فكرة الوطنية العراقية أصبحت خرافة

العراق

في النظام العراقي “الجديد” أصبحت “الوطنية العراقية” فكرة من الماضي. الكيان يُعاد تأسيسه سلباً حول مجموعة نَفْيات (جمع نفي) طائفية (شيعية سنية) وقومية (كردية وتركمانية) ودينية (كلدانية أشورية، أيزيدية وصابئة). صحيح أن القوميين العرب البعثيين قد استنفدوا بل استهلكوا الوطنية العراقية في سياسات قمع حادة ومتطرفة فنفوها على طريقتهم وأظهروها غير قادرة على استيعاب المكوِّن الكردي بينما كان المكوّن الشيعي يزداد اغتراباً عنها حتى جاءت الثورة الإيرانية وجعلت أي صلة وصل بين هذه الوطنية والزخم الشيعي الجديد مستحيلة وإذا لم تكن مستحيلة فهي عقيمة.
إنها حقبة بلا كيانات فعلية لا عراقية ولا لبنانية ولا يمنية يُعاد “التأسيس” فيها على قاعدة ديناميات التفتّت. السيادة من القوى “الجديدة” مجرد ادعاء.

اقرأ أيضاً: العراق جائزة إيران.. وُقّع الاتفاق النووي أم لم يُوقّع

كانت السيدة غرترود بيل التي لعبت دورا حاسما في رسم حدود العراق عالمة آثار. ستعود في مذكراتها أو يومياتها لتصف النهار الذي نجحت فيه في الاتفاق مع الفرنسيين على جعل دير الزور جزءا من سوريا بأنه إنجاز. لم يُتح للوطنيات الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى أن تستكمل نضوجها حتى ضد الوطنية الإسرائيلية. داهمتها الحروب الأهلية سواء ضد الدولة كما في لبنان أو عبر السيطرة على الدولة بواسطة الجيوش كما في العراق وسوريا قبل أن تصل إلى مستوى نهائي من التماسك.
ستسقط الملكية في العراق وينفلت من عقالهم وحوش كعبد الكريم قاسم وصدام حسين وعلي صالح السعدي وضباط أقل أهمية وليس أقل شراسة لكي يحوِّلوا السياسة العراقية إلى مذابح متواصلة. البلد الذين نَعِم بأقوى طبقة وسطى عربية، حتى قياسا بالطبقة الوسطى اللبنانية في أفضل أيامها سيذهب إلى مهانته الشاملة والعميقة ومعه هجرات وتهجيرات أنتجت شعراء وروائيين وجاليات على أراضٍ أوروبية وأميركية ولكنها لم تخرج من النفق الجحيمي الذي دخلته.

الآن ورثت العمائمُ الضباطَ على النمط الإيراني الجامح. وسنرى كيف تصبح الفكرة المدنية فكرة مخنوقة بكمية من المحظورات التي تلغي جوهرها وهو فصل الدين عن الدولة حتى عندما يصدر عن المرجعية المبجَّلة في النجف.كيف لهذه الوطنية العراقية المستجدة أن لا تختنق بكل هذه الطقوس التي تجعل الهوية الطائفية تطلق نيرانها كتنين غاضب لا يملك غير بعض استعارات من لغة قديمة.
لذلك ترتسم في علاقات القوى العراقية استحالة جيليّة وفكرية وكيانية معاً. جيل بمفاهيمه لا يستطيع التواصل الفعلي مع جيل سابق وإذا جاز القول لا يستطيع التواصل حتى مع نفسه. ووسط ذلك تجري إدارة العقم الوطني العراقي في غياب نظام عربي انتهى من معظم وحوشه السابقة دون أن يصل إلى الاستقرار إلا باعتباره انتقالاً من حرب إلى حرب.

هذا الجحيم العراقي تصل مداخيله النفطية إلى أكثر من سبعة مليارات دولار في بعض الأشهر. وعائدات تقارب المائة مليار دولار سنوياً، فأي رخاء خرافي هذا، وكم يخفي تحته من مصالح غربية ناهيك عن منظومة ديناميات داخلية (وإيرانية) مستفيدة. هذا يجعل، لاشك، من العراق متنَفَساً رئيسيا للاقتصاد الإيراني المحاصَر.
….من الضباط إلى العمائم رواية وطنية جهيضة يختلط فيها الدم بالنفط في تاريخ معاصر لم يبق منه شيء تقريبا بعد مائة عام.

السابق
بعد 3 أشهر على توقيفهما..الإمارات تُفرج عن عضو بلدية جبشيت ونجله
التالي
خاص «جنوبية»: لقاء دار الفتوى تثبيت لمركزية القرار السني في غياب المرجعية السياسية!