجهزة مخابرات اميركية وبريطانية واسرائلية وعربية.، وانه على استعداد لتوسيع دائرة التصدي والرد على هذه المؤامرة خارج الحدود الايرانية، كما يفعل من خلال استهداف اقليم كردستان العراق الذي يتهمه بتقديم الدعم للجمعات الكردية بمساعدة اسرائيلية، والتهديد بنقل المعركة الى داخل الاراضي السعودية ،على خلفية اتهامها بتقديم الدعم للجماعات الانفصالية العربية والبلوشية في خوزستان وسيستان وبلوشستان.